زايوان كان يلعب بالقرب من متجر القرية عندما اختفى. عثر جده وجدته اللذان أصابهما القلق، على آثار أقدام الطفل الصغير في الطريق بجانب معبد محلي. وبعدها لم يجدا أي شيء.
فتش القرويون في كل البرك وتفحصوا الآبار، ومشّطوا المنازل المهجورة وحقول قصب السكر. بعد بضع ساعات، اتصلوا بوالد الصبي ليعود للبيت من عمله في مصنع في مدينة مجاورة. وهو بدوره اتصل بالشرطة.
كان هذا في كانون الثاني (يناير). بعد مضي عام تقريبا، لم تكن هناك أية أدلة. في كل صباح وقبل أن تبدأ فترة عمله في المصنع، يبحث تشين شينجكوان، والد الطفل زايوان، في دور الحضانة والحدائق في تشانجيانع، وهي مدينة صغيرة جنوبي الصين. وكان يدقق في الأطفال المارين في الشارع وهو يجلس على جانب الطريق.
يقول تشين، البالغ من العمر 28 عاما، الذي أصابه الشلل في ساقيه أثناء طفولته: “لا يمكن أن أستريح إلا إذا فتشت عنه بنفسي. في كل يوم في العمل، أفكر دائما به. وفي الليل، أنام في سريري وأنا أفكر به: كيف يمكن أن يكون قد اختفى من القرية؟”.
توصلت عائلة زايوان إلى النتيجة الحزينة المتمثلة في أن ابنهم هو أحد آلاف الأطفال الذين يتم الاتجار بهم في الصين. وهذه التجارة تراوح من النوع غير الرسمي- الأطفال الرضع الذين تتخلى عنهم عائلاتهم الريفية الأكثر فقرا- إلى عصابات إجرامية تختطف الأطفال وتبيعهم. وتتعامل الشرطة مع اختفاء الطفل زايوان على أنه عملية اختطاف.
في الصين، الأطفال الرضع والأطفال الصغار، بخاصة الأولاد مثل زايوان، مطلوبون للتبني. كما يمكن تربية البنات عرائس للمستقبل. ويمكن أن يتم خداع المراهقات للعمل في البغاء، أو العمل دون أجر في صناعات منخفضة الهامشية الربحية، مثل صناعة الطوب.
بالنسبة للنداء الموسمي لهذا العام، تعمل “فاينانشيال تايمز” في شراكة مع منظمة “إيقاف الاتجار”، وهي منظمة تعمل على رفع مستوى الوعي بتجارة الرقيق المذكورة في العصر الحديث، التي تقول الأمم المتحدة إن ضحاياها وجدوا في 124 بلدا. هناك حالات كثيرة تتجاوز التقسيمات التقليدية، ولا سيما أن هناك أشخاصا معرضون للخطف يعبرون الحدود للهرب من الصراعات أو للبحث عن عمل. العمل القسري – الشكل الرئيسي للاتجار بالأشخاص في وسط وشرقي آسيا – يمثل 40 في المائة من جميع الحالات، ويولد وفقا لمنظمة العمل الدولية، 150 مليار دولار سنويا أرباحا خاصة. في الصين كما في أماكن أخرى، يجد المراهقون الذين يتم جذبهم من خلال إعطائهم وعودا بالعمل، أنفسهم من دون تعويض وغير قادرين على الهرب.
تقول بريجيت أندرسون، مديرة البحوث في مركز الهجرة والسياسة والمجتمع التابع لجامعة أكسفورد: “هناك كثير من الحالات حيث لا يكون الاتجار بالبشر بالضرورة هو المصطلح المناسب للحالة – أو حيث يمكن ألا يكون هو المصطلح الأكثر دقة. لكن اختطاف الأطفال في الصين واضح تماما ولا لبس فيها”.
عامل التمدن
مثل كثير من أطفال العمال المهاجرين، عاش الطفل زايوان البالغ من العمر 20 شهرا مع جده وجدته في قرية يعيش فيها عشرات فقط من السكان الكبار في السن، في بيوت منهارة مصنوعة من الحجارة وسط ممرات مليئة بالأعشاب. وكان تشين يزورهم بقدر ما يستطيع. وتبين صور العائلة مدى بهجته واعتزازه بابنه الذي يشبهه، برموشه الطويلة وملامح الوجه.
