كشفت مصادر تشارك في المشاورات الجارية لتذليل العقبات أمام التسوية الرئاسية لـصحيفة “الراي” الكويتية، من أن “طرْح اسم سليمان فرنجية للرئاسة ليس ابن ساعته القريبة، بل بدأ العمل عليه منذ مدة غير قصيرة، بمساهماتٍ غربية وسعودية، الى حين انعقاد اللقاء بين الحريري وفرنجية في باريس قبل أسابيع، بحيث توّج هذا المسعى”.
وأشارت هذه المصادر الى ان “الاندفاعة التي برزت في مواقف بكركي عقب عودة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من ألمانيا مساء الخميس، تثبت ان الموضوع بات يتكئ على ركائز أساسية، ليس الفاتيكان بعيداً عنها ايضاً. علماً ان البطريرك استقبل بعد وصوله بقليل من السفر في الصرح البطريركي النائب فرنجية في اطار بدا معه الأخير (رئيساً منتخَباً) أكثر منه مرشحاً، الى حدٍّ لم يجد معه فرنجية حرجاً في ترديد عبارة (انا كرئيس للجمهورية هدفي ان أكون محاطاً بجميع المسيحيين). كما ان الراعي لم يجد حرجاً بدوره في إحاطة زعيم (المردة) بحفاوة احتفالية، قبل ان يكرّس مجلس المطارنة الموارنة في بيانه أمس، والذي أعقب اجتماعه الشهري دعم خيار فرنجية من خلال إعلانه انه (بعد 18 شهراً من الشغور الرئاسي تبرز فرصة جدية لملء هذا الشغور، ما يقتضي التشاور والتعاون بين الجميع لإخراج البلاد من أزمة الفراغ وتعطيل المؤسسات، فالرئيس هو رأس الدولة وفق الدستور وحجر الزاوية في العمارة الوطنية بأبعادها التاريخية المؤسساتية)”.
اما في المقلب السعودي، فتكشف المصادر ان “التصريحات التي تعمّد سفير المملكة في بيروت علي عواض عسيري الإدلاء بها من بلدة بكفيا عقب الزيارة التي قام بها لرئيس (حزب الكتائب) النائب سامي الجميل (الخميس) شكّلت مفاجأة ضخمة للأوساط السياسية، لأنها تضمّنت الموقف السعودي الأكثر وضوحاَ في (مباركة) التسوية التي حملت اسم فرنجية مرشحاً للرئاسة. واكتسب هذا الأمر دلالة بارزة لجهة التساؤل عما اذا كانت المملكة أوعزت لسفيرها في لبنان بالدفع قدماً نحو تعميم رسالة الى الداخل اللبناني والرأي العام الخارجي بأنها تقف وراء هذه التسوية فعلاً، ما سيستتبع بطبيعة الحال مزيداً من الخطوات على محور أفرقاء سياسيين مسيحيين يرفضون ترشيح فرنجية ولا سيما منهم (حزب القوات اللبنانية) بزعامة سمير جعجع، الذي يلزم صمتاً شديد الوطأة حيال التسوية أسوة بزعيم (التيار الوطني الحر) ميشال عون”.
واذ يتردد ان جعجع، الذي يفترض ان يكون زار البطريرك الراعي امس، سيتوجّه الى الرياض للقاء الرئيس الحريري ومسؤولين سعوديين كباراً في الاسبوع المقبل، فإن المصادر نفسها تعتبر ان “معالجة الرفض المسيحي القوي الذي يتشارك فيه عون وجعجع و(الكتائب) يحتاج الى ضمانات خارجية وداخلية ليست واضحة بعد، الأمر الذي يجعل الايام المقبلة مفتوحة على الكثير من شدّ الأعصاب، وخصوصاً وسط المحاولات الجارية لجعل تاريخ 16 الجاري، موعداً حاسماً لتمرير انتخاب فرنجية”.
ومع ان الوسط المحيط بكل من عون وجعجع لا يبدي خشية واقعية من إمكان نجاح تمرير انتخاب فرنجية في هذا الموعد، فإن هذا الوسط لا يفصح بعد عما يمكن ان يعمد اليه الفريقان المسيحيان الأساسيان من خطوات ومواقف، ولو ان الإشارات تتواتر عن رفضهما رفضاً حاداً ترشيح فرنجية، كلٌّ من منطلقاته ودوافعه، من دون ان يتضح ماذا سيفعلان بعدما بات انتخاب زعيم “المردة” أمراً واقعاً.
ولعل ما يساعد الفريقين العوني والقواتي في كسب عامل الوقت ومحاولة توظيفه لاحتواء اندفاعة تقدم فرنجية والطموح المشترك لديهما الى إسقاطها، هو الصمت البليغ الذي يلتزمه ايضاً “حزب الله” والذي لا تُنقل عنه الا عبارة لا تتزحزح حتى الآن، وهي ان الحزب ملتزم دعم عون ما دام مرشحاً، بما يعني عدم استعداد الحزب والأرجح عدم قدرته على اتخاذ اي موقف مغاير وإيجابي من ترشيح فرنجية إلا إذا أعلن عون الانسحاب من الترشيح إما لمصلحة فرنجية وإما لخيار آخر.
وفي اعتقاد المصادر المواكبة للاتصالات التي وُضعت على نار حامية جداً، ان الايام المقبلة ستتسم بأهمية حاسمة في تقرير وجهة هذا التطور الاستثنائي الذي يعيشه لبنان، وسيكون من الصعوبة بمكان إطلاق التكهّنات المسبقة التي تسابق أرضاً ساخنة للتطورات تجعل من كل لحظة عرضة لمعطيات جديدة، علماً ان نقطة الإجماع الوحيدة التي تظلل مجمل المعطيات في الأسابيع والأيام القليلة الماضية، تتمثل في ان آخر أسابيع السنة الحالية سيشهد حسماً لهذه المحاولة، فإما أن يمرّ فرنجية رئيساً منتخباً خلالها، وإما العودة الى دوامة الأزمة، وربما بوقائع جديدة وتداعيات مختلفة.