في صيف عام 2013، قدم ريستو سيلازما، رئيس مجلس إدارة شركة نوكيا، إنذارا لرئيس شركة مايكروسوفت، ستيف بالمر، بعد عدة أشهر من مفاوضات متقطعة حول بيع قسم الهواتف الجوالة لدى شركة نوكيا.
كانت شركة التكنولوجيا الأمريكية في حاجة إلى دعم نظيرتها الفنلندية بقرض قيمته 1.5 مليار يورو. وكان سيلازما يعلم أن المستقبل كان لا يزال بحاجة لأن يتم تأمينه، حتى عندما كان يبيع ماضيه الذي كان مجيدا يوما ما، وكان يحتاج إلى أموال لشراء حصة شركة سيمنز من خلال مشروع مشترك أصبح حجر الأساس لشركة نوكيا جديدة.
يقول سيلازما، الذي تمكن من إقناع بالمر الغاضب بقبول طلبه: “المرحلة الأولى كانت تأمين نجاة الشركة وبقائها”.
عُقِدت الصفقتان مع “مايكروسوفت” و”سيمنز” خلال أول سنتين له رئيسا لمجلس الإدارة، ما أدى إلى إنقاذ شركة كانت، في فترة بهائها، تمثل تقريبا نصف أجهزة الهواتف الجوالة التي تباع على الصعيد العالمي، لكنها تخلفت بسبب التحول إلى الهواتف الذكية.
يقول سيلازما: “الصحافة كانت تتكهن بتوقيت نهاية شركة نوكيا. وصفقة شركة مايكروسوف حلت هذا الموضوع – بحيث إننا لم نكن في خطر بعد ذلك. لكن لم يكن لدينا أي أعمال تجارية حينها”.
كان في ذهن سيلازما صفقة أكبر، ورؤية أطول أمدا، فيما يتعلق بالمجموعة. وكان من شأن محادثات استكشافية مع شركة ألكاتيل – لوسنت الفرنسية أن تدعم مستقبل شركة نوكيا في سوق معدات الاتصالات – صفقة بقيمة 15.6 مليار يورو تكتمل الشهر المقبل لإنشاء منافس أكبر لشركتي إريكسون وهواوي.
قبيل الاجتماع الحاسم لمساهمي نوكيا في الثاني من كانون الأول (ديسمبر) في هلسنكي، يقيم سيلازما في السافوي، الفندق الفخم المطل على الماء في لندن. بهو الفندق يُشعرك بهدوء غير عادي، وسط إجراءات أمنية مشددة بعد الاعتداءات التي وقعت أخيرا في باريس.
لكن سيلازما يشعر كما لو أنه في موطنه. فهو يجتمع مع رئيس شركة ألكاتيل – لوسينت في جناح صغير في الطابق العلوي خلال فترة محادثاتهما الأولى حول دمج محتمل بين ندين.
اكتشف أن فندق السافوي هو أحد الفنادق الفخمة القليلة التي تسمح للنزلاء بزيارة غرفة من دون الحاجة إلى التوقيع على سجل. كان هناك خطر أقل بأن يتم اكتشافك هنا مما لو كنت في شركة قانونية حيث يتم غالبا مناقشة مثل صفقات الاندماج والاستحواذ تلك.
كان سيلازما مضطرا لتولي منصب الرئيس التنفيذي المؤقت في ذلك الوقت، إذ كان أمرا بعيدا عن تفكيره عندما وافق على تولي منصب غير تنفيذي في شركة نوكيا في عام 2008.
حمل سيلازما صفة الملياردير الأول في فنلندا – “لفترة قصيرة”، يقول بلامبالاة، وبشكل متواضع – بصفته مؤسسا لشركة برمجيات، إف – سيكيور. وبعد مرور أربع سنوات على انضمامه لمجلس إدارة نوكيا، طُلِب من صاحب المشاريع التكنولوجية أن يصبح رئيسا لمجلس الإدارة، وهو دور شعر أن عليه القبول به بوصفه مواطنا فنلنديا حتى لو كان قد رأى “الخطر الشخصي” بالنظر إلى مدى الانخفاض والتراجع الحاصلين.
“قدمت شركة نوكيا أشياء رائعة إلى حد كبير لفنلندا ولشركتي الخاصة بي. عندما بدأت برؤية الشركة تتعرض لتحد كبير، كيف يمكن لي أن أرفض؟”.
إنه يلعب الدور بخفة، ويبدو أصغر سنا من عمره البالغ 49 عاما. وحاجبه المنصوب بشكل اعتيادي يعطيه طابعا غريب الأطوار، يلائم الشعور الساخر بالفكاهة لديه ونظرة يصفها بأنها تشبه نظرة الشخص “المتفائل المصاب بالهوس”.