التطور الاقتصادي السريع في البلد كان يدفعه تدفق الشباب الصغار في السن، مثل تشين، إلى المدن النامية. وهذا يتيح فرصة للخاطفين لالتقاط فرائسهم من الأطفال الصغار، مثل زايوان الذي يلعب دون إشراف في قرية شبه مهجورة، أو في الأحياء الفقيرة في المدينة.
في الوقت الذي انضم فيه تشين لعمليات البحث عن ابنه، ربما كان زايوان قد ضاع وانتهى أمره. يأخذ المختطفون عادة الطفل النائم والمخدر ويعطونه إلى نساء شابات يركبن حافلة تقطع مسافات طويلة. ومن ثم يتم تسليمه مرة أخرى في محطة قطار، ليتم نقله ربما إلى أي مكان عبر شبكة السكك الحديدية في الصين، التي يبلغ طولها 120 ألف كيلو متر.
يقول بي ييجون، وهو اختصاصي في علم الجريمة في جامعة الصين للعلوم السياسية والقانون “اختطاف الأطفال له علاقة بالأعداد المتزايدة من الناس الذين يتركون بلداتهم طلبا للعمل. عندما يكون هناك مزيد من العمال المهاجرين، يكون هناك عدد كبير من الأطفال المتروكين بلا إشراف”.
وكشفت قضايا قانونية أخيرة ضد المتاجرين بالبشر في مقاطعة تشين، جوانجدونغ، أن ثمن الطفل المختطف يراوح من عشرة آلاف رنمينبي (1500 دولار) إلى 100 ألف رنمينبي. وتكون تكلفة جلب الأولاد في المتوسط ضعف تكلفة جلب البنات. ومعظمهم يبقى داخل الصين، لكن بعضهم ينتهي به الحال في عمليات التبني على الصعيد الدولي – الانضمام لملايين الأشخاص الذين يتم نقلهم عبر الحدود قسرا فيما يعتبر تجارة عالمية متنامية.
مشكلة الاتجار بالأطفال في الصين ليست منفصلة عن سياستها المتعلقة بالسيطرة على عدد السكان. إذ يمارس الخاطفون نشاطهم في المناطق التي يكون فيها إنفاذ القانون متراخيا – مثل المناطق الريفية في الجنوب الغربي – ويبيعون في المناطق التي يعمل فيها التطبيق الصارم لسياسة الطفل الواحد على وجود نقص في الورثة والعرائس. وفي بعض المقاطعات يكون شراء طفل أرخص من دفع غرامة في حال وجود طفل ثان أو ثالث. إن العقم المتزايد في المدن يخلق المزيد من الطلب.
ولسنوات أوجد العقاب القاسي في حال انتهاك سياسة الطفل الواحد عرضا وفيرا لأطفال رضع أصحاء. ويتم تبني الأولاد بسرعة في الصين، وعلى مدى العقدين الماضيين، تم تبني نحو 120 ألف طفل، وفي الغالب يتم تبني البنات خارج الصين. تقول ماي فونج، مؤلفة قصة “طفل واحد: قصة تجربة الصين الأهم”: “وضعت سياسة الطفل الواحد ثمنا للأطفال الأصحاء، الأطفال الذكور بشكل أساسي، من خلال إيجاد نقص. وهذا يتجلى في طريقتين: عبر سوق التبني الدولية (…) وفي القضايا المحلية للأطفال المفقودين”.
لكن بحلول منتصف العقد الأول من القرن الحالي تم تخفيف سياسة الطفل الواحد، وأصبح في إمكان المزيد من الأزواج دفع الغرامات، وكانت السيطرة على ولادة الأطفال أكثر موثوقية. فقد تراجعت معدلات المواليد وفجأة كان هناك عدد أقل من الأطفال الرضع. وبلغت عمليات التبني على الصعيد الدولي خارج الصين ذروتها في عام 2005. وفي عام 2007 أدخلت بكين قيودا بخصوص الأهلية بالنسبة لعمليات التبني الخارجية، ما يشير إلى تقلص عدد الأطفال الرضع الأصحاء المتوافرين.
صورة قاتمة
في ذلك العام افتتح زوجان من شرقي الصين متجرا لبيع الملابس في هويتشو، وهي بلدة مزدحمة بالمصانع في الجنوب. أرسلوا ابنتهما البالغة من العمر 11 عاما وابنهما البالغ من العمر خمسة أعوام لشراء حليب من متجر الحي. توقفت الفتاة لتلعب مع صديقة لها. وعندما نظرت حولها كان شقيقها شياوسونج قد اختفى.
