بشرى رضا
تسير قرى ساحل الزهراني في جنوب لبنان، الى لامركزية ادارية واقتصادية. الخطوة التي فرضها التوسع العمراني، والزيادة الديموغرافية، وتزايد القدرتين الشرائية والاستثمارية عند أهالي الجنوب، عززت الاتجاهات الى “اكتفاء ذاتي”، يحمل ملامح “الاستقلال” عن مدينة صيدا، ويتكرس إدارياً، بخطوة جديدة، تتمثل في افتتاح دائرة نفوس “قريباً” في الصرفند، منفصلة عن دائرة النفوس في صيدا.
والحال أن منطقة الزهراني، التي ارتبطت منذ أكثر من مئة عام، اقتصادياً وادارياً، بمدينة صيدا، بدأت تختبر لامركزيتها الادارية والاقتصادية تدريجاً منذ نحو خمس سنوات. السياق الطبيعي لـ”الإستقلال” عن مركز المدينة، عادة ما تفرضه الكثافة السكانية. لكن أزمة الشيخ أحمد الأسير، والمخاوف التي رافقتها، سرّعت باتجاه خطوات اتخذت شكلها الاقتصادي، في اطار البحث عن البدائل.
لطالما كانت صيدا مقصد الجنوبيين، وخصوصاً سكان منطقة الزهراني التي تتبع ادارياً لـ”بوابة الجنوب”. فالمراكز الرسمية، موجودة في مركز المدينة، اضافة الى المراكز التجارية والسوق الشعبية. غير أن هذا المشهد، بدأ يتقلص قبل سنوات. وتسير بلدة الصرفند بخطى أسرع باتجاه استقطاب المؤسسات الحكومية، وقد استهلت خطواتها باستضافة مركز لوزارة الشؤون الاجتماعية مطلع التسعينيات.
من الناحية الادارية، بدأ التوسع حين استُحدث مركز للمديرية العامة للأمن العام في منطقة الصرفند، تلاه استحداث مركز للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في منطقة الغازية التي تعد عاصمة قرى ساحل الزهراني. وتتضاعف المساعي، لاستحداث مركز “دائرة نفوس” في الصرفند “قريباً”، بحسب ما يقول رئيس اتحاد بلديات ساحل الزهراني علي مطر لـ”المدن”، مشيراً الى أن “الهدف من ذلك، هو تخفيف الاعباء والجهد عن السكان”، فضلاً عن “إستكمال مسيرة التنمية التي بدأناها في المنطقة”.
وينفي مطر الرغبة بـ”الانفصال” عن صيدا، مؤكداً أن الهدف مرتبط أساساً “بتلبية حاجات الناس”، مشدداً على أنه “نوع من اللامركزية الادارية”، نافياً بشدة أي تفسير طائفيّ أو مذهبيّ له، مع اعترافه بالذيول التي تركتها أزمة الشيخ الأسير على أبناء المنطقة عموماً.
كذلك انسحبت خطوات التوسع في ساحل الزهراني، على الجانب الاقتصادي أيضاً. فقد وجد الناس هناك بدائل عن سوق صيدا، بحكم التضخم السكاني، وتوفر رأس مال قادر على تنفيذ مشاريع تنموية. وشهدت المنطقة تطوراً لافتاً للحركة الاقتصادية، لجهة افتتاح أسواق جديدة في المناطق، وتطوير الاسواق في النبطية وصور التي باتت مقصداً لسكان كثير من مناطق الجنوب، فضلاً عن افتتاح منصات ترفيهية، مثل كورنيش الغازية الذي بات مقصداً لرواد الواجهة البحرية الجنوبية، بدلاً من كورنيش صيدا.
لكن هذه الحركة، بقيت في اطارها التجريبي، ذلك أنّ صيدا تحوي أسواقاً جديدة ومتنوعة ومراكز تسوق (مولات) وغيرها. ولا ينفي رئيس جمعية “تجار صيدا وضواحيها” علي الشريف، ان سوق المدينة تأثر بعدما توسعت أسواق الجنوب وأصبحت شاملة، حيث يجد المستهلك فيها كل ما يطلبه، “لكن تبقى صيدا عاصمة الجنوب ومقصداً لجميع الناس، بحيث نجد فيها الغالي والرخيص”، مشيراً في تصريحات لـ”المدن”، إلى ان “المستهلك يعي مصلحته عند شرائه من حيث النوعية والسعر”، في إشارة الى المحلات الكبرى والـ”فرنشايز” التي دخلت اسواق المدينة منذ ست سنوات.
ويلفت الشريف الى جانب سلبيّ، موضحاً انه “عندما زادت الأسواق المحيطة بصيدا وقلّ توافد الناس اليها، تضاءلت الحركة التجارية ونسبة المبيعات الاجمالية، سواء في صيدا او أسواق الجنوب بسبب كثرتها”، معتبراً انه “لا نعرف الى أين سيؤدي هذا الوضع”. وإذ يؤكد الشريف الى ان الوضع الأمني حالياً “مستقر بخلاف السنوات الماضية ما يوفر سهولة في التنقل داخل صيدا واسواقها”، يشير الى انه “لا ننسى ان هناك نسبة كبيرة من الناس من المناطق المحيطة بصيدا قد اعتادت التسوق فيها ولا تزال تقصدها، رغم افتتاح أسواق عديدة داخلها او بالقرب منها”.
