لم تتوقف المفاوضات بشأن تبادل العسكريين اللبنانيين منذ 15 شهراً حتى الآن، لكنها برغم مساراتها المتعرجة، كانت تتحرك من حيث تنتهي آخر جولة تفاوض كان يتولاها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.. وصولا إلى الأمس القريب، وتحديدا قبل خمسة عشر يوما، عندما تلقى الأخير رسالة من نظيره مدير المخابرات القطرية غانم الكبيسي يفيده فيها، بصورة مفاجئة، أن مندوباً له سيتحرك على وجه السرعة من الدوحة إلى بيروت، من أجل استئناف المفاوضات، وذلك من عند آخر مرحلة كانت قد بلغتها في مطلع الصيف الماضي.
وكالعادة، بدا الجانب اللبناني في جهوزية تامة، سواء على صعيد سقف الحد الأقصى للتنازلات التي لا تمس السيادة اللبنانية، وفي الوقت نفسه، تؤدي إلى استعادة العسكريين الأسرى لدى “جبهة النصرة”، في ظل القرار الذي اتخذه تنظيم “داعش” بإقفال باب التفاوض مع الجانب الرسمي اللبناني..
وكشفت صحيفة ”السفير” أن المفاوضات التي خاضها اللواء إبراهيم مع “النصرة” برعاية القطريين ومتابعتهم الحثيثة في هذه المرحلة، بدت جدية أكثر من أي وقت مضى، ولكن الجانب اللبناني كان دائم التحفظ، خصوصاً عندما كان المدير العام للأمن العام يضع كلاً من رئيس الحكومة تمام سلام ووزير الداخلية نهاد المشنوق في أجواء المفاوضات لحظة بلحظة، حتى أن إبراهيم كاد يلغي قبل عشرة أيام زيارة رسمية خارجية بسبب هذه القضية.
وقد تحكمت أكثر من عقدة بملف المفاوضات، سواء عبر محاولة أمير “النصرة” في القلمون أبو مالك التلي تجزئة ملف التبادل على مرحلتين أو أكثر، أو عبر وضع شروط تعجيزية مثل إطلاق عدد كبير من المعتقلين من السجون السورية، فضلا عن شروط ميدانية تتعلق بمنطقة وجود “النصرة” في جرود القلمون.
غير أن الجولة الحالية تميّزت بواقعية الطرفين وبسرعة إيقاعها وجدية الوساطة القطرية وحضورها الفاعل، من دون أن يعني ذلك تحميل الأمور ما لا تحتمله، خصوصاً أن الجانبين قررا التواضع في مسألة المواعيد، مخافة حدوث أي تطور يؤدي إلى عودة الأمور إلى مربع التفاوض الأول، كما حصل في أكثر من مرحلة سابقاً.
حتى الآن، فإن المتعارف عليه رسمياً أن “جبهة النصرة” تحتجز 16 عسكرياً لبنانياً معظمهم من عناصر قوى الأمن الداخلي، ممن كانوا يشكلون مع عدد آخر من العسكريين فصيلة درك عرسال، حتى حصلت “غزوة عرسال” في مطلع آب 2014، فبادر الشيخ مصطفى الحجيري الملقب بـ “أبو طاقية” إلى نقلهم إلى منزله في البلدة بعنوان “توفير الحماية”، ليتبين لاحقاً أنه جرى تسليمهم إلى “النصرة”.
وقد اعترفت “النصرة” بهؤلاء العسكريين وبجثة عسكري استشهد في معركة عرسال، فيما يحتجز تنظيم “داعش” تسعة عسكريين معظمهم من عناصر الجيش اللبناني، ويتردد أنه يحتفظ بجثث لبنانيين آخرين.
