كتب نقولا ناصيف في “الأخبار”: كأن انتخاب الرئيس ينتظر صفارة السعودية فقط. لم تقل كلمتها بعد. في بيروت الجميع يزعم انه يعرف سلفاً ما ستقوله أو لا تقوله. لذا بات انتخاب النائب سليمان فرنجيه معلّقاً على ما قد يصدر عنها، ما دامت ايران تصفق لخيار كهذا.
فيما لا يزال الغموض يحوط، علناً على الاقل، بموقف الرياض من انتخاب النائب سليمان فرنجيه رئيسا للجمهورية، فلم يصدر عنها كما عن الرئيس سعد الحريري رسمياً اي تعليق حياله، لفت توقيت ارسال المملكة اشارة سلبية معاكسة في وجهة مغايرة، مزدوجة الدلالة، الا انها على علاقة ضمنية غير مباشرة بالاستحقاق الرئاسي وما يدور من حوله. قبل يومين، اعلنت فرض عقوبات على مسؤولين وشخصيات ومؤسسات وثيقة الصلة بحزب الله أدرجتهم في لائحة الارهاب لديها.
لا تقتصر اهمية القرار السعودي على موقف ليس طارئاً في مواجهة المملكة حزب الله، وتصنيف قادته ومسؤوليه ارهابيين. بل عمره من عمر انفجار النزاع المستعر بين الرياض وطهران على معظم ملفات المنطقة، ولبنان ليس اولها ولا آخرها، اذا كان لا بد من الاخذ في الاعتبار ان اولى ملامح الاشتباك السعودي ــــ الايراني المباشر والعلني في لبنان، كان في كانون الثاني 2011 عند اسقاط حكومة الحريري واتهام طهران بمسؤولية ضمنية عنه من خلال حليفها اللبناني. لم تكن احداث اليمن آنذاك بلغت ما اضحت عليه اليوم في الصراع شبه المباشر بين الدولتين، ولا الحرب السورية اندلعت، ومن قبلها احداث البحرين، ولا وُلِد تنظيم «داعش» والتيارات التكفيرية التي اضحت طرفاً ثالثاً في اشتباك دولتي السنّة والشيعة.
تنطوي علاقة السعودية بحزب الله على كمّ لا يُحصى من اسباب الخلاف والمواجهة. بيد انها اضحت علنية وجهاً لوجه مرات تلو اخرى في خطب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وحملاته على المملكة والعائلة الحاكمة وتوجيه نعوت شتى اليها والافصاح عن المواجهة معها في اليمن والبحرين في آن. فعل الامر نفسه مسؤولون سعوديون بنعوت مماثلة اتهموا من خلالها حزب الله بالارهاب.
قد يكون فرض الرياض عقوبات جديدة على حزب الله، على غرار اعلان الخميس، اجراء عادياً يمكن ان يحدث في اي وقت. وسبق ان حدث. على انه لا يكون كذلك اذا امكن ايجاد خيط رفيع بينه ــــ ليس وهمياً بالضرورة ــــ وبين اعلان الحريري دعم انتخاب فرنجيه رئيساً للجمهورية لاخراج الاستحقاق من الشغور. مغزى الخيط الرفيع ما شاع، او تراه نسب الى المملكة، عن موقفين يرتبطان باعلان الرئيس السابق للحكومة: اولهما موافقة المملكة على انتخاب فرنجيه رئيساً، هو المنتمي الى قوى 8 آذار والحليف الصلب والرئيسي بل التاريخي منذ مطلع التسعينات لحزب الله. ثانيهما فصلها الاستحقاق الرئاسي في لبنان عما يجري في المنطقة، وتحديداً عن المواجهة السعودية ــــ الايرانية في الحرب السورية.
الى الآن لم يصدر رسمياً عن الرياض اي موقف يؤكد فعلاً، او ينفي، اياً من هذه الموقفين المستجدين. لا بل تفصح شخصيات لبنانية وثيقة الصلة بالسعودية، تتردد دورياً عليها وتربطها بالاسرة الحاكمة علاقة اكثر من وطيدة، كانت عادت من هناك قبل اقل من عشرة ايام، واقل من اسبوع على حصول اجتماع باريس بين الحريري وفرنجيه، عن ان ما كانت تقول به المملكة حتى ذلك اليوم لم تكن تغيّرت فيه «فاصلة واحدة حتى»:
ــــ اهتمام الرياض محصور بما يجري في اليمن، لأن وطأة المعركة مع ايران كبيرة.
