قد تبدو عجلة القيادة كأنها عنصر بسيط في أي سيارة، لكن عندما تشتري سيارة “فولكسفاجن” جولف يكون لديك حاليا خيار من 117 عجلة قيادة مختلفة.
الآن تخطط “فولكسفاجن” لتخفيض العدد إلى 43 لأن شركة صناعة السيارات الألمانية التي تعاني فضيحة تبحث عن طرق لتوفير المال وزيادة الربحية. وبحسب مديرين في الشركة، كثير من الاختلافات كانت مجرد درجات مختلفة قليلا من اللون الرمادي، أو زر إضافي، أو زرين على عجلة القيادة.
الاحتمال الناتج عن تخفيض التكاليف جعل بعض المحللين يجادلون بأنه، على الرغم من فضيحة الانبعاثات التي يمكن أن تكلف عشرات المليارات من اليورو، إلا أن أسهم “فولكسفاجن” يمكن أن تكون الآن في وضعية ممتازة للشراء.
يقول ماكس واربيرتون، المحلل في شركة بيرنشتاين للأبحاث: “يعتقد معظم المستثمرين أن “فولكسفاجن” أصبحت غير قابلة للاستثمار حاليا”. ويضيف: “لكن هذا يعتبر أكبر تخفيض محتمل للتكاليف في قطاع السيارات العالمي. إنها الشركة الوحيدة التي لم تخفض التكاليف في 2008/2009”.
هيربرت ديس الذي حصلت عليه من شركة بي إم دبليو في وقت سابق من هذا العام ليترأس العلامة التجارية المتعثرة لـ”فولكسفاجن”، قال في وقت سابق إن تخفيض الاستثمارات سيكون بواقع مليار يورو وسيتم التعجيل ببرنامج كفاءة يهدف إلى تخفيض التكاليف خمسة مليارات يورو سنويا بحلول عام 2017.
وفي الأسبوع الماضي قال ديس لمجلة “أوتوجرام” الداخلية في “فولكسفاجن”: “نحن نقلب جميع الأمور في الشركة وندرس جميع الاستثمارات المقررة. سيتم إلغاء أو تأجيل كل ما يعتبر ليس ضروريا على الإطلاق”.
ربما يشعر المستثمرون في “فولكسفاجن” بأنهم شهدوا هذا الأمر من قبل. ففي عامي 1993 و2005 واجهت الشركة فضائح وهوامش ربح شبه معدومة بسبب الإسراف في الإنفاق في الأوقات الجيدة.
وتم تعيين أشخاص من خارج الشركة – خوسيه إجناسيو لوبيز من جنرال موتورز في عام 1993، وفولفجانج بيرنهارد من كرايزلر في عام 2005 – وسرعان ما انخفضت التكاليف، ما أعاد العلامة التجارية لـ”فولكسفاجن” إلى هوامش ربح صحية أكثر. والسؤال الآن ما إذا كان شخص آخر من الخارج ـ ديس ـ يستطيع تكرار الحيلة مرة أخرى والتغلب على مقاومة نقابة العمال ومجلس الأعمال القويان في “فولكسفاجن”.
بيرند أوستيرلو، رئيس مجلس الأعمال في “فولكسفاجن”، أصدر بالفعل طلقة تحذيرية من خلال الإشارة هذا الشهر إلى أن تخفيض الإدارة للتكاليف من جانب واحد من شأنه تعريض “السلام الاجتماعي ومستقبل شركتنا” للخطر.
ويعتقد محللون إن هذا يشير إلى أن العمال يفهمون الآن أن الإدارة ربما تحاول استخدام فضيحة الانبعاثات لتكثيف خفض التكاليف والإصلاح، ولا سيما فيما يتعلق بالعلامة التجارية لـ”فولكسفاجن” التي تولد نصف إيرادات المجموعة. ويقول أرندت إلينجورست، المحلل في شركة إيفركور آي إس آي: “هذه فرصة تاريخية بالنسبة لـ”فولكسفاجن”. الخطاب من مجلس الأعمال يشير إلى أنهم يشعرون بالقلق فعلا من أن الإدارة قد تحاول إدارة الأعمال وليس [مجلس الأعمال]”.
