IMLebanon

أرقام ووقائع فضائحية في ملفّ النفايات!

Bourj Hamoud Waste

 

كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”:

ليس هناك من إثبات على المناخ الفضائحي الذي يستولي على البلد أكثر من ملف النفايات. ففي لبنان، هناك «الأبرياء» الذين يصدِّقون أنّ هناك مشكلة تقنية أو اقتصادية تمنع معالجة الملف. وهناك المتحكِّمون بالقرار، «العالمون» بكلّ شيء… لأنّ الأزمة متعمَّدة ومِن صنع أيديهم!يجري التداول في العديد من الأوساط بأنّ هناك «جبنة» في النفايات يتقاسمها الأقوياء، وهم لن يتخلّوا عنها أيّاً كانت الظروف والاعتبارات. ويتردَّد في هذا السياق أنّ هناك مَن «تمنّى» على لجنة الخبراء، في الصيف الفائت، ألّا تضع تقنية البلازما في دفتر الشروط الذي تتولّى تحضيره.

ولهذا السبب، ساد الاستياء صفوف هؤلاء الخبراء المعروفين بجدارتهم العلمية، والذين شعروا بأنّ هناك مَن يريد أن يفرض عليهم مساراً معيّناً لا يتفق مع الموضوعية العلمية.

ويكشف المطّلعون أنّ عملية إلغاء المناقصات التي جرت كانت متعمّدة، لأنّ المطلوب أساساً نسف الحلول وإبقاء الأزمة حتى تستعصي على الجميع ويستسلموا لعملية التقاسم التي سينضج أوانها.

لماذا تمّ استبعاد تقنية البلازما؟

أولاً، لأنّ اعتماد هذه التقنية يضع حداً عملياً للأزمة. وثانياً لأنّ اعتماد التقنيات الأخرى، إجمالاً، يبقي النفايات مادة «مزعجة» يجب دفع المال للتخلص منها، سواءٌ بالطمر أو الإحراق أو الترحيل أو سوى ذلك.

وفي الحدّ الأدنى يجري الحديث عن دفع 130 دولاراً للطنّ (الترحيل) وقد يصل إلى ما فوق الـ230 دولاراً (الطمر أو الحرق أو التدوير أو الفرز). وتالياً، يصبح ممكناً تقاسم «الجبنة» المقدرة بملايين الدولارات سنوياً.

وأما اعتماد تقنية البلازما فينقل النفايات من كونها مادة «مزعجة» إلى كونها مادة مربحة اقتصادياً. فهو يتكفَّل بالنفايات، كما هي، بلا فرز، ويحوِّلها بكاملها طاقة كهربائية، باستثناء 1% فقط، تجري الاستعانة به كمادة تستخدم في تزفيت الطرق.

وتشير الدراسات إلى أنّ هذه التقنية قادرة على تغطية أكلاف بناء المعامل وتشغيلها. وفوق ذلك، تحقّق مردوداً يقارب الـ45 دولاراً للطن.

والمتوقع من حجم النفايات المتصاعد عاماً بعد آخر، هو أن تؤمِّن جزءاً مهماً من الحاجة إلى الطاقة الكهربائية. فكلّ 1 طن من النفايات ينتج 1200Kw من الطاقة الكهربائية. وفي هذا يمكن إدراك لماذا تطلب دولٌ كالسويد استيراد النفايات، فيما لبنان غارق في نفاياته ويتعثَّر فيها!

فالطاقة الكهربائية الممكن إنتاجها هي 6000Mwh يومياً، أيْ 250Mwh على مدار اليوم. ومع نموّ كمّية النفايات بمعدّل 6%، تصل عام 2028 إلى أكثر من عشرة الآف طن يوميّاً، تنتج بالتالي 12000Mwh أيْ 500Mwh على مدار اليوم، ممّا يعادل 25% من كامل الطاقة المنتجة في لبنان.

وبناء مصنع بتقنية البلازما لنفايات بيروت الكبرى، التي تقدّر بـ2000 طن/اليوم، يعني إنتاج طاقة كهربائية بمقدار 2400Mwh يومياً أيْ 100Mwh على مدار اليوم. وتبلغ كلفة المصنع 240 مليون دولار، وبمردود يومي 240 ألف دولار، أيْ بمردود سنوي يقدّر بـ 80 مليون دولار، وبكلفة تشغيل سنوي تقارب الـ 36 مليون دولار.

وهذه المعطيات يشرحها لـ«الجمهورية» المهندس غطاس القصيفي، الباحث والمطوِّر في الهندسة الميكانيكية التطبيقية. فالبلازما هي حالة المادة الرابعة بعد الصلب والسائل والغاز. وهي غازٌ مشحون إلكترونياً وشديد السخونة، تولّده النجوم طبيعيّاً. ولكن بات ممكناً توليده إصطناعياً باستخدام الطاقة الكهرومغناطيسيّة. وتصل حرارة غاز البلازما إلى 16.000 درجة مئوية خلال تحويل النفايات إلى طاقة.

