تنعقد طاولة الحوار الوطني اليوم في أجواء سياسية مغايرة لتلك التي سادت الجلسة السابقة، وذلك على قاعدة ان ما بعد لقاء باريس بين سعد الحريري وسليمان فرنجية ليس كما قبله.
هذه المرة، سيدخل فرنجية الى جلسة الحوار باعتباره مرشحا فوق العادة، وسيكون طيف الاجتماع الباريسي مخيما على الطاولة التي استهلكت معظم وقتها، منذ انطلاقتها، في ترف مناقشة مواصفات رئيس الجمهورية، تاركة صياغة الاسم للكواليس العابرة للحدود.
أكثر من ذلك، هناك من يدعو الى رصد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية المقبلة التي قد تحمل مؤشرات مستجدة، وربما تعكس نمطا جديدا من التعاطي مع الاستحقاق الرئاسي، تبعا للمفاعيل التي ستترتب على اجتماع باريس في الايام المقبلة.
وفيما استمر اللقاء بين الحريري وفرنجية مادة الاستقطاب السياسي، وسط زحمة السيناريوهات والفرضيات، تميل أوساط مطلعة الى الجزم بان موافقة الحريري على عقد اللقاء ما كانت لتتم، لولا حصول الحريري على الغطاء السعودي الضروري، لان طرح اسم من وزن فرنجية ـ وما يمثله على صعيد التحالفات الداخلية والاقليمية ـ في دائرة التداول الرئاسي، هو خرق كبير لا يستطيع الحريري ان يتحمل مسؤوليته لوحده، بمبادرة فردية، خصوصا ان وضعه في السعودية دقيق اصلا ولا يحتمل «دعسات ناقصة»، علما انه كان لافتا للانتباه في ختام بيان رئيس «المستقبل» حول لقائه مع النائب سامي الجميل، إشارته الى انه غادر باريس عائدا الى الرياض.
وما يمكن التوقف عنده في هذا السياق هو ان إشارات سعودية إيجابية حيال فرنجية كانت قد وصلت بالتواتر الى بنشعي مؤخرا، مع العلم انه لم يحصل ان وضعت الرياض «فيتو» رئاسيا مباشرا على فرنجية كما فعلت مع العماد ميشال عون.
وبمعزل عما انتهت اليه المشاورات الجانبية التي أجراها رئيس «المستقبل» خلال الايام الماضية، يبدو واضحا ان إمكانية البناء على لقاء الحريري – فرنجية تتوقف على كيفية تعامل المكونين المسيحيين المؤثرين، أي «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية»، مع مفاعيل اجتماع الرجلين، وبالتالي فان المسار المستقبلي للأحداث مرتبط بموقف كل من حليف الثنائي الشيعي العماد عون وحلفاء تيار «المستقبل» المسيحيين وفي طليعتهم سمير جعجع، مما يمكن ان يكون قد أسس له لقاء فرنجية – الحريري.
وهناك من يلفت الانتباه الى ان أي «فيتو» مشترك من طرفي «إعلان النيات» يمكن ان يعطل او يؤخر المسار الباريسي، خصوصا إذا جرى تصوير الامر في الشارع المسيحي على اساس ان هناك تحالفا اسلاميا، قوامه الحريري وبري وجنبلاط، يحاول ان يفرض اسم رئيس الجمهورية، وهذا ما يفسر تمسك بري و «حزب الله» بالصمت حتى الآن، منعا لاي التباس او تأويل، وذلك في انتظار تبيان رد فعل الاطراف المسيحية المعنية على مضمون اجتماع الحريري – فرنجية.
ومن الاحتمالات التي يضعها البعض في الحسبان ان يبادر جعجع، إذا شعر بان فرصة رئيس تيار «المردة» جدية، الى دعم ترشيح عون الى رئاسة الجمهورية، انطلاقا من انه يظل اقل وطأة بالنسبة اليه من ترشيح سليمان فرنجية، الامر الذي قد يعيد في هذه الحال خلط الاوراق.
