لا مناص بعد اليوم من إعلان حالة طوارئ بيئية وصحية نتيجة أزمة النفايات المتفاقمة. التلوث لم يعد يقتصر على المياه والتربة والغذاء، بل بات يمثّل تهديداً جدياً وبالغ الخطورة لصحة الناس، وخصوصاً أولئك القاطنين قرب الأماكن “الموبوءة”، اذ “ارتفع خطر الإصابة بالسرطان في المناطق السكنيّة، حيث يجري إحراق النفايات إلى نسبة 37 شخصاً بالغا و186 طفلا من كل مليون نسمة”، منذ أيام جرى تداول معلومات موثوق بها على مواقع التواصل الإجتماعي عن دراسة أعدتها الجامعة الأميركية في بيروت، تُظهر وجود “معدلات خطيرة من مادة الديوكسين المسرطنة”، وظهور “مادة داي بنزو أنثراسين المسرطنة للمرة الأولى” نتيجة حرق النفايات. تؤكد مصادر أن “الدراسة أُرسلت منذ اسابيع الى رئيس الحكومة والمجلس الوطني للبحوث العلمية، لكن أحدا لم يتصرف”!
بالأمس أعلنت الجامعة نتائج خطيرة ومخيفة عن نسب مثيرة للقلق لمواد مسرطنة قرب مواقع الحرائق في مكبات النفايات العشوائية، بعدما تولت الوحدة البحثيّة حول نوعية الهواء، تحت إشراف أستاذة الكيمياء ورئيسة فريق عمل إدارة النفايات الصلبة في الجامعة الدكتورة نجاة صليبا، قياس مستويات الملوثات الضارة الصادرة عن هذه الحرائق، بهدف تقييم مدى الضرر اللاحق بالصحة العامة. أشارت الدراسة إلى توافر مجموعة من المواد الكيميائية العالية السمّيّة تؤدي الى الإصابة بالسرطان في الهواء المحيط الناتج عن ظاهرة حرق النفايات أخيراً، ليتبيّن أنّ هذه المواد هي الدّيوكسين والهيدروكربونات العطرية المتعددة الحلقات.
التقرير الصادر عن الجامعة يصف النتائج، وفق “الأخبار”، بالـ “صاعقة”، إذ تشير مستويات الدّيوكسين الحالية، التي جرى قياسها على سطح مبنى سكني بالقرب من مكبّ عشوائي يجري إضرام النيران فيه دوريا، الى ارتفاع كميات هذه المادة المسرطنة بقدر 416 مرّة أكثر مقارنةً بنتائج دراسة أُجريت عام 2014 في إحدى المناطق الصناعية في لبنان.
أين الخطورة في هذه النتيجة؟ يشرح التقرير أنّه بحسب مستويات الديوكسين في السابق، كانت نسبة احتمال الإصابة بالسرطان بمعدل شخص بالغ أو 4 أطفال من أصل مليون نسمة تتعرض لهذه الإنبعاثات على فترة حياة كاملة، وهذه النسبة تُعدّ مقبولة تبعاً لمعايير وكالة حماية البيئة الأميركية، أمّا المستويات الحالية، فتُشير الى ارتفاع هذه النسبة إلى 34 بالغا و176 طفلا من كل مليون نسمة في المناطق السكنية المكتظة، حيث تُضرَم الحرائق في أكوام النفايات.
يضيف التقرير أنّ “ما يزيد الخطر سوءاً هو دوام الديوكسين الذي يتميّز بطول بقائه في الهواء، إذ يعدّ من الملوثات الثابتة، أي التي تبقى في الهواء وتعلق على السطوح كالأجسام الجامدة والأجسام الحية، وتغوص في التربة وتبقى هناك لفترات طويلة”.
أمّا مستويات مادة الهيدروكربونات العطرية المتعددة الحلقات، التي جرى قياسها، فأدت إلى توثيق وجود مادة الـ”داي بنزو أنثراسين” (Dibenzoanthracene) لأول مرة في الهواء المحيط في لبنان. وتعد هذه المادة مسرطنة من الدرجة الأولى بحسب معايير منظّمة الصحة العالمية، وهي تصدر على نحو رئيسي عن الاحتراق غير الكامل للنفايات.
نتيجة المادتين السّامتين “ارتفاع خطر الإصابة بالسرطان في المناطق السكنيّة، حيث تُحرق النفايات إلى نسبة 37 شخصا بالغا و186 طفلا من كل مليون نسمة”.