يعيش اللبنانيون منذ أسبوعين على أخبار تتصل بملف انتخابات رئاسة الجمهورية المعلّقة منذ 25 أيار 2014. هكذا، فجأة، ظهر الى العلن اجتماع بين الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجية في باريس، قبل أن يصبح اسم فرنجية متداولاً بقوة كمرشح للرئاسة بعد تبنّ صادم من الرئيس سعد الحريري.
بطبيعة الحال لسنا هنا في وارد مناقشة مزايا النائب فرنجية ومميزاته، ولا يمكن أن يتعلّق الأمر بمفاضلة بين أشخاص، ولكن ثمة أسئلة مشروعة حول أي مشروع تسوية، وخصوصاً حين تكون التسوية بين خصوم مفترضين في السياسة. لذلك، فإن ما يُفترض الغوص فيه هو أسس أي تسوية قبل إعلان أي موقف من قضية ترشيح هذا الشخص أو ذاك. ومن أهم الأسس أن تقوم أي تسوية على الحد الأدنى من إعلان المبادئ السياسية التي يجب أن تشمل المواضيع الخلافية الأساسية. وفي حالتنا اللبنانية، وكون الرئيس الحريري يشكل أبرز أركان قوى 14 آذار والنائب فرنجية أحد أقطاب 8 آذار الأساسيين، يجب أن يطّلع اللبنانيون على التوافق الذي تمّ حول قضايا السيادة اللبنانية وحصرية السلاح بيد القوى العسكرية والأمنية الشرعية، الموقف من النزاع السوري وأهمية نأي لبنان بنفسه عن الاشتياك الإقليمي. إضافة الى سؤال لا بدّ منه عن قانون الانتخابات النيابية بعد الإجماع المسيحي في اجتماعات بكركي على رفض قانون الستين وضرورة اعتماد قانون عصري وحديث يؤمن صحة التمثيل.
فهل التسوية التي سمعنا بها شملت الاتفاق على المواضيع المشار إليها؟ ووفق أي قاعدة؟
ثمة مفارقة لا تقلّ أهمية عمّا سبق وتتلخص بأن أي تسوية سياسية لا يمكن أن تقوم على قاعدة المحاصصة وتقاسم السلطة. أي تسوية خارج اتفاق سياسي مصيرها الفشل وتعريض البلاد لشلل غير مسبوق. وتجربة الحكومة السلامية خير برهان، فبعد ولادة الحكومة بشكل مفاجئ ومن دون أي اتفاق سياسي مسبق، وبعد اعتبار أنها حكومة الضرورة وحكومة ربط نزاع على قاعدة ضرورة عدم ترك البلاد في الفراغ بسبب عدم إمكانية انتخاب رئيس، تبيّن أن حكومة الرئيس تمّام سلام تحولت الى حكومة شلل عوض أن تكون “حكومة عمل” كما أرادها رئيسها. والسبب الرئيس هو أن لا اتفاق سياسياً يجمع بين مكوناتها، فباتت هذه الحكومة مشلولة وأعجز من أن تحلّ أزمة نفايات أغرقت لبنان، أو أن تعقد اجتماعاً طارئاً بعد العملية الانتحارية المزدوجة في برج البراجنة… فهل يمكن القبول اليوم بسيناريو انتخاب رئيس من دون اتفاق سياسي مسبق يكرّر تجربة الشلل الحكومة طوال 6 سنوات، وذلك في ظل أوضاع سياسية داخلية وإقليمية ودولية بالغة التعقيد؟
وهل يمكن أن نسأل على الأقل هل يمكن الاتفاق المسبق على أي خطاب رسمي يمكن لرئيس الجمهورية العتيد أن يلقيه في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك؟ أو ماذا يمكن أن يقول في أي اجتماع قمة لجامعة الدول العربية؟
ثمة في لبنان من يظنّ أن انتخاب رئيس للجمهورية يمكن أن يحلّ كل المشاكل العالقة ويعيد إنتاج مؤسسات الدولة. قد يكون هذا الظنّ صحيح جزئياً بشرط أن يسبق الانتخاب توافق سياسي ولو بالحد الأدنى.