لكن السؤال المطروح هو هل يستطيع جعجع ان يذهب بعيدا في الاعتراض على إرادة الرياض في حال قررت مباركة انتخاب فرنجية رئيسا، لاسيما ان رئيس «القوات» لا يملك حاضنة إقليمية بديلة يمكن أن يلوذ بها إذا أراد ان يواجه قرارا سعوديا بدعم فرنجية؟
وعُلم ان عون أبلغ أعضاء «تكتل التغيير والاصلاح»، خلال اجتماعه أمس، «ان أحدا من الحلفاء والاصدقاء لم يتكلم معنا في شأن لقاء باريس، وبالتالي لم أتبلغ بعد بأي أمر محدد حتى يُبنى على الشيء مقتضاه».
كما عُلم ان الوزير جبران باسيل أوضح ان كلامه حول رفض حلول الوكيل مكان الأصيل جرى تفسيره على نحو خاطئ، مؤكدا انه لم يكن يعني به النائب فرنجية.
وأفادت معلومات «السفير» ان هناك بحثا في إمكانية ان يزور فرنجية الرابية قريبا للقاء عون ووضعه في أجواء اجتماعه مع الحريري، بعدما يتم التحضير جيدا للزيارة، او ان يتولى «حزب الله» نقل المعطيات المتوافرة الى عون والتشاور معه في الاحتمالات المستقبلية.
وأبلغت مصادر مقربة من تيار «المردة» «السفير» ان هناك اتصالات على أكثر من خط لتفعيل الايجابيات الطارئة والبناء عليها، لافتة الانتباه الى ان حركة الحريري المكثفة ومشاوراته العاجلة مع عدد من حلفائه تعكسان حتى الآن جدية لديه في التعامل مع الفرصة المستجدة لكسر المراوحة في الازمة الداخلية.
واعتبرت المصادر ان المناخ السائد يوحي بان الحريري يقوم بما يتوجب عليه فعله، ما يقلص، إن لم ينه كليا، فرضية المناورة التي يتخوف منها البعض، وعن حق، في فريق «8 آذار».
صحيفة “الأخبار” كتبت: “حب من طرف واحد”. هذا، باختصار، ما يمكن أن يطلق على كل الكلام الذي ساد في الأيام الماضية حول ترشيح الرئيس سعد الحريري النائب سليمان فرنجية الى الرئاسة. إذ أن كل التسريبات بشأن اللقاء وما تخلله من بحث في التسويات مصدرها “تيار المستقبل” وحلفاؤه، خصوصاً النائب وليد جنبلاط.
ولعل هذا ما يفسّر تبريد الرابية، للأجواء، وقطع العماد ميشال عون الطريق على أي محاولة لزعزعة علاقاته مع فرنجية، معتبراً، في جلسة تكتل التغيير والاصلاح، أن “الموضوع داخل البيت الواحد، ونبحث فيه عندما أتبلغ”.
وفيما حرصت مصادر “تيار المستقبل” على اشاعة اجواء عن تسوية قريبة تطيح ترشيح العماد عون، على أن يتولى حزب الله مهمة اقناعه بالانسحاب، أكدت مصادر مطلعة ان الامر لا يعدو كونه مبادرة من طرف 14 اذار، هدفها انتزاع موقف من “حزب الله” وقوى في 8 آذار يؤدي الى الضغط لانسحاب عون.
ونقلت المصادر عن مرجعية حزبية بارزة ان موقف حزب الله، على الاقل، لا يزال هو هو، وان كلمة السر في الملف الرئاسي تصدر عن العماد عون وحده، ولا مجال هنا للحديث عن افضليات وأولويات، بل ان الموقف محسوم لجهة ان عون هو المرشح الاوحد، وكل ملف الرئاسة في يده وحده.
مصادر الرابية أكدت لـ”الأخبار” أن التيار الوطني الحر صاحب تجربة مريرة مع الوعود المستقبلية، وبالتالي لن ندع الآخرين يجروننا الى مواقف من طروحات لم يتبيّن بعد مدى جديتها، والأمور تعالج في مواقيتها.
وأضافت: “أن ترشيح النائب فرنجية ليس جديداً، وهو كان دائماً يقول إنه مرشح خلف الجنرال”.
