بدا من الصعوبة الشديدة رسْم ملامح واضحة للاتجاهات التي يسلكها الوضع السياسي في لبنان وسط مجموعة تناقضاتٍ حادة تَتنازَع التطور الذي برز بالترشيح غير الرسمي لرئيس “تيار المردة” النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وهو التطور الذي أحدث زلزالاً داخلياً منذ أسبوعين.
واتّسمت الساعات الأخيرة بمعطياتٍ تميل في غالبيّتها الى ترجيح السلبيات المحيطة بترشيح فرنجية ومشروع التسوية السياسية او السلّة المتكاملة التي تُطرح مع هذا الترشيح، لكن ذلك لم يحجب في المقابل ملامح المضيّ في هذه التسوية ودلالاتها الجدية أكثر فأكثر.
ويمكن استناداً الى مصادر واسعة المواكَبة للحركة السياسية والاتصالات الناشطة في كل الاتجاهات اعتبار الاتصال الهاتفي الذي أجراه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بالنائب فرنجية مساء السبت، مؤشراً بارزاً الى ثبات الحريري ومضيّه في الاتفاق الأولي والأساسي الذي عقده مع فرنجية في اللقاءين اللذين جمعا بينهما في باريس قبل أسبوعين.
ذلك ان الاتصال، الذي بادر فريق فرنجية الى كشْفه، بدا بمثابة رسالة سياسية إضافية الى جدية مشروع التسوية المطروح على جميع القوى السياسية عقب “جسّ النبض” الأولي الذي استلزم انتظار اكثر من اسبوع لتَبيُّن الأصداء السياسية لهذا التطور.
ومع ان ميزان السلبيات بدا راجحاً على ميزان الايجابيات، فان المصادر تقول لصحيفة “الراي” الكويتية إن الايام الطالعة ستكون كفيلة بتظهير مزيدٍ من الوضوح في الصورة الشديدة الغموض والتي دفعت بزعيم “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط الى “فرْملة” اندفاعه نحو اعلان موقف واضح وعلني ورسمي بسحب مرشّحه الى رئاسة الجمهورية النائب هنري حلو لمصلحة ترشيح فرنجية.
وتوقفت المصادر عند تريّث جنبلاط بإمعان باعتباره “العرّاب الخفّي الاوّل” لترشيح فرنجية، ما يعني ان الزعيم الدرزي المعروف بدقة استشرافه لاتجاهات الرياح السياسية، بات يلحظ الصعوبات الكبيرة الناشئة في وجه هذه التسوية ولا يريد حرق ورقته بتسرُّع.
ولعل ما يثبت ذلك ان جنبلاط انبرى الى انتقاد الأطراف المسيحيين من دون ان يسميهم عندما استحضر على حسابه على موقع “تويتر” واقعة إفشال مهمة الموفد الاميركي سابقاَ ريتشارد مورفي لانتخاب النائب السابق مخايل ضاهر العام 1988 وعلّق عليها بقوله، في اشارة ضمنية الى كل من العماد ميشال عون ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع اللذين كانت لهما آنذاك اليد الاولى في إسقاط مهمة مورفي ومنْع انتخاب المرشّح الذي طرحه، ان “البعض لا يتعلم من الماضي، غريب ومؤسف”، لافتاً الى “ان هذا تذكير كيف اننا نفوّت الفرص”.
واستتبعت “تغريدات” جنبلاط “اخذاً ورداً” مع جعجع الذي كتب على صفحته على “تويتر” أن “بعض الأشخاص يهتمون كثيراً بالتاريخ، وليتهم يلتفتون قليلاً إلى الحاضر”، ليردّ الزعيم الدرزي قائلاً: “يبدو ان كلامي عن الماضي قد خدش أحاسيس البعض، لذا عملا بالحكمة القديمة اقول: (بعود عن الشر وغنيلو)”.
وتضيف المصادر الواسعة الاطلاع ان مصير هذه التسوية لن يُحسم سلباً او ايجاباً بسرعة، وهو الأمر الذي تخشى معه القوى المؤيدة لترشيح فرنجية من عامل الوقت الذي من شأنه ان يُسقِط التسوية بتدرّج. لذا، يُتوقع ان يعمد المؤيدون الى تكثيف المحاولات والجهود من أجل إحداث ثغرة في “الحائط المسيحي” تحديداً باعتبار ان ايّ فرصة لإنجاح التسوية تحتاج الى دعامة مسيحية، وإلا تعرّضت للفشل المحقق. وحتى الآن، لا يبدو الامر سهلاً على الإطلاق، لكن الوضع يقف عند نقطة المراوحة التي تملي انتظار مصير تحركات اساسية من بينها معرفة ما يدور حقيقةً بين العماد عون وحليفه “حزب الله” الذي يبدي حرجاً كبيراً، أقله ظاهرياً، في موقعه بين أكبر حليفين مسيحيين له. كما ان الوضع لا يقلّ حراجة في حقيقة ما يدور بين الحريري وحليفه المسيحي الاول سمير جعجع ولو ان الأخير يلزم “صمتا معبّراً”.
وتقول المصادر نفسها ان ثمة تطوراَ جديداَ برز امس في كشف تحديد موعد جديد للحوار بين تيار “المستقبل” و”حزب الله” مساء اليوم في مقر رئيس البرلمان نبيه بري في عين التينة. وتتسم هذه الجولة بأهمية كبيرة، لانها ستقارب على الأرجح موضوع التسوية الشاملة الذي طرحه الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله اولاً والذي تعامل معه الحريري بمرونة وايجابية ومن ثم موضوع ترشيح فرنجية لاحقاً.
وتعتقد المصادر ان الحوار الثنائي بين “المستقبل” و”حزب الله” سيكون ذا أثر مهم على بلورة الاتجاهات اللاحقة لكل فريق نحو حلفائه، فإما تكون هناك قوة دفع نحو تدعيم التسوية، وإما تبرز تعقيدات إضافية في وجهها وبحاجة الى مزيد من التريث والإنضاج، علما ان الاحتمال الثاني يبدو مرجحاً حتى إشعار آخر ما دام الأفرقاء المسيحيون لا يبدون اي استعدادات للقبول بتسوية ترشيح فرنجية ولو انهم لا يعلنون المواجهة معها بعد.