تقول أمه، تشيونج شايفنج: “قضينا الليل بطوله ونحن مستيقظون نصنع ملصقات ونلصقها في جميع أنحاء الحي”. إلا أنها اجتذبت المحتالين فقط. في غضون عشرة أيام، كانت تشيونج وزوجها، تشياو شوهوا، قد دفعوا ما يقارب 40 ألف رنمينبي لمتصلين ادعوا بأنهم يعرفون مكان الصبي.
تقول الأم: “عندما يقول شخص ما إن ابني عنده، يقفز قلبي. لا يكون تفكيرك صحيحا”.
ويضيف تشياو “خلال فترة قصيرة جدا أدركنا أن هناك كثيرا من هذه الحالات”. ولعدم قدرته على الحصول على مساعدة من الشرطة في جوانجدونغ، غطى حافلة بصور للأطفال المفقودين وقادها إلى بكين لتقديم التماس للحكومة من أجل التحرك وعمل أي شيء ضد هذه التجارة.
لاقى ارتياحا بسيطا هناك، لكنه وجد عالم اجتماع يدعى يو جيانرونج، حول الاختطاف إلى قضية وطنية عن طريق نشر صور الأطفال المفقودين على مدونته الخاصة.
في السنوات التي أعقبت اختفاء تشياسونج، تسببت قصص الاتجار بالبشر في صدمة للصين. وتمكن أب يبحث عن ابنه المفقود من تحرير مئات المراهقين المستعبدين في أفران معامل الطوب. واكتشفت أم أن ابنتها البالغة من العمر 11 عاما قد تم بيعها لممارسة البغاء وكانت تعمل في ماخور تديره الشرطة. وكان الأطباء يخدعون الآباء والأمهات للتخلي عن مواليدهم الجدد، واستولى موظفو مؤسسات تنظيم الأسرة على أطفال غير مسجلين، واشترت بعض دور الأيتام أطفالا رضعا لاستخدامهم في الخارج.
وشكَل الآباء والأمهات، أمثال تشياو، شبكة من المتطوعين الذين يبحثون في البلد عن الأطفال المخطوفين. تقول تشيونج: “في المدن التي كنا فيها، هناك كثير من الدعاية حول هذا الموضوع. لكن في الريف لا يزالون لا يعرفون كيفية الاحتراس منه”.
وتضرب قضية الأطفال المفقودين على وتر الوطنية. فقد عملت عقودا من الاضطرابات والهجرة وسياسة الطفل الواحد على تصدُّع كثير من العائلات الصينية. ويحمل الموقع الإلكترونيBaobeihuijia.com أو “عودة الطفل للبيت”، 15 ألف اسم وينسق العمل فيما بين 20 ألف متطوع. وتشمل المنشورات آباء يبحثون عن أطفالهم أجبروا على التخلي عن ذلك منذ فترة طويلة، ومنظمات تبني تأمل في العثور على الأهل الأصليين للأطفال، وحتى الكبار المفقودين. إنها نسيج من الحزن والأمل.
وفي مواجهة الغضب العام، راجعت الصين قانونها الجنائي الشهر الماضي لمعاقبة الأشخاص الذين يبيعون الأطفال. وتم خلال السنوات القليلة الماضية فقط إنفاذ قوانين سابقة تنهى عن التخلي الأطفال، أو سرقتهم، أو بيعهم، عندما تم تخفيف سياسة الطفل الواحد وأصبحت قضايا الاختطاف أكثر بروزا.
يأمل النشطاء أن يقلل التخفيف الأخير لسياسة الطفل الواحد في الصين من الاختطاف، لكنهم يخشون أيضا أن يقلل من عدد الأطفال الرضع المتوافرين للتبني، وبالتالي إيجاد حافز أقوى للسرقة.
الغضب العام
في عام 2009 – في الوقت الذي أصبحت فيه المخاوف من الاختطاف هاجسا عاما – أوجدت الشرطة فرقة عمل وطنية لمكافحة الاتجار بالبشر وقاعدة بيانات خاصة بالحمض النووي لمطابقة الآباء والأمهات مع الأطفال المفقودين. ويركز فريق العمل على استرداد الأطفال الرضع، أو الأطفال الصغار الذين تعرضوا للاختطاف من قبل العصابات. يقول باي “يتعرض رجال الشرطة للضغط من أجل الأداء الجيد فيما يتعلق بقضايا الاختطاف، لذا لا مفر من أنهم يرغبون في رؤية عدد أكبر من الأطفال الذين تم إنقاذهم. مع ذلك عندما يحاول الناس تقييم موقف الاختطاف، يترددون في التحدث عن هذا الأمر”.
