خضر حسان
يفترض بالشمول المالي، كما تطرحه المصارف العربية، أن يولد فرص العمل ويحارب البطالة ويكافح الفقر ويبني بنية تحتية مالية جديرة بأن تنمي الاقتصادات وتعزز قدراتها التنافسية.
ضمن هذا الهدف تجتمع أسس كثيرة تقوم عليها إقتصادات دول بحدّ ذاتها، وهي أسس تعمل على بنائها الحكومات، أي انها خطط يتبناها القطاع العام وليس القطاع الخاص. والحديث عن دور للقطاع الخاص في هذا المجال، يكون بالتوازي مع عمل القطاع العام، وليس بالانفصال عنه والقيام بدوره، لأن من طبيعة القطاع الخاص انه لا يقوم بمشاريع القطاع العام، لأنها مشاريع خاسرة في الحسابات الاقتصادية. فتوليد فرص العمل من مهام القطاع العام، يقوم بها وفقاً لدراسات وخطط تنموية واسعة، من شأنها توليد فرص العمل ومكافحة البطالة، وبالتالي تخفيض معدلات الفقر، الذي يكون ايضاً عبر سياسات أخرى تستهدف بالدرجة الأولى تطوير القطاعات الانتاجية ضمن خطة انماء متوازن، يجمع ما بين تنمية الريف والمدينة، والمركز والأطراف.
وكل ما تقدّم، لا يدخل في إطار عمل المؤسسات الخاصة، الا اذا كان الربح هو الهدف النهائي لتلك العمليات. ومن هنا يأتي إطلاق المصارف لعملية الشمول المالي التي تهدف بالدرجة الأولى الى تحفيز العملاء في الاطراف على الإستدانة. وحتى لو كانت الاستدانة بهدف خلق فرصة عمل او القيام بمشروع انتاجي ما، الا ان الاستدانة تولّد ربحاً للمصارف. لكن قبل الاهتمام بالشمول المالي، يفترض بالمصارف ان تدرس البيئة التي تستهدفها، اذ ليس من المنطقي الترويج للعمل المصرفي في بيئة “جاهلة” مصرفياً، ولا يمكن اعطاء عميل قرضاً ما، دون تأمين نجاح مشروعه الانتاجي وتحصيله لأرباح تسدّ قيمة القرض، وتدر عليه ربحاً. وكل ذلك لا يمكن ان يتمّ دون تأمين البنى التحتية اللازمة لإنجاح المشاريع.
وفي بلد مثل لبنان تنعدم فيه البنى التحتية، كيف للمزارعين أو صغار المنتجين في الأطراف، التوجه نحو المصارف للحصول على قروض لبناء مصنع أو حرفة أو زراعة أرض، دون تأمين الحد الأدنى من الضمانات المتمثلة بالمياه والمواد الأولية والإعفاءات الجمركية والكهرباء وشبكة الطرقات… وغيرها؟ وعدم الإكتراث لهذه النقطة، والاعتماد فقط على حملة تشجيع المصارف لسكان الأطراف على الانخراط في العملية المصرفية، يعني أحد الخيارين، إما ان المصارف تجهل ما تفعله وتبني أحلامها في المجهول، وإما ان سكان الأطراف لا يدركون بديهيات إنشاء عمل أو بناء مؤسسة. والخياران مستبعدان كلياً، فالمصارف ليست بهذه السذاجة لكي تطلق حملة تدعو فيها أهل الأطراف الى فتح حسابات مصرفية أو الاستدانة لإنشاء مشاريع انتاجية. كما ان الناشطين اقتصادياً من أهل الأطراف يعلمون، أو يختبرون عملياً، نتائج غياب البنى التحتية على المشاريع الإنتاجية، إما لناحية كلفة الإنتاج، أو لناحية تسويقه. وفي الحالتين، فإن غياب البنى التحتية في الأطراف، هو المحدد الأساسي لنجاح فكرة الشمول المالي، أو فشلها. وبرأي أستاذ الإدارة العامة في الجامعة اللبنانية الفرع الخامس، برهان الخطيب، فإن “أهم شيء تقوم به المؤسسة هو دراسة المكان الذي ستذهب إليه وتتعامل معه”. وفي ظل غياب البنى التحتية في الأطراف، لا يمكن للمصارف الذهاب الى تلك المناطق بطريقة غير مدروسة، إلا اذا أرادت هي ان تؤمّن البنى التحتية، وهذا ما يستبعده الخطيب في حديثه لـ “المدن”، لأن البنى التحتية “من مهام الدولة. وقد يكون هناك إلتقاء بين القطاعين العام والخاص للقيام بتلك المهام، الا ان الدولة في هذه الحالة عليها ان تقّدم حوافز للقطاع الخاص لمشاركتها”. ويضيف الخطيب، “على القطاع الخاص ايضاً خفض فوائد القروض وزيادة الحوافز لأصحاب المشاريع التي تعالج أزمات كبيرة في الاطراف، كأزمة تصريف زيت الزيتون. فعلى المصرف في هذه الحالة تأمين حوافز لصاحب المنشأة التي ستقوم بتصريف زيت الزيتون”.
