Site icon IMLebanon

سباق الحصص النفطية يدفع إيران للوراء

iranoilminister
فرح الزمان شوقي

يبدو أن مساعي إيران للعودة إلى سوق النفط بقوة لن تكون بالأمر الهين، رغم رفع العقوبات الدولية المقرر بحلول العام المقبل 2016، حيث تواجه البلاد تحديات ومشكلات عدة تتركز أغلبها في مدى قدرة طهران على منافسة كبار المنتجين في سوق بات الطلب فيه أقل من المعروض.
وتشير البيانات الدولية إلى أن إيران تواجه تحديات في أسواق ظلت لسنوات هي الأكبر بالنسبة لصادراتها من النفط، رغم العقوبات الدولية.
وهبطت واردات آسيا من النفط الإيراني إلى أدنى مستوى في عامين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ عزف أكبر مشتري الخام الإيراني عن زيادة مشترياتهم، رغم اتفاق تاريخي بشأن برنامج طهران النووي تم التوصل إليه في يوليو/تموز الماضي مع الدول الكبرى.
وأظهرت بيانات حكومية وبيانات تتبع حركة الناقلات، أن واردات أكبر أربعة مشترين من إيران؛ وهم الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية بلغت 803.6 آلاف برميل يوميا، بتراجع بلغت نسبته 35% عما كانت عليه قبل الاتفاق النووي، حيث وصلت صادراتها إلى 1.2 مليون برميل يوميا، كما تراجعت الصادرات بنسبة 8.5% على أساس سنوي مقارنة بأكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي 2014.
وتظهر الأرقام أن إيران تواجه تحديات كبيرة في ما يتعلق بسياستها الرامية إلى زيادة الإنتاج والتوسع في التصدير خلال الفترة المقبلة، اعتمادا على رفع العقوبات عنها.
وتنتج إيران حالياً 2.8 مليون برميل يومياً، بينما أعلن القائمون على وزارة النفط والحكومة أن إيران ستزيد إنتاجها بنحو 500 ألف برميل يومياً، فور رفع العقوبات الدولية، اعتباراً من 2016، على أن يزداد بمليون برميل يومياً بعد عام، وهو ما سيزيد من حدة التنافس في السوق وفق التوقعات.
وبحسب وكالة مهر الإيرانية يوم الثلاثاء الماضي، فإن وزير النفط بيغن زنغنه، بعث برسالة لمنظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، طالب فيها الدول الأعضاء باحترام سقف الإنتاج المشترك الذي يصل إلى 30 مليون برميل يوميا، لكن هذا الرقم يبلغ حاليا وفق الوزير الإيراني 31.3 مليون برميل.
وكانت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء “ارنا” قد نقلت عن زنغنه، قوله يوم السبت قبل الماضي، إن طهران لا تحتاج إلى تصريح من “أوبك” لزيادة إنتاج النفط، مشيرا إلى نية بلاده استرجاع حصصها في السوق، والتي خسرتها بسبب العقوبات، وهو ما ينبئ باستمرار الصراع في سوق النفط وفي أوبك ذاتها.

وتترقّب أسواق الطاقة العالمية، اجتماع “أوبك” غدا الجمعة. وعلى عكس التوقعات بأن تتخذ المنظمة خطوات لخفض الإنتاج بهدف دعم الأسعار التي تراجعت لأكثر من النصف منذ منتصف العام الماضي 2014، توقعت مؤسسات مالية عالمية ألا تتراجع المنظمة عن زيادة الإنتاج، وهو ما يتوقع أن يزيد حالة الانقسام داخلها، حيث يعارض عدد من الدول، على رأسها فنزويلا وإيران، زيادة الإنتاج، بسبب وجود فائض كبير يتجاوز الستة ملايين برميل فوق الطلب.
وقال الخبير في شؤون الطاقة الإيراني، حسين أنصاري، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إن التنافس الحاد في السوق النفطية يأتي للحفاظ على زبائن ومستهلكين معهودين ولاستقطاب زبائن جدد.
وأضاف أنصاري، أن هناك مشكلة رئيسية بين إيران والمملكة العربية السعودية بالذات، قائلا إن “بعض الأطراف تسعى للإبقاء على الضغوطات على الاقتصاد الإيراني، والذي تنتظر البلاد انتعاشه بعد إلغاء العقوبات بموجب الاتفاق”، معتبرا أن هذا الاتفاق يستطيع فتح الباب على مصراعيه أمام إيران لحل بعض مشكلاتها التي تراكمت خلال السنوات الماضية.
وتابع أن هناك مشكلات أخرى تتعلق بالدول المستوردة للنفط الإيراني، موضحا أنه عندما تتراجع صادرات إيران للسوق الآسيوية؛ فهذا قد يعني ركودا في تلك الدول المضطرة لتخفيف ميزان وارداتها من النفط.
وقال أنصاري إن “حصد نتائج رفع العقوبات ستصبح ملموسة خلال الأشهر الأولى من العام 2016″، لكنه أكد وجود تحديات عديدة تعترض إيران، التي تريد استعادة حصصها التي خسرتها بسبب ضغط العقوبات.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية ذكرت قبل نحو ثلاثة أسابيع، أن خلافات بين الدول الأعضاء في “أوبك” أجّلت صدور تقرير عن استراتيجية المنظمة للأمد الطويل.
وكان من المفترض الانتهاء من التقرير بداية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وذلك بعد مناقشات بين الدول الأعضاء على مستوى الخبراء، ليتم في ما بعد عرضه على المؤتمر الوزاري المقبل للمصادقة عليه، لكنّ ممثلي الدول الأعضاء لم يتوصلوا إلى صياغة موحدة للتقرير، ما أدى إلى تأجيل إصداره، وفق الصحيفة الأميركية. ويمكن أن تجري النقاشات حول الاستراتيجية في مؤتمر “أوبك” المقرر غدا.

