Site icon IMLebanon

هل يتحرر فرنجية من ثقل العلاقة التاريخية مع عائلة الأسد؟

كتب خيرالله خيرالله في صحيفة “الراي” الكويتية:

عندما ترشّح سليمان فرنجية الجدّ للرئاسة في العام 1970، كان ذلك من بيت صائب سلام في المصيطبة. وتولّى الأخير رئاسة الوزراء بعد انتصار الأول في معركة رئاسة الجمهورية، بفارق صوت واحد على منافسه إلياس سركيس. ولم يدم “شهر العسل” بين الرجلين اللذين كانت تربطهما صداقة عميقة سوى سنتين ونصف سنة، فاستقال سلام في إبريل 1973.

في العام 2015، صار سليمان فرنجية الحفيد، مرشّحاً جدّياً للرئاسة بعد لقاء مع سعد الحريري في باريس.

المفارقة انّ ترشّح الحفيد تمهيداً لوصوله الى الرئاسة اللبنانية لا يمكن فصله عن خروج بشّار الأسد من الرئاسة السورية. في حين انّ وصول الجدّ ارتبط الى حدّ ما بوصول حافظ الأسد الى موقع الحاكم بأمره في سورية، بعد الانقلاب الذي نفّذه في أكتوبر 1970، وبعد اقل من شهرين على بدْء سليمان الجدّ ممارسة مهامه من القصر الرئاسي في بعبدا، خلفاً للرئيس شارل حلو.

مع كلّ ما يشهده لبنان من تطوّرات، لم يعد السؤال هل وصول سليمان فرنجية ممكن، خصوصاً انّه يحظى بدعم قوي دولي واقليمي وعربي وداخلي، السؤال أي سليمان فرنجية سنراه في حال انتقاله الى قصر بعبدا؟

هل سنرى شخصاً آخر تحرّر للمرة الأولى من الوصاية التي فرضتها عائلة الأسد على عائلته منذ العام 1973 تحديداً؟

معروف ان العلاقة بين العائلتين قديمة، اذ تعود الى خمسينات القرن الماضي.حينها، لجأ فرنجية الجدّ الى المنطقة العلوية في سورية، بعد مجزرة كنيسة مزيارة، وهي بلدة في منطقة زغرتا، معقل آل فرنجية. أقام هناك بعض الوقت قبل عودته الى لبنان، إثر صدور عفو رئاسي، تلا انتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً، خلفاً للرئيس كميل شمعون.

صحيح ان سليمان الجد انتُخب رئيساً للجمهورية مع إعداد حافظ الأسد لانقلابه، لكن الصحيح ايضا انّ نقطة التحوّل في العلاقة بين العائلتين والرجلين جاءت في ربيع العام 1973 وصيفه. إنّه تطوّر لعلاقة بين رئيس منتخب للجمهورية اللبنانية، كان عندها يمتلك صلاحيات واسعة، ولكن في اطار ما نصّ عليه الدستور اللبناني، وبين رئيس لسورية وصل بانقلاب عسكري، لا شرعية له من ايّ نوع.

في مايو 1973، اتخذ سليمان الجدّ قراراً بالدخول في مواجهة مع المسلّحين الفلسطينيين في لبنان، بعد تحويل هؤلاء المخيمات الى مناطق لا سلطة للدولة اللبنانية عليها، ودخولهم مرحلة السعي الى توسيع نفوذهم الى خارج المخيّمات. ردّ عليه حافظ الأسد، الذي كان يُغرق لبنان بالسلاح وبالمقاتلين الفلسطينيين، منذ كان وزيراً للدفاع في العام 1966، بإغلاق الحدود السورية مع لبنان. لم يكن فرنجية يتوقّع من حافظ مثل هذا التصرّف. ولم يُعِد الأسد الأب فتح الحدود إلّا بعدما افهم رئيس الجمهورية اللبنانية انّ العلاقة بين الرئيس السوري والرئيس اللبناني ليست علاقة متكافئة، بأي مقياس، لا على الصعيد السياسي ولا على الصعيد الأمني.

