كتب عمّار نعمة في صحيفة “السفير”:
هي اليوم مرحلة التقاط الأنفاس بالنسبة الى القوى المسيحية في «14 آذار»، بعد أن استوعبت «مفاجأة» ترشيح الرئيس سعد الحريري (غير الرسمي) للنائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية.
دخلت تلك القوى أول الأمر في نكران الواقع الذي أسقط فرنجية فوق رؤوسهم مرشحاً غير منتظر. سارعت تلك القوى إلى نفي حصول اللقاء الباريسي ساعة، ومن ثم إنكار مفاعيل اللقاء الرئاسية ساعة أخرى. اليوم، تتعامل تلك القوى مع ترشيح فرنجية كواقع يتحتم التعامل معه، وهي، لذلك، تقبلت ترشيح فرنجية من ناحية، لكنها، في المقابل، شرعت في وضع دفتر شروط لا يمكن لفرنجية الوصول الى مبتغاه من دونه من ناحية ثانية.
يشير قيادي مسيحي في «14 آذار» إلى أن تلك القوى انتقلت اليوم الى مرحلة إخضاع ترشيح فرنجية لـ «امتحان المشروع»، وما على الأخير سوى إثبات أنه يريد أن يصبح رئيساً «لكل اللبنانيين» والانعتاق من كونه مرشحاً من قبل قوى «8 آذار».
انتقل مسيحيو «14 آذار» من مرحلة نكران الواقع، إلى محاولة «تعديله» أو التعامل معه، بينما تبقى «القوات اللبنانية» رافضة، علناً وبشدة، لوصول فرنجية، وهي، لذلك، لجأت إلى وضع شرط رفض سلاح «حزب الله» على جدول أعمال «امتحان المشروع»، وعلى غرارها، كان موقف حزب «الكتائب»، وإن كان الأخير يبدو أكثر مرونة، ما قد يدفع به الى السير بترشيح فرنجية في نهاية المطاف، حسب قيادي غير مسيحي في تلك القوى، يبدي تفاؤله بترشح فرنجية، وإن كان يرى أن الطريق لا يزال طويلاً أمام الأخير «إذ إن حظوظه لا تتجاوز حتى الآن الـ50 في المئة للوصول الى سدة الرئاسة، ولا نزال في المربع الأول».
لكن مرد هذا التفاؤل يعود، أولاً، إلى ما يعتبره القيادي «المعطى الإقليمي الكبير في سوريا. حيث أشّر التدخل الروسي في سوريا الى مرحلة جديدة في هذا البلد الذي يشكل مفتاح الحل في لبنان، وعنوانها: وضع حد للطموحات الإيرانية في المنطقة لمصلحة نفوذ روسي يشرف على مرحلة انتقالية للرئيس السوري بشار الأسد، ما سيرسم خريطة سياسية سورية جديدة للحكم».
ينطلق هذا القيادي من هذا التحليل ليشير إلى أن وصول فرنجية الى الرئاسة لا يعتبر وصولاً للأسد إلى الرئاسة في لبنان كما يتخوف البعض، «إذ إن الرئيس السوري لم يعد في موقع النفوذ مثلما هو النفوذ الإيراني».
داخلياً، والكلام للقيادي، لم يعد بمقدور البلاد السير على منوال الانهيار الحاصل على المستويات كافة، في ظل شبه فراغ في المؤسسات ووضع متفجر في الإقليم تشكل التسوية الإقليمية والمحلية مخرجاً له. ويشير إلى أن «14 آذار» باتت أمام فرصة للحل عليها اقتناصها، الأمر الذي يخالفه فيه القيادي الآخر المنتمي الى مسيحيي تلك القوى الذي يرى ان الحل في سوريا لا يزال غير متبلور، متسائلاً عن الثمن الذي سيُدفع لوصول فرنجية الى الرئاسة. وهو، إذ يتفهم موقف الحريري والنائب وليد جنبلاط في دعم فرنجية، لا يرى في وصول الأخير الى الرئاسة تتويجاً للحل اللبناني، ويشدد على أنه لا إمكانية لفرنجية للوصول الى الرئاسة في ظل «فيتو» مسيحي عليه «وبكل الأحوال فإن ترشيحه غير نهائي وغير رسمي».
هذا التحليل يتفق معه القيادي الآذاري الآخر، الذي يشير الى إمكانية خرق الاعتراضات المسيحية على الزعيم الزغرتاوي، وهو يغمز من موقف «الكتائب» الذي لا يبدو متصلباً في موقفه، ما يعني انه من بين الأطراف المسيحية الأربعة الكبار، لن يكون فرنجية مرفوضاً سوى من العماد ميشال عون وسمير جعجع. لكن الشرط يبقى على أن فرنجية يجب أن يتحول من كونه على يمين «8 آذار»، الى مرشح توافقي تقبل به «14 آذار».
على أن الشروط المتداولة في أوساط «14 آذار» تختلف بين قوى وأخرى. وبينما لا يضع «تيار المستقبل» على سبيل المثال، موضوع تعهد فرنجية بالتخلص من سلاح «حزب الله» أو عودة الأخير من سوريا، في شروط الترئيس، ويكتفي، كما يهمس البعض، بإقرار فرنجية بالمحكمة الدولية والتزامه اتفاق الطائف والنأي بالنفس في الموضوع السوري، فإن «القوات» تقحم موضوع السلاح في شروطها في ما يبدو انه لتعجيز فرنجية.. أما «الكتائب»، فيُدرج أيضاً موضوع السـلاح، ربما للتـفاوض علـيه كما يهمس البعض!
ثمة مقولة رائجة في الفترة الحالية لدى «14 آذار» مؤداها أن «8 آذار» خسرت في سوريا على صعيد الخيارات، لكن «14 آذار» لم تعرف كيف تفوز. هذه المقولة تفتح خيار مقولة ثانية يخشى «الآذاريون» منها ويعملون على إحباطها، مؤداها أن «14 آذار»، إذا استمرت على انقسامها، «قد تهزم نفسها من الداخل، مرة جديدة».