ويأتي اجتماع “أوبك” في وقت يزيد فيه المعروض من النفط في السوق العالمية على الطلب، كما تبلغ المخزونات مستويات قياسية تقارب 3 مليارات برميل، أي أعلى بثلاثة أضعاف من الكميات المعتادة.
وكانت الوكالة الدولية للطاقة، قد قالت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إن نمو الطلب العالمي على النفط سيتباطأ العام المقبل، متوقعة أن يكون النمو بحدود 1.2 مليون برميل يوميا في 2016، مقابل 1.8 مليون في 2015.

كما ذكر تقرير حديث صادر عن مصرف “مورغان ستانلي” الأميركي، أن هناك مخاطر تدفع باتجاه مزيد من الانخفاض في أسعار النفط في ظل ارتفاع المعروض على الطلب، موضحا أن أهم هذه المخاطر هي تباطؤ الاقتصاد العالمي وعودة النفط الإيراني برفع العقوبات الدولية عن طهران.
وفي ظل هذه الأسعار المنخفضة، فإن جاذبية الاستثمار في قطاع النفط تتراجع، وهو ما يثير قلق إيران التي تسعى إلى جذب الشركات العالمية والمستثمرين في هذا القطاع.
وأجّلت شركات النفط حول العالم مشروعات تبلغ قيمتها نحو 200 مليار دولار، من بينها مشروعات متطورة ومرتفعة الكلفة، مثل مشروعات الرمال النفطية في كندا والمياه العميقة في أفريقيا وجنوب شرق آسيا.
وكانت 137 شركة أجنبية قد شاركت في مؤتمر بالعاصمة الإيرانية مؤخرا لعرض مشاريع وعقود النفط الإيرانية الجديدة، وأعلن وزير النفط الإيراني خلاله عن توقيع عقود بقيمة 25 مليار دولار، بعد تطبيق قرار إلغاء العقوبات.
كما أكدت وزارة النفط على ضرورة دعم القطاع الخاص الإيراني، ليدخل إلى جانب المستثمر الأجنبي في الحقول النفطية، وهو ما قد يساعد البلاد على رفع مستوى التنقيب والإنتاج ومن ثم زيادة الصادرات.
كما استقبلت طهران مؤخرا القمة الثالثة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، وأعلنت البلاد خلالها عن زيادة إنتاجها من الغاز خلال العامين القادمين ليصل إلى أكثر من مليار متر مكعب يوميا، وحاولت الاستفادة من أجواء ما بعد الاتفاق النووي من خلال التأكيد على تطوير الاستثمار مع الدول الحاضرة.
وكانت الصادرات النفطية الإيرانية قد وصلت إلى 2.2 مليون برميل يوميا قبل تشديد الحظر الغربي على النفط الإيراني عام 2011، إلا أن هذا الرقم ارتفع تدريجيا وبشكل نسبي منذ توقيع اتفاق جنيف النووي المؤقت عام 2013، حيث تم تعليق تطبيق العقوبات على إيران رغم عدم إلغائها بالكامل حتى الوقت الراهن.
وبينما يقول خبير الطاقة الإيراني، حسين أنصاري، إن بعض الأطراف تسعى للإبقاء على الضغوطات على الاقتصاد الإيراني، مشيرا إلى الخلافات بين السعودية وإيران، فإن الرياض التي تعد أكبر مصدر للنفط في “أوبك” وتستحوذ وحدها على نحو ثلث إنتاج المنظمة، تؤكد أن عدم خفض المنظمة إنتاجها يستهدف مواجهة المنافسين من خارج “أوبك”.
وكان الأمير عبدالعزيز بن سلمان، نائب وزير البترول السعودي، ذكر خلال اجتماع الطاولة المستديرة السادس لوزراء البترول والطاقة لدول آسيا بالعاصمة القطرية الدوحة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن خفض الاستثمارات في قطاع البترول في أماكن أخرى من العالم سيؤدي إلى تراجع إمدادات الخام من الدول غير الأعضاء في أوبك في 2016 وما بعده.