كتبت ربى منذر في صحيفة “الجمهورية”:
الأوراق السياسية خُلِطت أخيراً وبدأت الساحة المحلية تَشهد اصطفافات من نوعٍ آخر، فبين لقاءات معراب والرابية التي يتّفق فيها الطرَفان على أولويات موحّدة، وأخرى بين بيت الوسط وبنشعي يُسيطر الغموض على أهدافها، هل تشهَد الساحة السياسية تحالفات جديدة؟عشر سنوات على «انتفاضات آذار» اللبنانية كانت كفيلة بقلبِ الموازين على الأصعدة كافة، خصوصاً الإقليمية منها، والتي يتأثر بها لبنان أكثر من غيره، ما يعني سقوط مقولة «تحالف 8 و14 آذار»، لأنّ الأحداث الإقليمية تخطّتهما وباتت الدول التي تدعم هذين التحالفين منشغلةً في المعركة الكبرى في سوريا والمنطقة، وأضحى لبنان تفصيلاً صغيراً. إلّا أنّ بعض اللبنانيين يَعتبر أنّ هذين التحالفين ما زالا مستمرّين والموازين الداخلية والإقليمية ما زالت قائمة في ظلّ الستاتيكو الذي يسيطر على الوضع في لبنان.
وفي هذا الإطار، تَعتبر مصادر سياسية أنّ «8 و14 هما في حالة موت سريري منذ فترة وليس الآن، وهذا بسبب الظروف التي لا تسمَح بخلق تحالفات جديدة نظراً للشرخِ الحاصل في المنطقة ككُلّ وليس فقط في لبنان، وهناك «علاقات عابرة» تَدخلها الأطراف المشكّلة لهذين التحالفين، وتخوض غمارَها خارج إطارهما، والدليل أنّ لقاءات «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» أكثر من لقاءات «التيار» مع «حركة أمل»،
واللقاءات بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» أكثر من تلك التي تُعقد بين «المستقبل» وحلفائه، وعلى رغم ذلك ما زلنا نتحدّث بما يُسمّى «8 و14» لأنّ الوضعَ في سوريا جمّد أيّ تغيير ممكن، خصوصاً أنّ هذين الاصطفافين غير مرتبطَين بالانقسام اللبناني بمقدار ارتباطهما بمحاور المنطقة، تحديداً المحور الإيراني-السوري والسعودي-الخليجي، وبالتالي طالما هناك ولاء من الأطراف اللبنانيين لهذين المحورين، طالما «8 و14» سيستمرّان».وتكشف المصادر أنّه «كان من المنتظر أن تكون الانتخابات النيابية بدايةَ خروج من الانقسام، لكن حاليّاً معيار بقاء هذين الفريقين أو عدمه لا يمكنه الظهور إلّا من خلال انتخاب رئيس للجمهورية الذي سيوضح أكانت «8 آذار» ستكون فريقاً واحداً مع مرشّحٍ واحد وكذلك الحال لـ«14 آذار»، وهو ما لا يمكن حسمُه في انتظار الانتخاب».
وعن لقاء الرئيس سعد الحريري مع رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، واحتمال أن يكون بادرةَ «تخريجة رئاسية» جديدة، يقلبُ بها الحريري طاولة التحالفات ويَجمع «الحليفَين الجديدين» في معراب والرابية على نقطة تلاقٍ أخرى هي الرفض الكامل لفرنجية رئيساً، توضِح المصادر أنّ «هذا الاجتماع لا يزال في إطار «جَسّ النبض» وليس لإعلان تحالف، لأنّ لا نيّة لإنشائه، فهكذا قرار ليس متعلّقاً بالحريري شخصياً إنّما للسعودية رأيُها فيه، فلو كان القرار لبنانياً بحتاً، لكُنّا انتخبنا رئيساً منذ زمن، فهذه مجرّد محاولة لخَلق حركة سياسية أكثر ما هي محاولة خرقِ الجمود بانتخاب رئيس، كما أنّها ليست المرّة الأولى التي يُتداول فيها بأسماء مرشّحين».
وتَعتبر المصادر «أنّنا لم نصل لمرحلة الجدّ بعد، فما زلنا في مرحلة «المقبّلات قبل المازة»، إذ إنّ اجتماعات كلّ من «8 و14 آذار» ما زالت قائمة، لكنّ الأهمّ أنّ القناعة غابَت والحماسة فُقِدت، اجتماعاتُهم أضحت «عادة» أكثر من كونها أيّ شيء آخر، لأنّ المرحلة التي أفرَزت هذين التحالفين تغيّرَت، وطرأت تطوّرات كثيرة على الساحة وفرَضت إعادة النظر في هذا التموضع، لكنّ انحياز الأطراف الى المحاور الإقليمية يَحول دون التغيير وخلق اصطفافات جديدة».
قد يكون توافق الأطراف المسيحيين الثلاثة، أي «القوات»، «التيار الوطني الحر» و»الكتائب»، شكّلَ «نقزة» عند بقيّة الأطراف، وهو ما يُفسّر كشفَ لقاء الحريري بفرنجية والذي يَهدف لزعزعة القوى المسيحية، وقد نجَح في تشكيل هزّة داخل فريق «14 آذار» الذي بدأ كلّ طرف داخله بـ»التصرّف على هواه» من خلال اجتماعات جعجع مع السعودية في السابق واجتماع الحريري بفرنجية أخيراً. أمّا من ناحية فريق «8 آذار» فالوضع أكثر استقراراً، إذ لا تصرّفَ من «حزب الله» ضد عون بعد.
الواضح أنّ أحداً من الأطراف غيرُ مستعدّ للذهاب في المواجهة إلى النهاية، بل يسعون لاستعمال أوراق ضغط قبل الذهاب لانفجار كامل، وقد يكون كلّ ما يحصل هو «شَدّ حبال» ليحقّق كلّ فريق مصالحَه قدر المستطاع ولو من خلال الابتزاز، وذلك مع حلفائه قبل الأطراف الآخرين، ولهذا قد تبقى «اللعبة» مضبوطة في الوقت الحالي تمهيداً للأعظم، ولو أنّ العلاقة غيرُ مستقرّة إلّا أنّ «الشكل» سيحافظ على نفسه على الأقلّ حالياً، وقد تكون زيارة فرنجية ضغطاً من الحريري على الأطراف المسيحيين داخل «14 آذار» وتوتيراً للعلاقات بين فرنجية وعون.
ويرى البعض أنّ كلّ هذا «السيناريو» ليس إلّا شرخاً بين المسيحيين لكي لا يتّفقوا على قانون انتخابي، وما يشير لهذا الموضوع هو فضحُ اللقاء الذي عُقد، فيما لا يزال الوقت باكراً لزَفّ خبر انتخاب رئيس للجمهورية.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، يتّضح أنّه لم يبقَ مِن «8 و14» سوى الشكل والآرمة، ولكن في حال انتخاب فرنجية، سيكون الحلقة التي تَطوي هذا الانقسام الذي بدأ في العام 2005 لمصلحة انقسام جديد ستُظهِّر تحالفاتُ ما بعد الرئاسة معالمَه.