كتبت سابين عويس في صحيفة “النهار”:
لم يعد الاهتمام الرسمي والشعبي منصباً الآن على معالجة فضيحة النفايات المستمرة فصولاً من التعطيل والمماطلة، بل أصبحت التسوية المنبثقة من رحم الرزمة المتكاملة التي طرحها الامين العام لـ”حزب الله” وتلقفها رئيس “المستقبل”، هي الشغل الشاغل للساحة اللبنانية. وفي حين كان ينتظر أن تتضح معالم هذه التسوية في جلسة الحوار الوطني أمس، كانت المفاجأة أن المتحاورين لم يقاربوا الموضوع من قريب ولا من بعيد. بل أكثر من ذلك، لم يقاربوا بند الاستحقاق الرئاسي في أي شكل.
استأثر موضوع تفعيل العمل الحكومي باهتمام طاولة الحوار المنعقدة في عين التينة أمس، وكذلك عمل لجنة قانون الانتخاب، لكن المتحاورين فشلوا في تحقيق أي تقدم في المسألتين، مما جعل الجلسة الحوارية تدور في الفلك عينه وترواح مكانها، أي في المربع الذي كانت فيه منذ الجلسة السابقة، رغم كل التطورات والمتغيرات التي سُجلت منذ ذلك التاريخ.
لم تُطرح التسوية الرامية إلى انتخاب سليمان فرنجيه رئيساً للجمهورية، كما لم يُناقش موقف القوى الجالسة حول الطاولة، علما ان مرشحي 8 و14 آذار ليسا حاضرين، ولم يقولا بعد كلمتهما في شأن ما يثار حول تفاهم بين الحريري وفرنجيه، باعتبار أن كل ما صدر حتى الآن لا يشكل موقفا رسميا لأي منهما.
في الاجتماع الاخير ل”تكتل التغيير والاصلاح”، قال العماد ميشال عون لنواب التكتل إن فرنجيه هو “من صلب فريقنا السياسي، ومسألة ترشحه شأن يخص البيت الواحد. ولكن إذا نجح في إنتزاع مطالبنا من الفريق الآخر وصدقوا معه، خلافا لما فعلوه معنا، فنحن معه وندعم ترشيحه”. أتى كلام عون ردا على حال التململ والاستياء التي برزت على ملامح نواب التكتل الذين يشعرون بأنهم “طعنوا من عقر دارهم”. وقد طلب عون من هؤلاء التزام الصمت في انتظار بلورة الطروحات الجاري تداولها.
في معراب، الوضع لم يكن أفضل، خصوصا أن اوساط رئيس حزب “القوات اللبنانية” لا تخفي تململها وسؤالها: “هل تخلى عنا الحلفاء؟”
في قراءة مراجع سياسية مشاركة في الحوار الوطني، أن طرح ترشيح فرنجيه جدي جداً وليس مناورة، تماما كما قال فرنجيه من عين التينة. لكن جديته لا تعني حصوله. فدونه عقبات كثيرة تحتاج إلى تذليل داخل البيت الواحد لكل فريق، خصوصا أن هذا الترشيح يجب أن يطرح فرنجيه في إطار “التوافقي،” إذ يتجاوز مرشحي الفريقين اللذين يخضع كل منهما لفيتو الفريق الآخر.
تلمس هذه المراجع جدية الطرح في مواقف مختلف القوى، المحلية كما الاقليمية الراعية للملف اللبناني، ولا سيما على الضفة السعودية التي تبدي أخيرا انفتاحا وتفرغاً للقيادات اللبنانية.
بالنسبة إليها، هي مسألة وقت يترجم الأقوال بالافعال. فإذا صح توصيف الطرح بأنه يختصر التسوية، فلا بد أن تكون سريعة ولا تستغرق أكثر من أسبوعين على أبعد تقدير، بحيث ينتخب فرنجيه رئيساً، وإلا فإن الاستغراق في الوقت سيؤدي إلى تعثرها بفعل التعقيدات وتبدل التحالفات تمهيدا لإجهاضها.
وتنطلق المراجع في قراءتها هذه من بعض المعطيات والملاحظات والعوامل:
– ان انتزاع موافقة عون على فرنجيه رئيسا لن يكون من دون ثمن. وسيترتب على “حزب الله”، العاجز عن تجاوز حلفه مع عون لمصلحة فرنجيه من دون بركة الاول، إقناعه بالتنازل عن ترشحه.
– الامر ينسحب على محور 14 آذار حيث سيترتب على زعيم “المستقبل” انتزاع موافقة حليفه سمير جعجع من أجل التنازل عن ترشحه لمصلحة فرنجيه، خصوصا أن طرح الحريري لفرنجيه بدا كأنه تخل عن جعجع وتسليم بأن يكون رئيس الجمهورية من 8 آذار.
– إن فرض فرنجيه رئيسا من خارج المباركة المسيحية للقوى الاكثر تمثيلا، لن يكون سهل المنال. والحاجة ملحة إلى توقيع عون على الاقل، علما أن مثل هذا الامر قد يؤدي إلى قيام جبهة مسيحية معارضة تخرج عن الاصطفاف التقليدي لفريقي 8 و14 آذار.
– إن فشل التسوية المقترحة سيؤدي إلى حرق فرنجيه كمرشح مسيحي، بعدما أفضى التواصل العوني – “المستقبلي” سابقا إلى حرق عون، وبينهما بطبيعة الحال جعجع.
وتخلص المراجع إلى القول إن عدم إنجاز التسوية سريعا سيعني حتما أن الظروف الاقليمية على خلفية الاشتباك السعودي – الايراني لم تنضج بعد، وأن سقوط تسوية “الوقت الضائع” سيفتح الافق على مرحلة جديدة من الشغور الرئاسي المديد.