طارق ابو حمدان
تنهض النازحة السورية من ادلب الى سهل الخيام جمال السويدي، باكراً تحمل اكياساً عديدة، صغيرة ومتوسطة الحجم، قاصدة، برفقة اطفالها الأربعة الذين تتراوح اعمارهم ما بين الـ 8 والـ 15 سنة، بساتين الزيتون القريبة، التي قطفها اصحابها، تعمل، وحتى فترة العصر، في جني وتجميع حبات الزيتون، التي تركها المزارعون على الشجر، او تلك التي سقطت ارضاً. لقد بات زيتون هذه البساتين، تقول السويدي، مورد رزق، يدر علينا مبالغ مالية مقبولة، تسد جانباً من حاجياتنا ومصاريفنا، في ظل التقتير وانخفاض مـساعدات الدول المانحة.
مهنة موسمية
قطف وجمع حبات الزيتون، باتت مهنة موسمية، يلجأ اليها النازحون السوريون، خلال أشهر الخريف، يبيعونها حبوباً او زيتاً بسعر ستة آلاف ليرة لكل كلغ زيتون و150 دولاراً ثمن صفيحة الزيت. إنها مبالغ نحن بحاجة لها، تسد جانباً من الحاجيات، وتقينا شر العوز، كما تشير النازحة من بيت جن عبير الحمدي، والتـــي توضح بأن الزيتون هنا معروف بجودته، ومطابقته للمواصفات الصحية الغذائية، التي تسهر عليها وزارة الصحة، إنها خالية من كل المقوّيات الكيماوية، المضرة بصحة الإنسان، وتعتبرغذاء جــــيداً، يجهد المواطن اللبناني والعائلات اللبــــنانية من اجل الحـــصول عليه، وهذا يـــساعدنا في تسويق ما نجمعه من زيتون.
بيع بالجملة والمفرق
جمع الزيتون وتسويقه، تقول النازحة جيهان عمر، من مزرعة بيت جن، والمقيمة في بلدة حاصبيا، سهل ومسلٍّ ومربح، اعمل مع اطفالي الأربعة حوالي 8 ساعات في الحقول، نتمكن خلالها من جمع ما بين الـ 15 الى 20 كلغ، نبيعها بالمفرق عند جوانب الطرقات بـ 6 الى 7 آلاف للكلغ، وفي أحيان كثيرة نبيعها لأصحاب معاصر الزيتون ولكن بسعر ادنى. الغلة اليومية مقبولة تتجاوز في بعض الأيام 70 الى 100 الف ليرة لبنانية، انه مبلغ كنا نحلم به في بلدنا سوريا، لكن المشكلة أن موسم الزيتون قصير جداً، ولا يتجاوز الشهرين فقط، إنه موسم خير بتنا ننتظره كل عام، وحتى ننعم بعودة كريمة الى بلدنا حيث نحلم.
فترة العمل شهران
إننا نساهم في قطف نصف موسم الزيتون في لبنان، هذا ما يقوله النازح من حلب أحمد المحمدي 45 عاماً الذي يجمع من حوله أقاربه واصحابه، مشكلاً ورشة عمل عدد افرادها بين الـ 8 الى 10 اشخاص، تعمل لفترة شهرين في قطاف الزيتون وفي مختلف القرى الحدودية. أجرة العامل الذكر 35 الف ليرة والأنثى 30 الفاً، وفي ظل الشح في اليد العاملة اللبنانية، يتهافت المزارعون اللبنانيون للحصول على ورشة قطاف سورية نازحة، إنها فرصة ذهبية لنا كنازحين نستغلها في الكد للحصول على مبلغ يعيننا لتقطيع فصل الشتاء. وإني أجزم، يضيف، انه لولا النازحين لكان المزارع اللبناني يعجز عن قطف موسمه في ظل غياب عمال لبنانيين ينجزون هذه المهمة.
والى جانب عملنا في قطف الزيتون، ولخبرتنا الطويلة في عصره، فقد تحولت نسبة كبيرة من النازحين الى المعاصر، تعمل في تشغيلها وصيانتها، وفي تعليب الزيت، هذا ما يشير اليه النازح حسين الحاج من ريف ادلب الذي يعمل الى جانب 9 عمال نازحين في إحدى المعاصر الحديثة عند الطرف الغربي لبلدة حاصبيا. إننا نعصر 50 مداً (مكيال بلدي قديم) في الساعة، ونعمل ما بين 10 الى 12 ساعة يومياً، مقابل 30 دولاراً، انها فرصة نادرة في ظل هذا النزوح الظالم، نحصل فيها مبالغ مقبولة تسد جانباً من حاجياتنا، خصوصاً مازوت التدفئة، وبدل إيجار المنازل المستأجرة، اضافة الى النقص في المواد التموينية. لقد بات موسم الزيتون حقاً مناسبة خيرة، كيف لا وهذه الثمرة مذكورة في مختلف الكتب السماوية، ولأنها عنوان السلام ندعو أن يكون موسم الزيتون هذا الأخير لنا في هجرتنا، ونعمل العام المقبل على قطف زيتون بلدنا، الذي اشتقنا لأغصانه الوارفة وحباته الخيرة.
«شيخ المائدة» مفيد
دَخَلَ الزيتون بقوة المجال التجاري للنازحين، كما يشير النازح سمير شحادة الذي بات يسوق الزيتون بنوعيه الأخضر والأسود، يعرضه في خيمة صغيرة عند جانب طريق حاصبيا ـ مرجعيون، هذا المشهد اليومي بات مألوفاً، لعشرات الأكياس المعبأة بهذه الثمار، يشتريها اللبنانيون بكثرة، كَمُونَةٍ في فصل الشتاء، فالزيتون يلقب بـ «شيخ المائدة» لفوائده الصحية، في ظل الغش الذي يضرب الكثير من المواد الغذائية. الزيتون تحول الى باب رزق لنا كمجتمع نازح فقير، يركض خلف القرش لسد الحاجة المتصاعدة، مع التقتير القاسي الذي تتخذه الجهات الدولية المانحة، تحت شعار عدم توفر التمويل اللازم.