كتبت رولا حداد
يعيش اللبنانيون عموماً، والمسيحيون خصوصاً، أزمة عميقة عنوانها العريض انتخابات رئاسة الجمهورية. هذه الانتخابات معلقة منذ 25 أيار 2014، تاريخ احتلال الفراغ الرئاسي قصر بعبدا، لكنّ أزمتها الفعلية بدأت منذ 23 أيلول 1988 منذ مواجهة محاولة تسوية “مورفي- الأسد” بعنوان “مخايل الضاهر أو الوضى” التي أدّت الى الفراغ الذي أوصل عمليا الى إقرار اتفاق الطائف.
فالانتخابات الرئاسية بعد الطائف كانت دائماً على قاعدة تكريس ليس التدخل الخارجي في انتخاب الرئيس، وهو ما يحصل في لبنان منذ انتخاب الرئيس بشارة الخوري، بل على قاعدة تكريس فرض الرئيس من الخارج.
هكذا تولّى نظام الوصاية السوري اغتيال الرئيس الشهيد رينه معوّض الذي لم يرضخ لمشيئته، وأتى بالرئيس الراحل الياس الهراوي في العام 1989. وتمّ التمديد للهراوي في العام 1995 بقرار علني- إعلامي من الرئيس السوري الراحل بشار الأسد بأن يرفع النواب اللبنانيون أيديهم للتمديد… وهكذا فعلوا.
ولم يختلف قرار انتخاب الرئيس إميل لحود عن سابقه. هكذا اختار وقرّر حافظ الأسد، وهكذا رضخ النواب اللبنانيون. في التمديد للحود حصلت معارضة نوعية ولأول مرة أنتجت “لائحة الشرف” النيابية المؤلفة من 29 نائباً وكرّستها جريدة “النهار” يومذاك. لا ننسى أن هذا التمديد للحود كلّف الرئيس رفيق الحريري حياته في 14 شباط 2005، رغم أنه عاد وصوّت لمصلحته، لكنه دفع ثمن معارضته وصولا الى اتهامه بأنه وقف خلف صدور القرار الدولي 1559.
قرار انتخاب الرئيس ميشال سليمان صدر في الدوحة في أيار 2008، لكنه أتى أيضا نتيجة توافق إقليمي وموافقة دولية من دون أي رأي لبناني.
اليوم ثمة محاولة لتكرار السيناريو، لكنّ المشكلة لا تكمن في ذلك. من يقول إن ثمة قراراً عربياً- دولياً لفرض انتخاب النائب سليمان فرنجية رئيساً هو محق تماماً باعتراف أوساط فرنجية نفسها. لكنّ السؤال يبقى: هل يكفي رفض فرض القرار الخارجي على اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً؟ ماذا فعل المسيحيون بالدرجة الأولى للدفع في اتجاه انتخاب الرئيس؟ في موازاة ترشيح قطبي 8 و14 آذار العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع للرئاسة، وفي موازاة إعلان جعجع استعداده للانسحاب لمصلحة مرشح توافقي ماذا حصل؟ لا شيء على الإطلاق. حتى في قلب الحوار القواتي- العوني تحت عنوان ورقة “إعلان النوايا” لم يتم التطرّق للموضوع الرئاسي. حتى في اجتماعات بكركي تحت شعار “القيادات المارونية الأربعة” لم يتفقوا على رئيس، ولم يتناقشوا للبحث في الأوفر حظاً، بل انتظروا لتحدث معجزة في الخارج فينتصر فريق على فريق!
أخفق المسيحيون تماماً بعدم سعيهم الدؤوب للتوصل الى أسماء للرئاسة. بقي المسيحيون يراهنون على التطورات الخارجية كلٌّ لمصلحته. وحين برز الضغط الخارجي في اتجاه محدّد تكتّل الآخرون رفضاً له.
ليس النقاش هنا في أحقية رفض فرض الخارج رئيساً للجمهورية. حتى الكنيسة المارونية “المتخاذلة” الى حدّ كبير رفضت على لسان مطارنتها مبدأ الفرض. الأساس دائماً يكمن في طرح البدائل، وهنا لبّ المشكلة.
من البديهي جداً الاعتراف بأن الرئيس سعد الحريري أخطأ خطأً جسيماً بمحاولة فرض انتخاب سليمان فرنجية على المسيحيين، من دون نقاش مسبق في مبادرته. وهذا الخطأ- الخطيئة شكّل ورقة نعي عملية لـ14 آذار التي أصبحت من الماضي. لكنّ مواجهة “تسوية الحريري” لا تكون بالرفض فقط ومن دون طرح بدائل عملية، بل أيضاً بمبادرة فعلية مشتركة بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” و”الكتائب اللبنانية” تطرح الأسماء القادرة على تأمين جسر تواصل بين الأطراف الداخلية لتأمين النصاب لانتخاب الرئيس الجديد. من دون هذه المبادرة سيكون موقع رئاسة الجمهورية في خطر جدي… لا بل إن الجمهورية كلها ستكون في خطر.
لذلك فإن المطلوب اليوم أن يكون المسيحيون في مواجهة تحدي انتخابات رئاسة الجمهورية في موقع الفعل وليس في موقع ردّ الفعل. فكل خوفنا أن يتكرّر اليوم سيناريو الـ1988، لا لناحية القدرة على التعطيل فقط لأنها لا تزال قائمة حتماً، بل لناحية غياب الطرح البديل والقدرة على تسويقه، ما يمكن أن يكرّر لا سمح الله سيناريو الإطاحة بالدستور القائم لناحية القضم مجددا من صلاحيات المسيحيين وموقعهم ودورهم!