يخيم على أهالي وسكان مدينة بيروت شبح الأمراض جراء تلوث البيئة الناتج عن تراكم النفايات، رغم بعض الإجراءات الوقائية، التي تم العمل عليها لحجب النفايات عن الرؤية. الا ان الخطر ما زال يهدد البيئة وصحة المواطنين، مع تساقط امطار الشتاء، في ظل غياب المعالجة الجذرية للمشكلة التي ينتظرها الجميع، وهي ترتد خيرا على الجميع بشهادة علماء واخصائيين بيئيين، ان تمت بموجب ادارة محلية متكاملة.
تجاه ذلك، أشار الطبيب الاخصائصي في الطب العائلي فريد فغالي الى “ثلاثة مستويات من التلوث الناتج عن النفايات، اولها تلوث مياه الآبار الارتوازية جراء هطول الامطار وتسرب المواد الملوثة لباطن الارض واختلاطها مع المياه الجوفية، ثانيها تلوث الهواء بفعل حرق النفايات وانبعاث المواد السامة فيه، وثالثها تكاثر البعوض والحشرات والقوارض على سطح الارض ونقلها للامراض بطرق مباشرة وغير مباشرة، للاهالي”، محذرا من “انتشار امراض الكوليرا، التيفوئيد، الديزانتيري والامراض الجلدية والصدرية والسرطانية، لاسيما لدى الاطفال والعجزة والحوامل ومن لديهم نقص في المناعة”.
وحث على “استعمال الكمامات الواقية من روائح النفايات الكريهة لدى المرور امامها، وتجنب السلام بالقبل، وغسل اليدين باستمرار”.
وتمنى “ان تحل مشكلة النفايات بأسرع وقت نظرا لمخاطر هطول الامطار عليها واضرارها البيئية والصحية، لا سيما ان لبنان، نتيجة دراسة اجريت مؤخرا، سجل المرتبة الاولى بالشرق الاوسط في عدد الاصابات بالامراض السرطانية”.
هذا الواقع دفع بالبعض الى نقل سكنهم من بيروت الى مناطق اخرى، اسوة بالاخصائية الاجتماعية كاتيا هبر يزبك، التي انتقلت مع زوجها واولادها الى برمانا، رغم ان مشكلة النفايات لا تشكل خطرا كبيرا على عائلتها بقدر رمزيتها التي تؤثر فيها بالصميم، على حد تعبيرها.
وقد أبدت يزبك أسفها لما آلت اليه اوضاع لبنان من “ازمة في ادارة شؤونه الداخلية، حتى البسيط منها، وتحويله الى ازمة لا يمكن الخروج منها”.
ورأت ان “موضوع التلوث المحيط ببيئتنا على المستويات كافة اعتاد عليه اللبنانيون وقد اكتسبوا مناعة تجاهه”، وان المشكلة التي تعترضها اليوم في منزلها هي “عملية فرز النفايات، وتحويل الفضلات العضوية الى كومبوست عبر طمرها، اما النفايات الاخرى فتبقى مكدسة من دون معرفة السبيل للتخلص منها. علما ان اعادة التدوير تعتبر من السياسات الانمائية المشاركة في نهضة المجتمات، ومن المهم تبنيها والمباشرة السريعة في تنفيذها على كل مساحة الوطن”.
في المقابل، عرض رئيس “الحركة البيئية اللبنانية” بول ابي راشد لدور المواطن في حل ازمة النفايات بفرزها من المصدر، ولدور البلديات في جمعها، ودور وزارة الداخلية والبلديات في تحديد مواقع الفرز والمعالجة في المناطق، مشددا على ضرورة “تشكيل خلية ازمة لحل هذه المشكلة”.
وتحدث عن طرق معالجة النفايات والافادة منها “لاسيما ان 50 في المئة منها هي فضلات طعام ويمكن تحويلها الى سماد من خلال الكومبوست، و30 في المئة من الزجاج والمعادن والبلاستيك ويمكن اعادة تدويره، و10 في المئة من النفايات غير قابلة للتدوير يمكن استخدامها في توليد طاقة بديلة، و5 في المئة تحتاج لمعالجة خاصة مثل الالكترونيات، و5 في المئة هي من الردميات تستخدم في تأهيل المقالع والكسارات”، مؤكدا ان “كلفة معالجة النفايات لا تتعدى العشرين دولارا للطن الواحد، فيما ارباحها وافرة”.
وشدد الاستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية في مادة الهيدروجيولوجيا نافذ حرب على ان “مشكلة النفايات في لبنان لا بد من معالجتها بواسطة الفرز والتدوير والطمر والحرق”. ورأى ان “القسم المتبقي منها، الذي لا يستطيع لبنان ادارة معالجته وخاصة المواد المشعة ونفايات المستشفيات، يرحل الى دول تستطيع معالجته”، مركزا على ضرورة “تأمين الاماكن الصالحة جيولوجيا وهيدروجيولوجيا في كل منطقة، لطمر المواد العضوية دون ان التسبب بمشكلة للبيئة والمياه الجوفية، والعمل على انتاج الكومبوست”.
ودعا لبنان الى “مواكبة المؤتمر العالمي للتغيرات المناخية الذي يعقد في العاصمة الفرنسية باريس في الايام المقبلة، والرسالة الاستثنائية التي وجهها قداسة البابا فرنسيس الى العالم حول البيئة منذ اسابيع”.