أنهى تجمّع رجال الأعمال اللبنانيين، يوم الأربعاء الماضي، زيارة استكشافية لإيران. الدهشة أحاطت الوفد اللبناني المكوّن من 30 شخصاً يمثّلون عدداً من القطاعات في مجالات التجارة والصناعة والسياحة والاتصالات والتكنولوجيا والتأمين والإدارة والتمويل والعقارات… أما جولة الوفد فقد امتدت على 5 أيام، وشملت مؤسسات وإدارات حكومية ولقاءات مع 185 رجل أعمال وصاحب شركة في إيران.
وبحسب مصادر مطلعة، سبق هذه الزيارة خطوة إيرانية كان عرابها الملحق التجاري في لبنان الذي قام بجولة زيارات على عدد من مسؤولي القطاع الخاص لاستطلاع رغباتهم الاستثمارية في إيران. وتقول المصادر إن المصارف هي الجهة الوحيدة التي أبدت حذراً في التعامل مع إيران. ففي أحد اجتماعات الهيئات الاقتصادية طرح رئيس تجمّع رجال الأعمال فؤاد زمكحل، والرئيس السابق لجمعية الصناعيين جاك صراف، ضرورة استكشاف إيران وتشكيل وفود للبحث عن الفرص الاستثمارية في هذه السوق «الخصبة»، إلا أن رئيس جمعية المصارف جوزف طربيه، أوضح أن المصارف لا يمكنها أن تتعامل مع أي جهة عليها عقوبات، ولا يمكن البحث في أي خطوة من هذا النوع إلا عندما تزال العقوبات رسمياً عن إيران.
أهم الخلاصات التي توصل إليها الوفد، كما لخصّها زمكحل لـ«الأخبار» هي على النحو الآتي:
ــ في مجال الاستثمار وقوانين العمل والضرائب، تبيّن للوفد أنه يمكن الأجنبي أن يتملك في إيران بنسبة 100% من أسهم الشركة، ويمكن الشركات أن تتملك عقارات، فيما يمنع على الأفراد الأجانب تملك العقارات.
ــ يعمل الإيرانيون على خلق مدن حرّة. تستفيد هذه المدن من ميزة إيران وموقعها الجيواستراتيجي الذي يسمح بإجراء مبادلات تجارية مع أسواق كبيرة في المنطقة مثل تركيا والعراق وسواها… الضريبة في هذه المدن هي 12% إذا كان عمل الشركة مخصصاً للخارج، أي ترانزيت أو تصدير، وإذا كان العمل مخصصاً للاستيراد بهدف بيع السلع في السوق الإيرانية، فإن الشركة تخضع للضريبة العامة على الدخل والمحدّدة بنسبة 25% من الأرباح.
ــ القطاع الخاص الإيراني متطور «أكثر مما نعتقد». ممثلو القطاعين الخاص والعام في إيران عبّروا بصراحة عن حاجتهم للتعاون مع الشركات اللبنانية، مشيرين إلى «الاستفادة من الانتشار اللبناني الذي يعدّ وسيلة أساسية تساعد على التصدير إلى الأسواق الدولية». الإيرانيون يقدّمون لرجال الأعمال اللبنانيين الأرضية والانطلاقة في هذه السوق مقابل فتح السوق الدولية أمامهم.
ــ أعرب الإيرانيون عن حاجتهم إلى الخبرة اللبنانية في الإدارة والتسويق، ولا سيما أن الشركات اللبنانية لديها الخبرة الكافية في هذا المجال، وهي وصلت إلى مستويات أداء عالية، انطلاقاً من سوق صغيرة.
إذاً، الموارد مقابل الخبرة والانتشار في السوق الدولية. هذه هي المعادلة التي يطرحها الإيرانيون في إطار علاقاتهم التجارية مع اللبنانيين. ورغم أن هذه العلاقة لا تتيح الكثير، إلا أن حاجة اللبنانيين إلى الخروج من السوق المحلية الضيقة إلى أسواق ناشئة و«خصبة» تدفعهم إلى لعب دور الوسيط بين إيران والأسواق الدولية، أو على الأقل الإيرانيون واثقون من أن اللبنانيين قادرون على تأدية هذا الدور بالطريقة التي تناسب مصالحهم الاستراتيجية في مقابل أرباح للجانب اللبناني.
وتأتي هذه المعادلة في إطار تبادل تجاري ضحل جداً بين الطرفين. ففي عام 2014 صدّرت إيران إلى لبنان بما قيمته 50 مليون دولار، فيما صدّر لبنان إلى إيران بما قيمته 3.23 ملايين دولار. السلع الإيرانية الواردة إلى لبنان 64% منها هي فستق حلبي، و6% سجاد، و5% خميرة، و7% قريدس. أما الصادرات اللبنانية فهي 17% مولدات كهرباء و12% أفران كهربائية للصناعة ونسب صغيرة من صناعة الكرتون والكتب والأدوية.
على أي حال، يبدو الإيرانيون حذرين جداً في رسم علاقاتهم مع اللبنانيين، ربما بسبب تجربتهم على الأرض اللبنانية غير المشجعة. فعلى سبيل المثال، عندما فازت شركة «تعميرات نيرو» بمناقصة تشغيل معملي دير عمار والزهراني وصيانتهما في عام 2004، اضطرت إلى التنازل عن حقّها سريعاً والانسحاب بفعل الضغوط التي مورست عليها تحت عنوان عدم جواز إدخال الإيرانيين في مشاريع البنية التحتية في لبنان، وقد انسحبت هذه الذريعة على العروض التي قدّمها الجانب الإيراني لتبنّي مشروع «إليسار» وتمويله، وكذلك في مجالات بناء معامل إنتاج الكهرباء.
البارز في نتائج زيارة الوفد اللبناني لإيران أنه ليس هناك قطاعات محدّدة مرغوبة أقل أو أكثر من غيرها، بل إن حاجة الإيرانيين لجسر عبور إلى السوق الدولية هي التي ستحفّز المشاريع المشتركة أو تلجمها. لكن الاستفادة من إيران على المستوى الرسمي، ستكون مرهونة بالرغبة الرسمية اللبنانية للاستفادة من الخبرات الإيرانية في مجال الطاقة والزراعة واستخدام التكنولوجيا.
على أي حال، يقول زمكحل إن الجانب الرسمي الإيراني أظهر اهتماماً بلعب دور منصة اقتصادية إقليمية كبيرة. أما الاجتماعات مع ممثلي القطاع الخاص الإيراني فأظهرت أيضاً رغبة في تطوير مشاريع مشتركة على أساس الحاجة المتبادلة والربح للطرفين، «لكن كان واضحاً أن التطبيق غير ممكن قبل رفع العقوبات نهائياً… وإلّا فستذهب كل توقعاتنا سدىً ولن نتمكن من تحقيقها. نأمل أن يدخل الاتفاق حيّز التنفيذ في عام 2016، وأن يتوصل المعنيون إلى تسوية مشاكلهم السياسية والدبلوماسية، ما يفسح المجال لاستكشاف هذه السوق الجديدة».