كتبت دنيز عطاالله حداد في صحيفة “السفير”:
في كل يوم تتزايد المؤشرات الى اقتراب سليمان فرنجية من الوصول الى قصر بعبدا. أمس كان اتصال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اشارة خارجية، واعطى بيان مجلس المطارنة الموارنة اشارة داخلية. لكن اذا تم استثناء “بهجة” البطريرك بشارة الراعي، ومناصري زعيم “المردة” بالرئيس العتيد، كيف تنظر القوى السياسية المسيحية، وحتى الشعبية، الى تسوية انتخاب فرنجية لرئاسة الجمهورية؟
داخل “البيت المسيحي” مرارة بنكهات مختلفة. ففي أوساط “التيار الوطني الحر” عجز فعلي عن الاجابة على سؤال يعتبرونه بديهيا: لماذا سليمان فرنجية وليس ميشال عون؟ يوردون عشرات الاسباب التي تجعل عون الانسب والاحق في الرئاسة بدءا من مروحة تمثيله وانتهاء بتحالفاته وما بينها من قدرة على لعب الدور التوافقي المنشود. يعتبر هؤلاء انه بطريقة أو باخرى تمت خيانتهم. وينظر بعض “الطوباويين” في “التيار” الى “الود” المستجد بين بعض كبار “العونيين” وأوساط فرنجية، فيستغربون الاستعداد المبكر لدى بعضهم في نقل البندقية من كتف “التيار” الى كتف “المردة”. المرارة هنا لها طعم خسارة الحرب وليس معركة من معاركها.
أسدل الستار على حلم العماد عون بلقب الفخامة. كل صفقة لاحقة يمكن أن تراعي الدور والحجم والحصص في السلطة لن تكون على قدر التنازل الكبير. وعند التعمق في التفاصيل، ففرنجية، رئيسا للجمهورية، قادر برأيهم على منافسة “التيار” في عقر داره المسيحي. يلمسون ذلك عند بعض الاوساط الشعبية التي تدور في فلك “التيار”، إلا أنها غير ملتزمة حزبيا. هؤلاء “يهضمون” فكرة فرنجية رئيسا. فمعاييرهم بسيطة وضع اسسها عون شخصيا: مسيحي قوي، وربما اكثر مسيحية من عون نفسه، واكثر “قوة”.
المرارة نفسها، وان بنكهة مختلفة، تستشعرها “القوات اللبنانية”. فما بينها وبين “المردة” هو تاريخ طويل من الخلافات السياسية والمناطقية والشخصية. هما “خطان” لا يلتقيان. وجاء ترشيح فرنجية لا ليشكل صدمة متكررة من الحلفاء فحسب، انما من قدرة أعتى خصومهم على ان يحقق انجازا سياسيا بهذا الحجم. فـ “القوات” التي كانت اوساطها تقول إن “الامكانية الوحيدة لايصال سليمان فرنجية الى قصر بعبدا هي عبر انتصار حاسم لبشار الاسد في سوريا”، وجدت نفسها تتساءل عن الدوافع الخفية أو “القطبة المخفية” لحليفها سعد الحريري للتسويق لـ “صديق بشار” رئيسا للجمهورية. ففي قناعة “القوات” أن الاسد لن يبقى في السلطة وفق اية تسوية آتية. “فما الذي يدفع الحريري الى التبشير بفرنجية؟”. تقلّب كل الاحتمالات وتعيد تحليلها، لكنها لا تصل الى ما يقنعها بصوابية الخيار.
هو واقع “الكتائب اللبنانية” ايضا. لم يقنعها الطرح وان كانت اكثر طرف مسيحي مستعد للتحاور وقبول الحد الادنى من التطمينات. هنا للمرارة ايضا طعم خاص. فالرئيس امين الجميّل لم يقطع الامل من امكانية ان يكون رئيسا توافقيا. هو على مسافة من “14 آذار” تكاد توازي مسافته من “8 آذار”. يتحرك رئيس الحزب سامي الجميّل في محاولة تكبير الحجم والحصة. من السعودية الى بكركي يحاول ان يحجز مساحة اوسع لدور “الكتائب” وبالتالي حضورها ومشاركتها.
أما المستقلون المسيحيون فلكل من هؤلاء قراءته وحساباته، سواء كانوا في “8 آذار” او من “14 آذار”. في المحصّلة، لن يكون صعبا عليهم أن ينحازوا الى “الرئيس الجديد”. تجربة هؤلاء مع الاحزاب الكبرى غير مشجعة، سواء كان “التيار الوطني الحر” او “القوات اللبنانية”. الممارسة الاقصائية او الفرض او التهميش الذي يمارسه هذان الحزبان على المستقلين لن تجعل من الصعب على هؤلاء الانتقال الى فيء الرئيس الجديد و “تسليفه” موقفا ايجابيا من انتخابه، خصوصا متى كان “ما كتب قد كتب”، على أمل أن يرد الرئيس المعروف باحسن في عهده الآتي.
كل ما تقدم يعزز حالة الارباك والتخبط التي تعيشها الاحزاب المسيحية. فهي لا تريد سليمان فرنجية رئيسا، ولا تريد، في الوقت نفسه، ان يتم تحميلها وحدها مسؤولية تعطيل انتخاب رئيس. وفي الوقت الضائع.. كلام كثير.