هناك نقطة تركيز واضحة للعديد من مراقبي الصناعة هي الوظائف. “فولكسفاجن” تصنع تقريبا العدد نفسه من السيارات التي تصنعها تويوتا، لكن لديها ضعف حجم العاملين تقريبا. وتخفيض الوظائف من المرجح أن يتبين أنه صعب بسبب نقابة العمال، حتى إذا كان الاستشاريون يعتقدون أن العاملين المؤقتين يمكن أن يكونوا في خطر.
مع ذلك، لا يزال هناك كثير مما تستطيع “فولكسفاجن” تخفيضه. النفقات الإدارية في “فولكسفاجن” ارتفعت ثلاثة أضعاف تقريبا منذ عام 2007، بينما زادت تكاليف العمال أكثر من الضعف ـ ترتفع بسرعة أكبر بكثير من المبيعات. وبحسب شركة بيرنشتاين، من المتوقع أن يكون هامش الأرباح التشغيلية في العلامة التجارية لـ”فولكسفاجن” العام المقبل 1.2 في المائة، وهو أدنى مستوى منذ عام 2009.
في إشارة إلى رئيس شركة فيات كريسلر المعروف بقوته، يقول واربيرتون: “إذا تولى سيرجيو ماركيوني إدارة “فولكسفاجن”، يمكن أن تحقق الشركة هوامش ربح بنسبة 15 في المائة بحلول عيد الميلاد المقبل”.
وكانت “فولكسفاجن” تدرك مشكلة التكاليف التي تعانيها حتى قبل تفجر فضيحة انبعاثات الديزل في أيلول (سبتمبر). فقد بدأ مارتن وينتركورن، رئيسها التنفيذي السابق، برنامج كفاءة يقول مديرون حاليون إنه سيتم تكثيفه. وكثير من العمل يتعلق بتخفيض التعقيد، كما هي الحال مع عجلات القيادة.
وهناك أمثلة كثيرة لا حصر لها. في الوقت الحالي تصنع “فولكسفاجن” نوعين مختلفين من الإضاءة الداخلية – واحدة لقيادة السيارة باليد اليسرى، والأخرى لليمنى. في المستقبل هذه ستكون واحدة فقط. وسيكون لدى المقاعد الأمامية في سيارة الجولف 259 نوعية مختلفة في المستقبل، بدلا من 341.
لكن “فولكسفاجن” تذهب أبعد من ذلك. يقول المديرون إنها ستدرس ما إذا كانت بحاجة إلى كثير من الموديلات التابعة للعلامات التجارية، بما في ذلك “فولكسفاجن”، سيات، وشكودا، مثل السيارات التي ببابين أو خمسة أبواب، والسيارات ذات الظهر للتحميل، والسيارات المكشوفة.
ويقول إلينجورست إن هذه أكبر فرصة لـ”فولكسفاجن” على المدى القصير: “إنهم بحاجة إلى تخفيض درجة حرية المهندسين”، مشيرا إلى المدى الذي يتم فيه السماح لاختلافات وتكنولوجيات جديدة لا حصر لها في السيارات، غالبا لها تبعات كبيرة من حيث الأجهزة والمكونات. مثلا، قالت “فولكسفاجن” إن سيارتها موديل فايتون صالون ذات النوعية الأفضل سيتم تأجيلها ولن تأتي إلا في نسخة كهربائية.
ديس المشهور بتخفيض التكاليف في شركة بي إم دبليو خلال الأزمة المالية، من المرجح أيضا أن يلقي نظرة على فاتورة الشراء الهائلة للعلامة التجارية لـ”فولكسفاجن”، البالغة 86 مليار يورو.
