IMLebanon

لامع مزاحم: كأنني وُلدت من جديد

lame3 mazahem

كتبت آمنة منصور في صحيفة “الراي” الكويتية:

يبتسم لامع مزاحم للكاميرا. يشير إلى صورته في اللوحة التي تجمع صور العسكريين المخطوفين “سابقاً” كقطع “بازل”. ويبتسم مرةً أخرى للحياة التي منحته فرصة ثانيةً؟ ربما. أو لعله يردّ على مآسي الأسْر بسرّ من أسرار مواجهة مصاعب الحياة: الابتسامة.

بملابس مدنية، يجلس الرقيب في قوى الأمن الداخلي لامع مزاحم، تحت فيء الخيمة التي كانت حتى صباح الثلاثاء تطالب بعودته من الخطف. هنا واظب أهل لامع وأهالي العسكريين كلهم على المطالبة بفك أسره. وهنا أيضاً تعالت أصوات اللبنانيين المتضامنين مع قضيتهم المحقة، مؤكد ضرورة تحرير “الوطن”.

غداة تحريره، جاء لامع من يحمر ـ بلدته الجنوبية ـ ليطالب هو بدوره بتحرير مَن بقي في قبضة “داعش”. هو يعرف معنى الخطف، ويدرك قيمة الحرية. لذا “هبط” إلى وسط العاصمة تضامناً مع أهالي رفاق السلك. النوم والراحة والأكل الطيب ورؤية الأقارب والأصدقاء أمور يمكن تأجيلها. ما لا يمكن تأجيله هو آلام حسين يوسف وغيره من الآباء الذين تعتصر أفئدتهم مرارة الصبر على غياب الأحبة.

يجلس لامع، ويتحلّق من حوله الصحافيون. هو “بطل” عائد إلى أرض الوطن. وكل الوطن يتحرّق لرؤيته، لسماع قصته ولمس معاناته مما سيرويه عن أيام الأسر. يجلس بكل هدوء، بكل محبة، كأنه بين أهله وناسه. أليس كل مَن طالب بتحريره هم أهله وناسه؟ بلى، هكذا يؤكد، وهو يتساءل كيف سيفي حق كل مَن حضر إلى ساحة رياض الصلح وواكب قضيته ورفاقه مطالباً وساعياً إلى عودتهم.

من كل حدب وصوب، تنهال الأسئلة على لامع، فتلمع الذكريات كومضات أمام عينيه. لم يمرّ الكثير على عودته كي ينسى. وهو أصلاً لن ينسى، لذا يصحّح لمن خانته الذاكرة من الصحافيين عدد أيام الأسر: 487 يوماً بالتمام والكمال، “وهل هذا أمر يُنسى”؟

هو لن ينسى هذه الأيام، لا سيما أوّلها فالظروف كانت صعبة، “لكننا تأقلمنا معها لاحقاً، فعشنا كما يعيشون هم” يقول لامع لـ “الراي”، مشيراً إلى أن “الخاطفين كانوا يعاملوننا بطريقة حسنة، وكنا نأكل ما يأكلون: رز وعدس وبرغل، وفي بعض الفترات كنا نوصيهم على”فواتير”طاووق وشوكولا ومعلبات ولحم”.

العسكريون كانوا يقضون أيام الخطف بالطبخ والأكل، الدراسة وقراءة القرآن والصلاة، “ولم يجبرنا الخاطفون على شيء”.

ولامع لا يمكنه تحديد أو أقله تقدير المكان الذي أُسر ورفاقه فيه، فما يعرفه هو أنهم كانوا في جرود عرسال، لكن من دون تحديد المكان بدقة. لكنه يوضح أنه “تم نقلنا في فترة الشتاء إلى مغاور، فما عدنا نشعر بالبرد”.

وكما هو معروف، فإن مكان أسر العسكريين، كان في مرمى النيران وتعرّض للقصف. ويقول لامع: “كنت في البدء أخاف الموت، وكنا نخاف إن سمعنا صوت رصاص، لكن لاحقاً اعتدنا على هذا الوضع، إلى حد أنه بات أمراً عادياً فما عدنا نتأثر وإن سقط بجانبنا صواريخ أو براميل”.

عن رفيقيه علي البزال ومحمد حمية اللذين أعدمتهما “جبهة النصرة”، يجيب: “لا أعرف لماذا حصل ذلك، وهم أخذوا حمية حينها(ليحكي على التلفون) وبعد أربعين يوماً أخبرنا علي البزال عندما عاد إلى حيث نحن أنه تم قتل حمية. وبعدما أقام البزال بيننا لنحو شهر قاموا بقتله”، كاشفاً أن “حمية والبزال كانا خائفين إذ كانا يشعران بأنه سيتم قتلهما، وحمية بكى عندما أخذوه”.

استشهاد البزال وحمية جعل بقية المخطوفين يقولون في قرارة نفسهم: “جايينا الدور”، هكذا يوضح مزاحم، مشيراً إلى أن الحياة رغم ذلك ظلت عادية مع الخاطفين كذلك “الأخ والعطا”.

لكن الأمل بالعودة إلى أرض الوطن حراً أمر لم يفقده لامع يوماً. ويقرّ بأن “منسوب هذا الأمل تذبذب في البدء، إلى حد أننا بلغنا لحظات من اليأس، تساءلنا فيها إن كنا سنخرج لنرى الناس والسماء مجدداً. لكن هذا الأمل ظل مع ذلك بطريقة ما موجوداً،”فالإنسان قلبه دليله”والأحلام التي كنا نراها كانت تنبئنا بأننا سنعود”.

وعن شعوره لدى خروجه إلى الحرية، يوجز لامع: “وكأنني وُلدت من جديد”.

وإن كان لامع مدركاً لسلّم الأولويات الاجتماعية التي سيبدّلها في حياته، لكنه لا يعلم حتى الآن إن كان سيبقى في السلك العسكري أم سيتركه “فهذا الأمر لا يمكنني تحديده بعد”.