تُجمع أوساط مالية ومصرفية على أن المصارف اللبنانية، من خلال تغطيتها لإصدارات اليوروبوندز الأخيرة لصالح الحكومة اللبنانية، حققت إنجازاً لاعتبارات كثيرة أشار إليها البعض في عدد من الآراء وكان أبرزها:
1- قدرة المصارف على تمويل القروض المتوسطة والطويلة الأجل وبمبالغ مرتفعة، بعدما اقتصر نشاطها خلال الفترة الأخيرة على التسليفات للقطاع الخاص وبقروض متوسطة الأجل.
2- أهمية الإنجازات التي يحققها القطاع المصرفي على صعيد هذه الإصدارات: زيادة ملاءته المالية والاقتراضية خصوصاً لآجال متوسطة، تحسين كفاءته في إدارة وترتيب قروض بهذا الحجم الذي كانت تنفرد به المصارف العالمية، ما يعتبر مؤشراً إلى توافر الإمكانات المحلية مستقبلاً لتغطية ما تبقى من الاصدارات التي تنوي الحكومة إطلاقها.
3 – حاجة المصارف لتوظيف جزء من فائض السيولة بالدولار لديها، في الوقت الذي ما زال يتوجّب عليها أن تجد قنوات أخرى لاستيعاب إجمالي الفائض لديها الذي يقدّر بحوالى 16.3 مليار دولار نهاية أيلول 2015، وقد حقق هذا الإصدار للمصارف هوامش أرباح مهمة، إذا ما أخذ بالاعتبار حجم الفرق بين الفوائد الدائنة والمدينة لدى القطاع المصرفي (بلغ متوسط المعدلات الدائنة على الودائع الجديدة أو المجددة في أيلول 3.14٪، بينما كان متوسط المعدلات المدينة على التسليفات 7.19٪).
4- حاجة المصارف إلى استثمار الأموال المتوافرة لديها (حجم الودائع 104.325 مليار ليرة نهاية أيلول بحسب نشرة جمعية مصارف لبنان) في مقابل تسليفات للقطاع الخاص 70.584 مليار ليرة، فضلاً عن برامج الاقراض الشخصي والاستهلاكي.
والقطاع المصرفي الذي يتّكل على سوق سندات الخزينة لتوظيف فائض السيولة بالليرة لديه، سيجد نفسه مرّة أخرى بعد الإصدار الأخير، والذي سيستخدم في مجالات تمويل الإنفاق العام بدلاً من اللجوء إلى سندات الخزينة بالليرة، ملزماً بالبحث عن مجالات لتوظيف ما تنوي الدولة عدم اقتراضه.
وتقول هذه الأوساط في هذا الإطار، أن الحكومة التي اتكلت طوال السنوات الماضية على القطاع المصرفي لتمويل الجزء الأهم من إصدارات سندات الخزينة بالليرة، تعود للاتكال عليه مرّة جديدة، لكن لتمويل اصداراتها بالدولار بهدف تقليص أعباء الدين العام.
5- هناك من ينظر إلى هذا الإطار على أنه مؤشر الى حالة الاختناق التي دخل فيها الاقتصاد اللبناني، وزاد تفاقهما في الفترة الأخيرة، وهو ما تعكسه عدّة مؤشرات:
– تراجع وتيرة النمو إلى 1.5٪، إلى جانب هبوط مستويات الاستهلاك وتباطؤ وتيرة الحركة الاستثمارية.
– المصارف تعاني من تراجع فرص استثمار السيولة لديها في السوق المحلية بحد أدنى من المخاطر.
وتُشير أرقام جمعية المصارف إلى تراجع حركة التسليفات بالمقارنة مع مستوى نمو الودائع التي زادت خلال التسعة أشهر الأخيرة من عام 2015 بنسبة 9.0٪، في حين لم تتغيّر قيمة التسليفات خلال الأشهر التسعة الأخيرة من عام 2015.
– إذا كان تدني حركة التسليف بالليرة مبرراً بالمقارنة مع ارتفاع أسعار الفوائد عليها، فإن هبوط مستوى الإقراض بالدولار يعكس، وفق تقديرات مصرفية، مجموعة معطيات: تراجع الطلب على القروض بسبب حالة الركود الاقتصادي في البلاد، اتساع دائرة المخاوف من تطوّر الأوضاع العامة، وهي المخاوف التي عززها مؤخراً تفاقم الخلافات بين كبار المسؤولين في الدولة ودخول البلاد في دوّامة بعض الاستحقاقات السياسية (الانتخابات الرئاسية، استمرار تعثر عمل الحكومة والمجلس النيابي)، بالإضافة إلى المخاوف التي زادت حدتها من مخاطر تفاقم مشاكل الدين العام وعجز الموازنة، حرص المصارف اللبنانية على توفير الحد الأقصى لجهة ضمان استرداد القروض التي تمنحها في السوق المحلية.