لا وجود لتوازن في علاقة بين رئيس دولة صغيرة يمارس صلاحياته بموجب الدستور وديكتاتور حاكم بأمره، يظنّ ان له دوراً اقليمياً، يمارس صلاحياته من خلال الأجهزة الأمنيّة، اي آلة القتل التي في تصرّفه. كانت تلك بداية الوصاية السورية على لبنان، التي تكرّست مع دخول الجيش السوري، بغطاء عربي، اواخر العام 1976، ثمّ مع سيطرة الجيش السوري على قصر بعبدا ومقر وزارة الدفاع في اليرزة في اكتوبر 1990، بفضل بطولات ميشال عون وعنترياته، ولعبه دور الأداة السورية، من حيث يدري او لا يدري.

ثمّة محطة مهمّة لا يمكن تجاهلها بين 1973 و 1990، هي محطة اغتيال افراد عائلة طوني فرنجية، والد سليمان فرنجية الحفيد في بلدة إهدن القريبة من زغرتا. كان سليمان الناجي الوحيد من تلك المجزرة التي ارتكبها الجناح العسكري في “حزب الكتائب” الذي اصبح في ما بعد “القوات اللبنانية” بزعامة بشير الجميّل.

بعد مجزرة إهدن، التي اوجدت شرخاً مسيحياً ـ مسيحياً يصعب ردمه، زاد اعتماد آل فرنجية على النظام السوري. صار هذا الاعتماد كلّيا، على الرغم من انه في لبنان مَن لا يبرّئ النظام السوري منها، خصوصاً ان كلّ المنطقة المحيطة بإهدن وكل الطرقات المؤدية اليها كانت في حماية القوات السورية والأجهزة الأمنيّة وتحت سيطرتها!

ذهب فرنجية الحفيد بعيداً في التبعية للنظام السوري، من منطلق ان العلاقة مع آل الأسد ذات طابع عائلي. لم تكن لديه خيارات كثيرة، خصوصاً بعدما عودة بشّار الأسد من لندن ليحلّ مكان اخيه باسل الذي قتل في حادث سيّارة في العام 1994.

منذ ما قبل خلافة بشّار لوالده، استوعب سليمان الحفيد مدى كره الرئيس المقبل لسورية، لرفيق الحريري وحقده عليه. هذا ما جعله ينضمّ الى جوقة المزايدين، وذلك كي يكون له مكان خاص في الحلقة الصغيرة المحيطة بالأسد الابن.

كان الحريري يتفهّم هذا الوضع، على الرغم من الكلام البذيء الذي استهدفه إرضاء لبشّار الأسد. وهذا ما دفعه الى الإبقاء على قناة اتصال مع فرنجية على وجه الخصوص.

كان يفهم ايضاً ان كلّ الكلام الصادر عن فرنجية في ما يخصّ “الممانعة” و”المقاومة” كلام فارغ. لم يكن من هدف لديه سوى طمأنة “حزب الله” حليف الأسد في لبنان، قبل ان يصبح وريثه في الوصاية على البلد، وقبل ذلك وريث السلاح الفلسطيني و”المربّعات الأمنية” التي فشل سليمان الجدّ في التخلّص منها بسبب عدم معرفته العميقة بطبيعة التوازنات الإقليمية، وما يضمره حافظ الأسد لسورية ولبنان والمنطقة عموماً. كان الجدّ رجلاً بسيطاً مقارنة مع ضابط مثل حافظ الأسد، مرّ بتجارب كثيرة ويمتلك ما يكفي من الخبث والدهاء للانتصار على كل رفاقه البعثيين وزملائه العسكريين وللمتاجرة بالبعث العراقي واستخدامه في ما يخدم مآربه.

أيّ سليمان فرنجية في قصر بعبدا؟ هل نشهد ولادة سليمان جديد، متحرّر من ثقل العلاقة التاريخية بين عائلتي الأسد وفرنجية وعبئها، وهي علاقة فرضتها ظروف معيّنة في مرحلة محدّدة؟

الأمر الوحيد الأكيد انّه تبقى لسليمان فرنجية حسنة قطعه الطريق على وصول عون، الشخص غير المتزن، الى قصر بعبدا. الأهمّ من ذلك، انّه قد يقطع الطريق على استمرار الفراغ الرئاسي الذي يستخدم “حزب الله” عون لتكريسه، في وقت لا خيار آخر امام لبنان سوى تحصين جبهته الداخلية من جهة، والنأي بالنفس قدر الإمكان عن الحرب الإقليمية الدائرة في سورية من جهة أخرى.