بينما تجري اللجنة الاستشارية التي شكّلها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، المقابلات مع أصحاب السِّيَرِ الذاتية الذين رشّحوا أنفسهم للجان التنفيذية، صدر التعميم الداخلي الذي يحدد موعد الانتخابات المناطقية (هيئات ومجالس الأقضية والهيئات المحلية) في 17 كانون الثاني المقبل، وليقفز بسرعة البرق، من خبر سار ينتظره البرتقاليون منذ أكثر من عشر سنوات، الى عنصر إرباك وتشويش داخلي.
هكذا، صارت صالونات العونيين شاهدة على نقاشات من نوعين:
أولاً، التعيينات المفترض أن يجريها رئيس الحزب للجان المركزية التي ستنتهي بتسمية اللجنة التنفيذية، وهي بمثابة الذراع الإجرائية للقيادة، حيث بدا من الطلبات التي رُفعت للجنة الاستشارية (تضم ميراي عون، بول مطر، وايلي خوري)، أنّ ثمة ضغطاً أو طلباً على بعض اللجان، منها لجنة المناطق، الماكينة الانتخابية، وقطاع الشباب، بينما بدا الإقبال على اللجان الأخرى خجولاً جداً.
هذا يعني أنّ رئيس الحزب الذي سيقوم بالتسميات، من ألفها الى يائها، قد يواجه إحراجاً في تعيينات هذه اللجان الثلاث بسبب طموح كُثر في تبوّء مناصب قيادية في هذه المواقع البارزة، وبسبب وعود انتخابية كانت قد قطعت لبعض العونيين خلال مرحلة الانتخابات الرئاسية، من شأنها أن تثير البلبلة مع صدور لوائح التسميات.
ثانياً، التعميم الداخلي الذي يحدد موعد الانتخابات المناطقية وآلية عملها وكل التفاصيل المتصلة بها. إنّ أبرز ما يسجل في هذا الخصوص وصار جزءاً من يوميات العونيين الذين راحوا يدوّرون حساباتهم من جديد بعدما تغيّرت الأرقام بين الحقل والبيدر، هو اقتراع حامل البطاقة وفق سجل نفوسه لا مكان سكنه.
وقد تبيّن من التعميم الصادر أنّ لوائح الشطب ستصدر وفق سجلات النفوس الخاصة بكل قضاء ووفق الهيئات المحلية التابع لها. وبالتالي لا ينتخب العوني وفق منطقة سكنه، مع أنّ الخيار يُترك عند الانتساب لكل طالب بطاقة برتقالية أنّ يحدد الهيئة التي يريد أن ينشط ضمنها، الهيئة المحلية في مكان إقامته أو مكان نفوسه.
وقد برر هذا الإجراء بهدف ما أسمي “تعزيز عودة العونيين الى جذورهم”، بمعنى أن يكون لهم رأي بالمسؤول عنهم في منطقة نفوسهم، وهذا يعني أن النازحين الى جبل لبنان أو بيروت، سيطلب منهم أن يصوتوا في مناطق نفوسهم. مع العلم أنّه لو صحّ هذا المنطق لكان يفترض إلزام كل طالب بطاقة برتقالية أن يكون ناشطاً في منطقة نفوسه لتشجيع العودة الى المناطق النائية، لا أن تكون المسألة محصورة فقط بيوم الانتخاب.
ماذا يعني هذا الإجراء؟
وفق العونيين، فإنّ هذه القاعدة تعني أنّ شريحة كبيرة من العونيين يطلب منها أن تنتخب مسؤولاً عنها ليوم واحد، خصوصاً أنّها ستعود بعد 17 كانون الثاني الى النشاط مع مسؤول ثان لم يكن لها رأي في تسميته. هكذا على سبيل المثال ستتوجه مجموعة كبيرة من أبناء عكار القاطنة في المتن، الى عكار يوم الأحد في 17 كانون الثاني لاختيار منسق لا صلة لها به لا من قريب ولا من بعيد، ولتعود من بعدها لتنشط تحت إمرة منسق آخر لم تقل كلمة في انتخابه.