وتعالج بالبلازما كلّ النفايات العضوية وغير العضوية، المنزلية والصناعية والاستشفائية والانشائية والعسكرية وسواها، إضافة إلى النفايات المطمورة في المطامر والمكبّات المنتشرة في لبنان (مثلاً برج حمود والناعمة).

فهذا المفاعل، بدرجة 16.000 مئوية، يرفع درجة حرارة النفايات لتصل إلى 6.000 درجة مئوية (درجة إنصهار الفولاذ 1.500 درجة مئوية)، وتتحوّل النفايات غازاً كاملاً، وتقسّمها وتعيدها على مستوى النواة، إلى عناصرها الطبيعيّة الأساسيّة.

وتلبّي هذه التكنولوجيا شروط المنظّمات العالميّة الأكثر صرامة في مجال التلوّث. إذ ليس لها أيّ تواصل مع البيئة الخارجيّة، لا مداخنة ولا أيّ شيء آخر. وتجري العمليّة بأكملها ضمن تجهيزات مغلقة وبلا انبعاثات.

وهي لا تتطلّب فرز النفايات عند المصدر بل تتعامل مع النفايات المفرزة وغير المفرزة. فإذا كانت النفايات غير مفرزة، يُنتج المفاعل معادن مستقرّة يمكن صقلها وبيعها، وجفاء (بحصاً) صلباً نظيفاً يمكن إستخدامه في بناء الطرق والجسور وغير ذلك.

وأما التدوير فهو غير اقتصادي. وتسبيخ المواد العضوية (التحويل إلى أسمدة) لا جدوى منه، وأما المحارق الشائعة بسبب تدنّي كلفة إنشائها، (لكن كلفة التشغيل مرتفعة (100$/طن)، فتنتج إنبعاثات سامّة، ورمادها السامّ خطِرٌ على المياه الجوفيّة والتربة.

ولتكون عملية تغويز النفايات بالبلازما مربحة بمقدار 45$/طن، بعد حسم كامل الأكلاف التشغيليّة والإدارية والمالية، يفترض أن يكون المصنع منشأ لمعالجة 550 طناً/اليوم، على الأقل، منتجاً 660 Mwh و35 طناً من بلوكات المعادن، و75 طناً من الجفاء الصلب.

وكلفة المصنع وإنشاءاته تبلغ في هذه الحالة 60 مليون دولار، وكلفة التشغيل تبلغ سنوياً 9 ملايين دولار، ويتطلّب بناؤه 18 شهراً ليبدأ بالعمل. ولذلك، كي تكون معالجة النفايات بالبلازما متوازنة إقتصادياً، الأفضل أن تتمّ على مستوى المحافظات لا البلديات.

ويحتوي مطمر برج حمود على نحو 10 ملايين طن من النفايات، ويحتوي مطمر الناعمة على نحو 18 مليون طن. وإذا أنشئ مصنع قرب كلّ منهما بطاقة 2000 طن يوميّاً، يُعاد تأهيلهما بتنظيفهما كلياً وإعادة الارض كما كانت أساساً، وتحويل كامل النفايات المطمورة أيْ 28 مليون طن إلى طاقة. فالمطامر الحالية تشكِّل مخزوناً لإنتاج الطاقة، بمعدّل 200Mwh على مدار اليوم، ولمدّة 20 سنة.

ووفق الأرقام التي تتحدّث عنها الادارات الرسميّة، فأنّ حجم النفايات في لبنان عام 2015 هو أربعة الآف طنّ يوميّاً. لكنّ لبنان ربما ينتج حالياً خمسة آلاف طن يومياً، إذا أضيفت إليها نفايات السيارات والنفايات الصناعية ونفايات الاستشفاء ونفايات أخرى كتجهيزات المنازل والمكاتب، إلكترونيات وسواها.

إذاً، تتعرّض تقنية البلازما لمواجهة من لوبي الإدارات التقليديّة، لأنها تحقّق للقيّمين عليها أرباحاً هائلة من جراء إعتبار النفايات «زبالة» تقتضي المساعدة للتخلّص منها. كما تتعرَّض لمواجهة من «لوبي» الصناعة التقليديّة لتجهيزات المَحارق.

وهنا يمكن الاستشهاد بالبروفسور إدغار شويري، العالِم اللبناني، وأستاذ الفيزياء التطبيقية وهندسة الملاحة الفضائية ومدير برنامج الفيزياء الهندسية في جامعة برنستون الأميركية، إذ قال: «أجزم بأنّ التطبيق الصحيح لتكنولوجيا البلازما يملك المقوّمات لجعل المطامر شيئاً من الماضي». ولكن «لا تستطيع أيّ تكنولوجيا، حتى لو كانت في غاية الفاعلية مثل البلازما، أن تحلّ أزمةً تتحكّم بها بشدّة آفات الجشع والفساد والسياسة الطائفية»!