ــــ لا وقت لديها للتفكير في ما يجري في لبنان، وعلى اللبنانيين ان ينصرفوا في الوقت الحاضر الى استقرارهم وشؤونهم الداخلية.
ــــ لا لانتخاب رئيس للجمهورية من قوى 8 آذار او حليف لحزب الله وايران.
فجأة، بين اقل من ليلة وضحاها، على اثر الكشف عن فحوى لقاء باريس لا عن حصوله فحسب، توسّعت الاجتهادات في سبر موقف المملكة حياله، خصوصا ان اهمية ما ناقشه والخلاصة التي انتهى اليها على ما شاع عن تأييد الحريري انتخاب فرنجيه، لا يسع الرئيس السابق للحكومة الاجتهاد الشخصي في خوضه وتبنيه في معزل عن السعودية. وهو ما جعله ولا يزال حتى الساعة يتكتم بازائه.
قبل ان يقصد فرنجيه باريس، اطلع مرجعاً سياسياً عليها، من دون تحميلها بعداً سوى انها «زيارة خاصة». طلب من صديقه رجل الاعمال جيلبير شاغوري ــــ الصديق الشخصي للرئيس ميشال عون ايضا ومموّل مؤسساته الاعلامية، ملاقاته الى العاصمة الفرنسية. يجمع بين فرنجيه وشاغوري مسقط واحد هو قضاء زغرتا، ولا يخفي رجل الاعمال تأييده انتخابه رئيسا للجمهورية. بيد ان انضمامه الى لقاء باريس كان بناء على طلب نائب زغرتا، ولم يحصل في اي حال في منزله هو.
عند هذا الحد تترجح الرواية بين ان يكون التفاهم على الاجتماع مفاجئاً ومن ثمّ فحوى ما تداوله الرجلان بما في ذلك انتخاب فرنجيه، وبين ان يكون ثمة طبّاخ مخفي وراءهما لم يظهر في صور الاجتماعات واللقاءات. على ان كشف هذا الجانب يصبح قليل الاهمية ما ان يُستخلص موقف الرياض من الاتفاق. الا ان توقيت قرارها فرض عقوبات على مسؤولين وشخصيات ومؤسسات قريبة من حزب الله يؤول الى استنتاجين:
اولهما، ان مواجهتها حزب الله لا تزال اياها. وهو ما عبّر عنه بيان وزارة الداخلية السعودية. لا تفصل المملكة بين حزب الله الداخل وحزب الله الخارج ما دام يقوم بنشاطات تعدّها الرياض ارهابية في اكثر من بلد. لا يدل الخارج في نظرها سوى على تدخّل متعدد الاهداف والوسائل في اليمن والبحرين وسوريا، على انه مكمّل لتدخّل ايران.
ثانيها، في معزل عن الاستحقاق الرئاسي، في الظاهر على الاقل، لا تفصل المملكة بين لبنان والحرب السورية في كل ما يرتبط بشق التداخل بينهما، وتحديدا دور حزب الله ومقاتليه في حرب سوريا. بالتأكيد يقع الفصل عندما تعلن تأييدها حكومة الرئيس تمام سلام واستئناف المؤسسات الدستورية ومنها مجلس النواب اعمالها، وتشديدها على تأييد الجيش ودعمه، وعلى المحافظة على الاستقرار وطاولة الحوار وعدم ممانعتها في حوار سني ــــ شيعي كالذي يجريه منذ كانون الاول الماضي الفائت، لسنة خلت، تيار المستقبل وحزب الله.
الى ان يصل هذا الدعم الى الوقوف عند عتبة انتخاب رئيس للجمهورية من فريق 8 آذار، حليف وطيد لحزب الله وسلاح المقاومة، جنبا الى جنب مع نظام الرئيس بشار الاسد. لا يتزحزح كعون، لكن ايضاً أاقدم عمرا وأطول نَفَسَا كفرنجيه.
كان ذلك هو الموقف في السعودية لايام قليلة سبقت اجتماع باريس. على ان لا آخر سواه تلا الاجتماع يوحي بأنها ــــ هي التي تكنّ لحزب الله كرهاً سياسياً موصوفاً ــــ صارت اكثر استعداداً للقبول برئيس للبنان لا تفارق لسانه كلمة «خطنا»، وهو يقصد ثنائية تعلقه وانتمائه الى مقاومة حزب الله في لبنان وبيت الاسد في سوريا.
فما الذي حدث اذا؟