مازال اللقاء الرئاسي الباريسي بين سليمان فرنجية والحريري هو محور كل الحركة السياسية في لبنان بعدما شكل خرقا مدويا وخلط الأوراق بقوة وأقام الدنيا ولم يقعدها بعد. ولكن حصل في الأيام الأخيرة ما أدى الى فرملة الاندفاعة القوية للقاء باريس وإلى إفقاده ما بدأ به من زخم ودينامية.
فقد كان من المقرر أن يعلن الرئيس سعد الحريري بطريقة ما ترشيحه للنائب سليمان فرنجية وأن يواكب وليد جنبلاط هذا الإعلان ويكمله بإعلان سحب ترشيح النائب هنري حلو لمصلحة فرنجية. ولكن لم يحصل لا هذا ولا ذاك وحصل تجميد للخطوات وخيم التريث على الأجواء وبات الكل في حال انتظار وترقب: فرنجية ينتظر موقفا علنيا ورسميا من جانب الحريري ليبني على الشيء مقتضاه.
والعماد ميشال عون ينتظر ترشيحا رسميا من فرنجية مادام موقفه مازال على ما كان عليه: «مرشحنا عون ونحن خلفه». وينتظر عون أيضا من يفاتحه في أمر هذه التسوية وتفاصيلها ليبني على الشيء مقتضاه. وهذا التعثر الحاصل في الانطلاقة ينظر إليه من زاويتين مختلفتين:
٭ هناك من يعتبر أن عامل الوقت يلعب في غير مصلحة هذه التسوية التي يزداد تمريرها صعوبة بمرور الزمن، وكلما تأخر الوقت يصبح وصول فرنجية الى قصر بعبدا أصعب. فإذا لم يصر الى انتخاب فرنجية رئيسا هذا الشهر وقبل نهاية العام الحالي، يكون قد فقد فرصته الذهبية ويكون الملف الرئاسي عاد الى المربع الأول «مربع الفراغ» نتيجة تعذر الانتقال من «عون» الى الرئيس التوافقي.
٭ هناك من يعتبر أن واقعا جديدا قد طرأ على المعادلة الرئاسية سيزداد رسوخا مع مرور الوقت. والتطور المهم يتمثل في أن الانتقال حصل من «مربع عون» الى «مربع فرنجية». وفي حين تبدو العودة الى المربع الأول متعذرة، فإن البقاء في المربع الثاني يستلزم تذليل العقبات والصعوبات الناجمة عن حدث أو تحول كبير لم يتم التحضير له جيدا أو مسبقا. وبالتالي فإن عامل الوقت لا يؤدي الى إضعاف أو تبديد هذه التسوية كأنها لم تكن، وإنما يساهم في تثبيتها وفي تفكيك الألغام الكثيرة التي تعترض طريقها.
وبالتالي فإن «طبخة ترشيح فرنجية» لاتزال على النار ولكن وضعت «على نار خفيفة» لأن هذه التسوية تحتاج الى إنضاج والنار القوية تعطي نتيجة عكسية وتؤدي الى «شوشطة» الطبخة (إحراقها).
أما الألغام والصعوبات التي يحكى عنها فإنها لا تتصل فقط بحجم الحالة السياسية الاعتراضية التي ظهرت داخل فريقي 8 و14 آذار، وخصوصا اعتراض بعض صقور المستقبل والاعتراض المسيحي الذي ظهر بأوضح أشكاله عند القوات اللبنانية وبشكل ضمني ومستتر عند التيار الوطني الحر وبشكل خجول أقرب الى «الموافقة المشروطة» عند الكتائب.
هذه الصعوبات تتصل خصوصا بحجم ودقة التسوية الشاملة التي سينتخب فرنجية على أساسها ومن ضمنها. فالأمر ليس بسيطا الى حد اختزاله في معادلة «فرنجية مقابل الحريري»، والتسوية لا تقتصر على معادلة «رئيس جمهورية من 8 آذار مقابل رئيس حكومة من 14 آذار»، وإنما هي صفقة متشعبة تشمل، إضافة الى انتخاب رئيس للجمهورية، الاتفاق على الحكومة المقبلة، رئاستها وشكلها وتركيبتها، والاتفاق على قيادة الجيش، والموقف السياسي للعهد الجديد الذي سيعكسه البيان الوزاري للحكومة الجديدة، وخصوصا ما يتعلق بالموقف من الأزمة السورية وتدخل حزب الله فيها، وقضية النازحين السوريين ومشروع الدولة وسلطتها وما يتصل بسلاح المخيمات وسلاح حزب الله، إلخ. ولكن أهم ما في هذه التسوية هو «قانون الانتخاب» الذي يشكل القضية المحورية وأم المعارك السياسية ويفوق في أهميته انتخاب رئيس جديد.
وهذا الموضوع يثير بلبلة شديدة بعدما تم الكشف عن جانب من اتفاق الحريري مع فرنجية، وهو الجانب المتعلق بالتوافق على تجاوز «النسبية» وأن تكون أي انتخابات جديدة على أساس القانون الحالي أي قانون الـ 60. وهذا الاتفاق سواء كان صحيحا أم لا كان كافيا لتأجيج شكوك وهواجس القادة المسيحيين الذين يخوضون معركة قانون الانتخابات على أنها «معركة حياة أو موت»، والذين إذا قرروا يوما أن يمشوا بخيار فرنجية للرئاسة، فإنهم سيربطون انتخابه بالاتفاق على قانون الانتخاب وأن يكون البت بهذا القانون وحسمه قبل ملء الشغور الرئاسي. وهذا الربط كاف لوحده ان يجعل من مسألة انتخاب فرنجية بعيدة الحدوث أو بعيدة المنال. فالاتفاق على الرئيس أسهل بكثير من الاتفاق على قانون الانتخاب.