وارتفع كل من عدد حالات الاتجار المبلغ عنها وعدد الأطفال الذين تم إنقاذهم بشكل كبير جدا منذ عام 2009. في الوقت الذي يتلقى فيه موقع “عودة الطفل للبيت” نحو ألف نداء للمساعدة سنويا- ربما يعتبر رقما تقريبيا لا بأس به لعدد عمليات الاختطاف- ارتفعت الإحصائيات الرسمية للاتجار بالنساء والأطفال من 6513 حالة في عام 2009 إلى 20735 في عام 2013. تقول تقارير وسائل الإعلام إن 13 ألف امرأة أو طفل قد تم إنقاذهم في عام 2014، و24 ألفا في عام 2013. لكن الشرطة رفضت طلبات إجراء مقابلات.
يقول مناهضو الاتجار بالأطفال إن تجريم عملية شراء الأطفال ستوقف عمليات الاختطاف، لكن القانون الجديد منقسم بشكل مثير للدهشة، لأن بيع أو شراء الأطفال من خلال وسطاء غير رسميين يعتبر تقليدا عريقا في الريف، فقط يتم اختطاف أقلية من الأطفال الذين يتم الاتجار بهم.
وحللت صحيفة “ميتروبوليس ديلي” الجنوبية، وهي صحيفة مقاطعة جوانجدونغ، 380 قضية اتجار بالبشر نظرت فيها محاكم المقاطعات على مدى العامين الماضيين. ونحو ثلثي الأطفال كان قد تم بيعهم من قبل آبائهم الأصليين أو أحد أقاربهم، بسبب الفقر، لتجنب دفع غرامات، أو لأن الوالدين كانا غير متزوجين.
وتمت إعادة بعض الأطفال المختطفين إلى والديهم الأصليين بعد اعتقال المتاجرين. أما الأطفال الآخرون المباعون- من غير المختطفين- فقد تم إبعادهم عن العائلات التي كانوا يعيشون معها وإيداعهم في بيوت للأيتام.
وتسخر تشيونج من فكرة أن الوالدين بالتبني قد لا يدركان أنهما اشتريا طفلا مسروقا، خاصة إن كان طفلا كبيرا مثل شتياوسونج. “ربما يعتقد آباء التبني أنه طفل إضافي تم شراؤه بالوساطة. لكن لا أحد يمكن أن يبيع صبيا”.
قد يكون عمر تشياوسونج 14 عاما الآن. وقد لا يبدو أشبه بذلك الولد واسع العينين في الصورة الملصقة على حافلة والده، مرتديا سترة حاكتها أمه. يقول تشياو: “أريد فقط أن أرى لمحة منه لأعرف أحواله”.
ويواجه تشين انتظارا مؤلما مماثلا. عندما كان مراهقا انضم لقوافل المهاجرين الخارجين من قرى الصين. وقد وجد عملا في تشانجيانغ في مصنع يوظف العمال المعوقين. ووجد أيضا الحب مع هوارونج. ولد ابنهما الثاني في تشرين الأول (أكتوبر).
لكن بعد أن صرف 30 ألف رنمينبي أثناء بحثه عن زايوان، يبدي تشين قلقه من أن قدوم ابنه الثاني قد يتسبب في عجزه عن استمرار البحث عن الأول. “أنا سعيد، لكنني أيضا حزين. واحد من أطفالي في البيت والآخر مفقود. أحيانا لا أعرف ماذا أفعل”.
خلال فترة الأحد عشر شهرا التي غاب فيها، ربما يكون قد كبر، وربما لم يعد يفهم لهجة أجداده (ليتشو)، أو يتذكر اسمه. احتمال أن يراه تشين خارج مدرسة هو احتمال ضئيل، لكن البديل هو التخلي عن الموضوع تماما.
يقول: “أعتقد أنني سأعثر عليه، لو أنني فقط أواصل البحث. أرجو أن يتذكرني، ويتذكر أني والده”.