هذا الأمر قد يؤدي الى انكفاء البعض عن ممارسة حقهم الديموقراطي لأنه سيصبح عديم الجدوى في ظلّ هذه الازدواجية التي لو كان المطلوب منها فعلاً تعزيز الحضور في المناطق البعيدة، لكان وجب اعتمادها لحظة الانتساب.
ولعل القطبة المخفية لهذا الإجراء تكمن في مكان آخر، وتحديداً في الأقضية التي تحتضن “بلوكات” انتخابية كبيرة، والمقصود بها بطبيعة الحال أقضية جبل لبنان وبيروت. فالقاعدة المطلوب اعتمادها من شأنها أن تشرذم هذه “البلوكات” وتفرطها وتعيد خلطها من جديد، كي لا تكون تحت مظلّة أي من القياديين، لا سيما النواب العونيين ذوي الثقل الانتخابي (وبعضهم ممن كان مصنفا في خانة المعارضة لباسيل سابقا).
فقضاء المتن على سبيل المثال، الذي يضم أكثر من 3000 ناشط عوني، سيتقلص حجمه الى نحو 2000 بطاقة بسبب اقتراع ممن ليسوا من أبناء المتن في مناطق نفوسهم، وسيأتي نحو 300 بطاقة متنية كانت تنشط خارج القضاء.
.. هكذا أعيد ترتيب اللوائح التي سيخوض المرشحون على أساسها حملاتهم الانتخابية، بعدما طار ناخبون منها.. وحط آخرون فجأة. في المقابل، فإن نظرة القيادة لهذه المسألة تتلخص بالعمل على تعزيز الحضور في مناطق الأطراف، لتكون الانتخابات بمثابة مرحلة انتقالية تعزز هذا الخيار من خلال تشجيع المحازبين على النشاط في مناطق نفوسهم، وتفعيل الهيئات التي تحتضن أبناء المناطق البعيدة، على استقطاب المسجلين في دوائر نفوسها.
الى جانب هذه البلبلة التي أحدثها التعميم، ثمة نقاش داخلي حول الصوت التفضيلي بكون اختيار هيئات الأقضية سيجري وفق النظام النسبي. ويتردد أيضاً احتمال تأجيل انتخابات الهيئات المحلية الى وقت لاحق مع أنّه وفق النظام الداخلي يجب أن تحصل في اليوم نفسه مع انتخابات هيئات الأقضية. ولكن من باب التأثير في النتائج، ثمة من يفضل تأجيل الاستحقاق المحلي الى ما بعد انتخابات الأقضية.
هذا في التفصيل التقني، ولكن في المناخ العام، لم تعد المعارك المنتظرة في الأقضية وهي الأكثر حماوة ورمزية، ذات طابع حاد بين مجموعتين، كما كان يُنظر لها قبل الاستحقاق الرئاسي، أي بين جبران باسيل ومؤيديه والمعارضين له. راهناً، يطغى الطابع المحلي على ما عداه، وانه سيكون للنواب دور أساسي في التركيبات المنتظرة.
كيف سيتصرف باسيل حيال المعارك الانتخابية المتوقعة في الدوائر الكبيرة؟ هل سيبقى على الحياد ويعمل على صياغة التوافقات كما يشي أداؤه حتى الآن كي لا يقع في مستنقع الخلافات الداخلية ويبدأ عهده بالمناكفات مع بعض الحزبيين؟ أم سيترجم الوعود التي سبق وقطعها للبعض ويسعى لتمييل الدفة لمصلحتهم؟
كيف سيتصرف النواب في أقضيتهم وهل سيخوضون معارك ضد من برزوا بوجههم في الفترة الماضية وصنفوا على أنهم حلفاء لرئيس الحزب في مواجهة المعارضة التي كان يمثلها بعض النواب، أم أن باسيل سيحرص على حياكة تفاهمات جامعة، أم سيترك الكلمة للأرض لتفرز من تريد؟