في المقابل، فإن الصفقة الموعودة ستشمل 16 موقوفاً وموقوفة في السجون اللبنانية، بينهم ثلاث نساء على الأقل هن: سجى الدليمي طليقة “الخليفة أبو بكر البغدادي” الذي تزوجها لمدة شهر وأنجبت له ابنة تدعى “هاجر” وأوقفت على أحد حواجز الشمال في تشرين الثاني 2014، جمانة حميد التي ألقي القبض عليها أثناء قيادتها سيارة مفخخة بما يزيد عن 100 كلغ من المتفجرات في شباط 2014 كانت متجهة من عرسال نحو اللبوة في منطقة البقاع الشمالي، علا العقيلي زوجة القيادي في “داعش” أنس جركس الملقب بـ “أبو علي الشيشاني” والتي أوقفت في كانون الأول 2014 في منطقة الشمال (ورد ايضا اسما كل من سمر الهندي وليلى النجار).
وبحسب “السفير”، فإن الأمن العام نقل من سجن روميه (المبنى ب)، أمس، عددا من الموقوفين أبرزهم محمد يحيى ومحمد حسين رحال ومحمد عياش وحسين الحجيري ومحمد أحمد ياسين وإيهاب الحلاق وعبد المجيد غضبان ومحمد علي نجميشار، لكن لم تعرف الأسباب من وراء نقلهم، فيما قال مصدر أمني واسع الاطلاع لـ “السفير” إن نقل هؤلاء الموقوفين بالإضافة الى الدليمي والعقيلي وحميد هو عمل روتيني يتم مرة كل ثلاثة أشهر.
واعلنت “السفير” إن هؤلاء الموقوفين تواصلوا مع “هيئة علماء المسلمين” وأبلغوا المشايخ المعنيين “أن كل إجراءات إطلاق سراحهم باتت بحكم المكتملة لوجستياً وقانونياً وأن المسألة باتت حالياً مسألة وقت ليس إلا”.
وبعد وضع رئيس الحكومة تمام سلام وقائد الجيش العماد جان قهوجي في أجواء المفاوضات، قال اللواء ابراهيم لـ “السفير” إن المفاوضات جدية، لكنها لم تبلغ بعد خواتيمها النهائية، ولا يجوز إلا أن نبقى متحفظين، خصوصاً أننا في مراحل سابقة كنا قد بلغنا مراحل متقدمة لكن الأمور كانت تتعثر في آخر لحظة، داعياً الى إبعاد الملف عن التداول الإعلامي.
وفي تطور متصل بقضية العسكريين، أوقفت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني الإرهابي الخطير علي أحمد لقيس (سوري الجنسية) الملقّب بـ “أبي عائشة” لانتمائه إلى تنظيم “النصرة” الإرهابية، وذلك أثناء محاولته مغادرة لبنان عبر مطار بيروت باتجاه تركيا، مستخدماً جواز سفر مزوّراً باسم عماد الغبرة عليه صورته الشمسية.
وقال بيان رسمي للجيش إن الموقوف لقيس (29 سنة) تدرّب على تصنيع العبوات الناسفة وأتقن تحضيرها، واستعمل عدداً منها (في عمليات إرهابية على الأراضي اللبنانية والسورية)، وتربطه علاقة وثيقة جداً بالمدعو أبو مالك التلي (أمير “النصرة” في القلمون)، حيث أقام مع مجموعته في جرود عرسال (قبلها كان مقيماً في يبرود ثم الرنكوس)، كما اعترف بأنه أقدم على قتل الجندي الشهيد محمد حميّة الذي خطف إثر معركة عرسال في آب 2014 (بإطلاق النار على رأسه من مسدس حربي)، كما أدلى بمعلومات حول عدد من الأشخاص المتورطين في ملف العسكريين المخطوفين، فضلا عن احتمال ضلوعه بتصفية عسكريين آخرين.
وفي المعلومات أن لقيس، بعد مبايعته التلي، بادر الأخير الى تعيينه قاضياً شرعياً في جرود عرسال، حيث تردد أنه هو من أفتى بإعدام الدركي علي البزال وأشرف شخصياً على ذلك.