سد الفجوة بين قيام المشاريع الانتاجية في الأطراف ووجود البنى التحتية، هي أزمة عالمية لا تنحصر بلبنان أو دول المنطقة، إذ ان المنتدى الاقتصادي العالمي يقدّر الكلفة العالمية المطلوب إستثمارها في البنى التحتية، بحوالي 3.7 تريليون دولار سنوياً، في حين ان الإستثمار العالمي في البنى التحتية هو حوالي 2.7 تريليون، أي ان هناك حاجة لإستثمار ما يقارب تريليون دولار سنوياً. لكن الى حين سد العجز العالمي، يمكن لحكومات الدول، وقطاعاتها الخاصة ان تبدأ بسد ما أمكنها من فراغ على المستوى المحلي. وفي لبنان، يبدأ سد الفراغ بعملية متكاملة بين الدولة والقطاع الخاص. ويرى امين عام اتحاد المصارف العربية وسام فتوح ان دور الدولة في تأمين البنى التحتية مطلوب، والى جانب ذلك، على الدولة ان تقوم بكفالة المواطن عبر مؤسسات معينة. وفي حديث لـ “المدن” يعتبر ان “التجارب الناجحة في العالم، وبعض الدول العربية، تعود الى وجود مؤسسات ضامنة، مثل الصندوق الاجتماعي في مصر، أو بنك تكفله الدولة في تونس.. وغير ذلك”، وتقوم هذه المؤسسات بتقديم ضمانة للمصارف بأن المقترض سيعيد المبلغ الذي اقترضه، “لأن المصارف في النهاية ليست كاريتاس”، ودور الدولة يسد حاجة المصارف الى وجود “كشف حساب” للمقترض، على سبيل المثال. فمن الطبيعي ان لا يكون لدى المقترض حساب مصرفي، وهنا يأتي دور المصارف في القيام بنوع من “محو الأمية المصرفية” عبر التوعية حول العمل المصرفي. ولا يعفي فتوح المصارف من ضرورة عدم رفع قيمة الفوائد ووضع رسوم مرتفعة على عملية فتح الحسابات المصرفية.
غياب البنى التحتية اللازمة لإستكمال المشاريع التنموية، ولاحقاً لتفعيل عملية الشمول المالي لتكون أكثر إنتاجية لا عملية مالية ربحية للمصارف، ينعكس حتى على المشاريع الممولة من جهات دولية في مناطق الأطراف. وبحسب مستشار الإتحاد الأوروبي في لبنان عمر عالم، فإن مشاريع كثيرة تتوقف بعد انتهاء التمويل من قبل الإتحاد، نظراً لغياب البنى التحتية والحوافز الرسمية اللازمة لإستمرار المشاريع. فالوزارات، وفق ما يقوله عالم لـ”المدن”، لا تملك الخطط والدراسات التنموية، وهذا ما يفقدها ثقة المواطن، ويصبح هامش المخاطرة بإنشاء المشاريع، أكبر.