كان هناك القليل من الوقت لممارسة الهوايات مثل الإبحار والجولف خلال السنوات الثلاث الماضية، لكنه يقول إن ما كان يخفف من التوتر والإجهاد هو الدعم الذي كان يقدمه راجيف سوري، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركته.
عقدت نوكيا نحو 100 اجتماع لمجلس الإدارة خلال عامين. ويقول إن المجلس لم يصوت أبدا. “عقدنا اجتماعات قوية وجادلنا كثيرا، لكن لأنه كان لدينا ما يكفي من الوقت للتحليل والمناقشة، انتهى بنا الأمر عند القرار نفسه”.
وكان هذا، في النهاية، شركة ألكاتيل – لوسنت. عملية الاستحواذ ستكون عاملا مهما بالنسبة لمستقبل شركة نوكيا، بحسب ما يقول، ما يعطي الشركة مجموعة كاملة من المنتجات لشركات الاتصالات التي تحتاج إلى تغذية الطلب النهم على البيانات عبر الهواتف الجوالة وشبكات الاتصال ذات النطاق العريض في المنازل. يقول: “سنكون منيعين لمواجهة المستقبل”، وهذا ادعاء جريء في سوق تكنولوجيا سريعة التغير.
تعاني شركة ألكاتيل – لوسنت منذ سنوات بعد أن تم إنشاؤها من خلال عملية دمج فوضوية في عام 2006. وفي الشهر الماضي تنبأ جون تشامبرز، رئيس شركة سيسكو، باحتمال فشل صفقة نوكيا نظرا للسجل السيئ لمثل هذه الصفقات التكنولوجية الكبرى.
بشكل غير متوقع، يتفق سيلازما مع هذه المشاعر، لكنه يفسر سبب احتمال نجاح الصفقة بالنسبة لشركة نوكيا. وهو عازم على التعلم من تجربة الدمج المعيبة لألكاتيل ولوسنت، موضحا أنه قد لا يكون هناك أي التباس حول “من يتولى مقاليد الأمور”.
“صفقة ألكاتيل – لوسنت لم تنجح. أيضا لم ينجح مشروع نوكيا سيمنز المشترك. كانت المشكلة أنها اندماجات بين أنداد. واحدة لك، وواحدة لنا، بمثابة تقسيم للأدوار كما تقسيم الحلوى بين الأطفال. وتؤدي إلى الثقافة الخاطئة منذ البداية”.
أصبحت نوكيا بالفعل شركة ناجحة ذات جدارة، كما يقول، وليست شركة يقودها التحيز الوطني. هناك عضو واحد فقط في فريق الإدارة من فنلندا.
ولا يرغب سيلازما في التحدث بالتفصيل حول الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة السابقة لـ”نوكيا”، التي انتقدها المحللون بسبب عملية صنع القرار البطيئة وغطرسة الشركات. ويعترف بأن: “من الواضح أنه تم ارتكاب أخطاء جوهرية في الوقت الذي كانت فيه الشركة تخسر مكانتها المهيمنة في سوق الأجهزة”.
وعندما تولى منصب رئيس مجلس الإدارة، بدت شركة نوكيا وكأنها تترنح بين أزمة وأخرى، وتلقي بنفسها خارج “منصتها المحترقة” – عبارة لا تنسى كان يستخدمها الرئيس التنفيذي الأسبق، ستيفن إيلوب – في شراكة مع مايكروسوفت، التي ما زالت تفشل في وقف الخسائر في المبيعات.
تسبب ذلك التراجع في حدوث قلق عام في فنلندا، حيث مثلت “نوكيا” أكثر من مجرد شركة أخرى. فقد كانت قصة النجاح العظيمة للدولة، ومصدرا لقدر من الكبرياء والهوية الثقافية، إلى جانب التوظيف.
ويعترف سيلازما بالشعور بثقل التوقعات الوطنية، فضلا عن غضب الصحف الشعبية المتصدرة، خاصة من السماح لإيلوب بالمغادرة مع إعطائه تعويضات كبيرة. لكنه لا يشعر بالأسف على تلك الفترة – وكان دائما على ثقة من أن الحقائق ستثبت أنه على حق.
“عندما أصبحت رئيسا لمجلس الإدارة، كانت نوكيا في أدنى انحسار لها. كنا نخطط لأكبر عملية تسريح للعمال في تاريخ الشركة. كان الأمر صعبا من الناحية العاطفية. لكن من الناحية التحليلية، كنا نعلم أن الحقائق ستفوز”.
