Site icon IMLebanon

أسئلة عن الأثمان المدفوعة على هامش التحرير

 

 

كتبت دنيز عطاالله حداد  في صحيفة “السفير”:

يمكن أن يدخل يوم الأول من كانون الأول في سجل الأيام الوطنية اللبنانية الجامعة، على ندرتها. فأمس تشارك معظم اللبنانيين لحظات الفرح والتأثر والتعاطف مع العسكريين المحررين ومع ذويهم. عاشوا اللحظة بكل انفعالاتها قبل أن ينصرفوا مجددا الى انقسام أسئلتهم وشكوكهم وهواجسهم.

هل حقاً طُوي امس ملف المخطوفين لدى «جبهة النصرة»؟ هل من رواية رسمية نهائية تشرح كيف تم الخطف في الأساس؟ من خطط ومن سهّل ومن نفّذ؟ ما هو الثمن الذي دفعه لبنان في مقابل إطلاق سراح المخطوفين؟ ما دقة ما يروّج له بعضهم من فداحة الثمن، وان ما خُفي من معلومات حول الصفقة أكبر مما تم تسريبه وتعميمه؟

تعاطف معظم اللبنانيين مع المخطوفين وذويهم. تخيل كثيرون أنفسهم في وضع مشابه، لديهم أب أو أخ أو ابن في عراء الخطف والخوف، مهدد في كل لحظة بالإعدام كما حصل فعلا مع بعض رفاقه الشهداء. انحازوا الى أوجاعهم ومعاناتهم، حتى لو لم يُترجموا ذلك في حركات احتجاجية. هؤلاء، ومن بينهم سياسيون، أكدوا وجوب تقديم كل ممكن من أجل استعادة المخطوفين العسكريين. يقول أحد النواب ان «أي ثمن يمكن ان نكون قد دفعناه من أجل استعادة ابنائنا يعتبر زهيدا. فجزء من هيبة الدولة ان تكون قادرة على حماية كل مواطنيها، فكيف بالحري عسكرييها؟». يضيف «لقد كنا دوما نقول بإعجاب ضمني إن الدول التي تحترم مواطنيها، بما فيها اسرائيل، تقايض جثمان عسكري لديها بآلاف الأسرى، في دلالة على أهمية كل جندي بغض النظر عن رتبته أو مكانته. عليه فإن ما أُنجز في قضية المخطوفين المحررين، أيا يكن الثمن الذي وجب علينا دفعه، يبقى زهيدا مقابل تحرير العسكريين ودلالاته. ففي النهاية هناك رسالة وصلت الى كل عسكري وجندي وضابط أن دولتهم لا تتخلى عنهم وهي مستعدة للتفاوض، حتى مع أعتى خصومها، كما أشار اللواء عباس ابراهيم في استعداده للتفاوض مع داعش من أجل استرجاع عسكرييها».

لكن مناخاً آخر تعكسه بعض الاوساط التي بدت متحفظة على الصفقة ومتخوفة من الثمن الباهظ وغير المعلن، الذي يمكن أن يكون قد دُفع في قضية التحرير التي تمت أمس. في رأي هؤلاء ان الدخول الى السلك العسكري ليس وظيفة عادية. هو قرار بقبول الخطر وفكرة الاستشهاد. فالحرب ليست نزهة ويفترض ان يكون العسكريون مدربين على كل الظروف والأحوال من الأسر الى الاستشهاد. وتشك «بالتنازلات التي أعطيت لجبهة النصرة وشركائها من المتطرفين»، متوقفة عند «مشهد الاحتلال لجزء واسع من الأراضي اللبنانية حيث نقلت الكاميرات صور المسلحين الملثمين بكامل عتادهم وهم يصولون ويجولون ويرفعون أعلامهم، ويحتلون أسطح البنايات. بدا المشهد مخزيا ومقلقا، ولا يدعو في أي من الأشكال الى الاحتفال».

قد يكون كل الكلام قابلا للمناقشة والقراءة السياسية الهادئة. وتحتاج الملاحظات والأسئلة الى من يجيب عنها بالتفصيل في السياسة وفي العسكر لتوضيح الامور، فلا تكثر الاجتهادات. لكن كل تلك الاسئلة والشكوك الشائكة يمكنها أن تتراجع قليلا لتفسح في المجال أمام دموع الفرح لأمهات وآباء وزوجات وأبناء وإخوة أضناهم الخوف والعيش في هاجس قتل أحبتهم.

أمس كان يوماً استثنائياً أثلج قلوب 16 عائلة. وحدها تلك العائلات، تعرف معنى أن تعيش منتظرة سنة وخمسة أشهر عودة أبنائها. ولها وحدها طعم الفرح الاستثنائي. أما مسلسل الأسئلة فلن ينتهي.