ستشراف المستقبل من أكثر الاهتمامات التي تعني كلاً منا، مهما اختلفت ظروف حياته وأوضاعه. وانعدام التخطيط، لصالح عادات انفاقية واقتراض عشوائي غير موجه، يؤثر سلباً على الفرد والاقتصاد الوطني، ويزيد من حالة التخبط والفوضى على المستويين الفردي والوطني، ما يزيد من التعلق «الغيبي» في انتظار «الفرج». الميزانية الشخصية خريطة طريق ترسم في الحاضر للبناء للمستقبل. على عكس التنجيم، الميزانية لا تكشف المستور… لكنها تسمح بالتنبؤ بالمستقبل المالي بشكل أدق.
يعتقد الكثير من الناس أنهم يسيطرون على شؤونهم المالية وأنهم يتحكمون بنفقاتهم ومداخيلهم، وأن لهم القدرة على ضبطها وهندستها من خلال الذاكرة وأنهم بالتالي ليسوا في حاجة الى ورقة وقلم أو لوسيلة تدوين وحفظ الكترونية ترسم خططهم المالية. الذاكرة، احدى الركائز الأساسية لدماغ الانسان، ولها مقدرات هائلة.
لكن بعض المعطيات قد تفيد لتبيان ضرورة عدم الاتكال على الذاكرة كثيراً تجنباً للوقوع في المحظور. إذا أردنا مقارنة ذاكرة الانسان بأقرب مخلوق له، فإن الإنسان يملك قدرة أقل على التذكر من الشمبانزي. على سبيل المثال، وفي تجارب صممها علماء يابانيون، استطاع عدد من حيوانات الشمبانزي الصغيرة التغلب على طلاب جامعات في اختبارات للذاكرة الفوتوغرافية بفارق كبير.
أما إذا أردنا الغوص أكثر في العالم الذي نعيش فيه والغارق في التكنولوجيا، فقد أثبت باحثون من جامعة بيرمينغهام البريطانية أنَّ الاعتماد الزائد على أجهزة الكومبيوتر ومحركات البحث يُضعف ذاكرة الإنسان. ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال 45% من البالغين تمكنوا من تذكُّر أرقام هواتف منازلهم التي حفظوها منذ أيام الطفولة، واستطاع 29% تذكر أرقام هواتف أبنائهم، وتذكر 43% أرقام هواتف عملهم. هذا لأمور بديهية فكيف لشؤون مالية دقيقة قد تكون في أغلب الاحيان بعيدة المدى؟
اللبنانيون وثقافة «اللاتخطيط»
يبين المسح الوطني الاول من نوعه الذي أجراه «معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي»، بالتعاون مع البنك الدولي، عام 2012، أن 40% من اللبنانيين لا يخططون ادارة اموالهم لأكثر من اسبوع. 50% من المستطلعين يدركون حجم الأموال التي انفقوها قبل اسبوع، 71% لم يتخذوا أي تدابير احتياطية لتغطية مصاريفهم المستقبلية، 17% لا يخططون لمستقبل اولادهم، 32% دون سن الـ 60 لا يخططون للشيخوخة. 58% من الأسر ذات الدخل المحدود لا تتمكن من تأمين حاجاتها الاساسية حتى نهاية الشهر و37% يجدون صعوبة في تأمين معيشتهم حتى نهاية الشهر.
لماذا الموازنة؟
الموازنة مخطط توجيهي للمستقبل، تساعدك على تحقيق اهدافك المالية القريبة المدى كتسديد دين أو دفع الاقساط المدرسية، أو البعيدة المدى كالادّخار لشراء منزل أو التقاعد. الموازنة ركيزة استمرار ونهضة وتطور الدول والشركات والأفراد. من دون موازنة، الأموال تكون «تائهة»، غير منضبطة، لا تحدد كيفية اكتسابها ولا كيفية انفاقها ولا تواريخ دخولها وخروجها. غياب الموازنة يعرض الفرد اضافة الى الدول والشركات الى الهدر والتفريط بالأموال. يمكن استخدام الموازنة على اساس شهري، سنوي أو نوعي على اساس المشروع المنوي إنجازه. ونظرا لمخاطر الذاكرة وخوفاً من اضاعة الورق، يفضل استخدام جدول البيانات Excel أو تطبيق متخصص عبر الجوال بما يساعد في حفظ البيانات.
للاختصار، الموازنة تسهل اتخاذ القرارات المتعلقة بالإنفاق والادخار، وتشجع الضبط في الانفاق، وتساهم في نشر ثقافة الادخار، وبحكم مساعدتها في التحكم بالأموال فإنها تجعل المستقبل أقل عرضة للوقوع في المطبات المالية غير المتوقعة.
الموازنة تحصّنك مالياً… فلا تتردد في التخطيط.