وقالت مصادر نيابية في التكتل لـ”الأخبار” إن كلام عون كان إيجابياً الى درجة فاجأنا جميعاً. كما أن وزير الخارجية جبران باسيل حرص على إزالة الالتباس حول كلامه عن الأصيل والبديل أول من أمس، ونفى أن يكون قد قصد فرنجية بكلامه هذا، وأشار الى أنه كرر هاتين العبارتين في أكثر من تصريح منذ أكثر من شهر، وأنه يعتبر أن فريقنا كله من الأصلاء.
وفيما امتنع المقرّبون من فرنجية عن أي تواصل مع سياسيين أو وسائل الإعلام ولم يسجّل أي تواصل بين الرابية وبنشعي، توقعت مصادر في 8 آذار أن ينعقد اجتماع بين عون وفرنجية على هامش جلسة الحوار الوطني في ساحة النجمة اليوم.
ومع استمرار التزام حزب الله والرئيس نبيه برّي الصمت، ذكرت “الأخبار” أن الحزب “يشتغل على الموضوع بعقل بارد”، مع التأكيد على أولوية وحدة فريق 8 آذار.
وأكدت مصادر نيابية في هذا الفريق لـ”الأخبار” أن الصمت العلني سيستمر ما دام الكلام لا يزال في الصحف ومن دون مواقف واضحة معلنة، مشيرةً إلى أنه في حال تُرجم اللقاء إلى مواقف واضحة من الحريري، عندها يمكن البدء بالسؤال عن المواقف، مع تكرار المصادر أن لا جديد في موقف فريق 8 آذار حتى الآن، يضاف إلى ما قاله (الأمين العام لحزب الله) السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير من دعم للجنرال عون، مؤكّدة أن عون مرشّح فريقنا حتى يقرّر هو شخصياً العزوف عن الترشح.
ورأت أن الوزير فرنجية لا يمكن أن يذهب في أي اتفاق من دون التنسيق الكامل مع عون، ولا يمكن أن يعلن نفسه مرشّحاً ما لم يسمع من الجنرال دعماً واضحاً لترشيحه. وأكدت مصادر أخرى التقت فرنجية، لـ”الأخبار”، أن سليمان حريص على وحدة فريقه ولن يمشي بما يؤدي الى تقسيم هذا الفريق ولو مقابل عشر رئاسات.
ومع أن تفاصيل النقاشات في اللقاء وما ترتّب عليها لم تظهر بعد، إلّا أن الكلام الذي نقلته أمس أكثر من شخصية في فريق الحريري إلى سياسيين لبنانيين، مفاده أن الأخير أبلغ فرنجية قبول تيار المستقبل بدعم ترشيحه لرئاسة الجمهورية والوصول إلى تسوية داخلية ، وأن خطوة الحريري تحوز رضىً سعودياً.
ونقلت المصادر أن كلام معاوني الحريري عن قبول فرنجية أكثر من جدّي، ولم تستبعد أن يقوم الحريري شخصياً بدعم هذا الترشيح علناً في الأيام القريبة.
مصدر نيابي في قوى 8 آذار قال لـ”الأخبار”: “وصل إلينا كلام من فريق الحريري اللصيق بأن الموافقة على ترشيح فرنجية أتت من الملك السعودي ودوائر أخرى في الرياض، وأن طرح الحريري يشبه في جديته مقاربته السابقة لترشيح عون، مع فارق أنه هذه المرة يتحرك بموافقة سعودية.
ولفتت الى استقبال الحريري أمس رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، “ما يعني أنه مكمّل”، كما لفتت الى أن ترويج النائب وليد جنبلاط لترشيح فرنجية أتى بعد مصالحة انتظرها طويلاً مع الرياض، وهو لا يمكنه أن يقدم على دعسة ناقصة تعيد البرودة الى هذه العلاقة.
أما في ما يتعلق بالانقسام التقليدي داخل تيار المستقبل، بين الفريق المقرّب من الحريري كالوزير نهاد المشنوق ومدير مكتبه نادر الحريري والوزير السابق غطّاس خوري، وبين ذلك المحسوب على الرئيس فؤاد السنيورة، فقالت مصادر رفيعة في قوى 14 آذار لـ”الأخبار”: “صحيح أن هناك انقساماً بين الجناحين بفعل غياب الرئيس الحريري عن لبنان، إلّا أن الموقف الأخير هو للحريري الذي يبدو أنه نال موافقة سعودية على هذا الاقتراح”.