يقول الآن إن صفقة مايكروسوفت كانت ربما “الأفضل في التاريخ” بالنسبة لشركة نوكيا. ولا يزال هو صديقا لبالمر. ويعترف: “كان هناك قدر كبير من القلق إزاء ما تمت خسارته فعليا”. لو أنها لم تبرم تلك الصفقة، لكانت “نوكيا” قد تعرضت “لكرب وضيق عظيم، هذا إن بقيت موجودة على الإطلاق”، نظرا للتراجع المستمر في الحصة السوقية لهواتف ويندوز التي كانت مرتبطة بها.
أصبحت ثقافة شركة نوكيا بالفعل أقرب إلى روح المشاريع، بحسب ما يقول، ما يعكس خلفيته الخاصة. لكنه يعتقد أن الذاكرة الثقافية للشركات المتعلقة بـ “الصدق الدؤوب الريفي” تبقى أمرا مهما، بغض النظر عن التغييرات الإدارية التي كان يلزم أن تحدث، أو جنسية التنفيذيين.
ويتميز تاريخ الشركة بالتجديد المستمر خلال الأزمات على مدى 150 عاما. فقد انتقلت أعمالها من لب الخشب، إلى المطاط، إلى المواد الكيماوية، إلى الأسلحة.
يقول سيلازما إن هذا التاريخ يجعل الأمور تبدو وكأن نهوض “نوكيا” مرة أخرى “أمر مصيري تماما”. ويضيف: “بطريقة مضحكة، فكرت في أن هذا ساعدنا كثيرا. شعرنا بأننا فعلنا ذلك مرات عديدة، بحيث إنها ستنجح هذه المرة أيضا. هناك إيمان أن بإمكان هذه الشركة تجديد نفسها بطريقة مهمة جدا”.
ويأمل سيلازما أن يكون بإمكان “نوكيا” أن تصبح رمزا مرة أخرى بالنسبة لبقية فنلندا خلال فترة اقتصادية صعبة. وأثناء اللقاء كان يبحث عن ترجمة للكلمة الفنلندية “سيسو”، مشيرا إلى أنها إحدى أهم الكلمات في الثقافة الفنلندية، ومدخلا مهما للتجديد المستمر لشركة نوكيا.
“تعتبر كلمة سيسو مزيجا من المثابرة والعزم والشجاعة. لا تيأس أبدا. اخترق جدار الطوب. ويستخدمها الفنلنديون دائما. آمل أن يقدم مثال نوكيا الشجاعة. ونحن قد بدأنا للتو”.
السيرة الذاتية
ولد 17 نيسان (أبريل) 1966، في هلسنكي، فنلندا.
التعليم: جامعة هلسنكي للتكنولوجيا، درجة الماجستير في الهندسة الصناعية والإدارة.
1988: بدأ مشروع إف – سيكيور، وهي شركة أمن عبر الإنترنت، ظل يديرها حتى أواخر عام 2006 بوصفه رئيسا تنفيذيا.
2000: شارك في تأسيس نيكست فنتشرز، وهي شركة لرأس المال المغامر.
2008-2012: رئيس مجلس إدارة مجموعة الاتصالات الفنلندية “إيليسا”.
2008: انضم إلى مجلس إدارة شركة نوكيا.
2012- حتى الآن: رئيس مجلس إدارة “نوكيا”.
أيلول (سبتمبر) 2013 – أيار (مايو) 2014: الرئيس التنفيذي المؤقت لـ”نوكيا”، إضافة إلى كونه رئيس مجلس الإدارة.
الهوايات: الجولف، التجديف، تعلم اللغة الصينية.
رأي خارجي
يصف بيير فيراجو، المحلل لدى سانفورد سي بيرنشتاين الذي لديه توصية “تفوق” حول أسهم شركة نوكيا، ريستو سيلازما بأنه “رئيس عملي جدا، لكنه ليس باني إمبراطوريات”.
“أدرك أن الأعمال التجارية في مجال الهواتف لا يمكن لها البقاء، لكنه تمكن من الحصول على ثمن جيد مقابل ذلك. وهو يعمل مع مجلس إدارة جيد ورئيس تنفيذي جيد، الأمر الذي من الواضح أنه مفيد”.
يضيف فيراجو: “بسببه، يبدو الوضع وكأن الثقافة القديمة لنوكيا تعود مرة أخرى، وهي ثقافة ذكية ومنظمة للمشاريع ومولدة للسيولة بشكل كبير”.