ويلاحظ واربيرتون إن “فولكسفاجن” غالبا ما تفرط في مواصفات قطع الغيار المخصصة، باستخدام درجة عالية من الصلب أكثر من المنافسين، أو قطع غيار معقدة خفيفة الوزن أكثر.
شويثا سوريندر، المستشارة في شركة فروست آند سوليفان، تقول إن “فولكسفاجن” يمكن أن تخفض ثلاثة مليارات يورو من التكاليف السنوية من المزودين الذين تتعامل معهم. لكنها أيضا تعتقد أن الشركة يمكن أن توفر في قسم الأبحاث والتطوير، حيث تنفق أكثر من أي شركة في القطاع. وترى أن توفير ما بين مليارين إلى أربعة مليارات يورو أمر ممكن، بدلا من التخفيض البالغ مليار يورو الذي تخطط له الشركة.
وبالنسبة للمساهمين كل هذا قد يبدو جيدا، لكن عدم اليقين الناشئ عن فضيحة الانبعاثات يهيمن. فقد انخفضت أسهم “فولكسفاجن” أكثر من النصف في الأشهر الستة الماضية والشركة لا تزال غير متأكدة من مدى حجم الفضيحة، وغير متأكدة أكثر من مقدار التكلفة من الدعاوى القضائية والغرامات واسترجاع السيارات. ويقول وارببرتون إن المراقبين ينبغي أن لا يتوهموا كثيرا بشأن التغيير في “فولكسفاجن” نظرا لدور نقابة العمال والسياسيين المحليين.
لكنه يضيف: “لا أستطيع تحديد كم ستكون التكلفة في الأشهر الـ 12 المقبلة. عقلي يقول من المنطق أن نكون حذرين بعض الشيء هنا، لكن قلبي يقول هذه تعتبر فرصة نوعا ما. أعتقد أننا ربما ننظر إلى أواخر عام 2015 بأثر رجعي ونفكر أنها كانت فرصة كبيرة للشراء”.
ويصف إلينجهورست الرئيس التنفيذي الجديد لـ”فولكسفاجن”، ديس، بأنه إنسان “كريه، لكن بطريقة جيدة”. ويضيف: “إنه واحد من الناس المثابرين إلى حد كبير ولا يقبل أن يرفض أي شخص ما يعرضه عليه. إنه يجعل الحياة غير مريحة للناس ويتحدى الوضع القائم، بحسب معرفتي به حين كان في آي بي إم”.
لكن نطاق التحدي الذي يواجهه في “فولكسفاجن” مختلف تماما. علامة “فولكسفاجن” حققت مبيعات بلغت 100 مليار يورو في السنة الماضية، لكن أرباحها التشغيلية كانت 2.5 مليار يورو فقط. بالمقابل، كان لدى بي إم دبليو مبيعات مقدارها 75 مليار يورو وأرباحا تشغيلية 7.2 مليار يورو.
واربيرتون، من بيرنشتاين للأبحاث، يرى أن ديس سيكون مدركا أن الشخصين اللذين تم تعيينهما قبله من خارج الشركة بهدف تقليص النفقات – وهما خوسيه إجناسيو لوبيز في 1993 وفولفجانج بيرنهارد في 2005 – كلاهما غادر الشركة بعد سنتين من المعارضة من اتحاد العمال. ومثل كثيرين، يعتقد أن ديس ربما يكون مهتما بأن يكون خلفا لماتياس ميولر في منصب الرئيس التنفيذي لمجموعة “فولكسفاجن”.
ويضيف: “يبدو أنه سيتحرك في هذا الموضوع بصورة أكثر حذرا من لوبيز وبيرنهارد. مع ذلك يجدر به أن يقي نفسه من الخطر خلال سنتين بعد أن يكون قد أدى عملا جيدا”.
واكتسب ديس سمعته الجيدة في “بي إم دبليو” من خلال تقليص تكاليف الشراء أربعة مليارات يورو، وساعد أيضا في تحسين كفاءة قسم الأبحاث والتطوير في الشركة – وهما أمران تحتاج “فولكسفاجن” إلى معالجتها أيضا.