Site icon IMLebanon

صناعة إعادة التدوير: معاملنا تستورد النفايات

PlasticRecyclingFactory-Beskanta
إيفا الشوفي

في حديث سابق إلى «الأخبار»، أكد رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل أن «قطاع التدوير في لبنان الذي يعود تأسيسه الى عام 1929 يعتبر قطاعاً متطوراً، فهناك معامل لإعادة تدوير الحديد والتنك والبلاستيك والورق والكرتون والزجاج … وكلها مصانع متطورة، بحيث يصدّر عدد منها منتجاته الى الدول الاسكندينافية. أما معامل الكرتون والورق، فـ 30% من منتجاتها هي من المواد المعاد تدويرها.

لذلك، فإن الصناعات التدويرية بحاجة ماسة إلى هذه المخلفات، وخصوصاً أن هذا النوع من الصناعات رائد في لبنان، ويعمل اليوم بتقنيات عالية ويؤمن فرص عمل لآلاف الشباب اللبناني».
نحو نصف النفايات المنتجة في لبنان هي نفايات صلبة يمكن إعادة تدويرها، وبالتالي تحويل «أزمة» النفايات إلى فرصة لخلق فرص عمل عبر بناء معامل جديدة لإعادة التدوير وتطوير هذه الصناعة. فعام 2013، بلغت كمية النفايات التي ينتجها لبنان نحو مليوني طن، وفق تقرير الوكالة الألمانية للتعاون الفني الدولي. 52.2% من هذه النفايات هي مواد عضوية، أمّا الباقي فيتوزع بين 16% ورق وكرتون، 11.5% بلاستيك، 5.5% معادن، 3.5% زجاج و11% مواد أخرى. أضاف تقرير الوكالة إنّ 48% من النفايات يتم طمرها، فيما يتم تدوير 8% فقط، ويتم تسبيخ 15% وتحويلها الى سماد، ويُرمى 28% في مكبات عشوائية. ترفع «سوكلين» ضمن نطاق عملها في بيروت وجبل لبنان مليون طن سنوياً، أي نصف نفايات البلد، وتقوم بطمر 80% منها. وتنص العقود بين «سوكلين» ومجلس الإنماء والإعمار على إلزامية فرز نحو 40% من النفايات، على أن تطمر 38% فقط. لكن في تقرير للوزير جبران باسيل، تحت عنوان «متابعة موضوع طلب معلومات واستيضاحات حول العقود القائمة مع مجموعة Averda وغيرها وإجراء مناقصة جديدة»، كشف أن «سوكلين» تفرز الكمية المطلوبة منها، إلا أنها تعيد طمرها لفشلها في تسويق المواد القابلة لإعادة التدوير، وهذا ينطوي على هدر فاضح، ما يعني أن «سوكلين» تتقاضى كلفة فرز النفايات ثم كلفة الطمر! فسوكلين بات معروفاً أنها تفضّل الطمر، إذ إنها تتقاضى 45 دولاراً على طمر كل طن من النفايات، أي أنه يدرّ أرباحاً أكثر للشركة بمجهود أقل.
تُجمع المعامل، بنسب متفاوتة، على توجّه الناس نحو اعتماد الفرز، ففيما تلمس معامل إعادة الفرز والجمعيات البيئية تحسناً في عملها نتيجة ازدياد الفرز في البيوت والبلديات، تعاني معامل إعادة التدوير والتصنيع من هبوط كبير في عملها جراء تراجع سوكلين عن تزويدها بالمواد الأولية بسبب أزمة النفايات، معتبرةً أنّ عمليات الفرز الحاصلة اليوم لا تعوّض نقص سوكلين. نتيجة لذلك، يتجه بعض هذه المعامل نحو بدء استيراد نفايات صلبة من الخارج لتغطية النقص! إلّا أن عمليات الفرز لم تصل الى بيروت والضاحية، أي المنطقة الأكثر إنتاجاً للنفايات (مليون طن سنوياً من بيروت وجبل لبنان)، ما يعني أن «الحاجة إلى سوكلين» مجرد «وهم» تساهم في ترسيخه بلديات بيروت والضاحية التي لا يبدو أنها تتجه إلى معالجة مشكلة نفاياتها عبر بدء استراتيجية جدية للفرز، وبالتالي تأمين مواد أولية لهذه المعامل.
تتحدث جوزيان يزبك من جمعية terre liban عن اتصالات كثيرة ترد إلى الجمعية من مؤسسات ومنازل بهدف تسليمهم مواد ورقية وكرتون. تقوم الجمعية بجمع المواد الورقية وإعطائها لمعامل إعادة التدوير، تقول يزبك إن «هناك حماسة كبيرة لدى الناس لفرز النفايات، كما لاحظنا تحسناً في نسبة الفرز في المنازل، إضافة الى جدية بعض البلديات في التعامل مع الأمر».
كذلك يعلن حسين ضاهر، صاحب معمل لإعادة الفرز في بيروت، أن نسبة الفرز ازدادت 20% فقط منذ بداية الأزمة، وهو أمر جيد لكنه غير كافٍ. يشرح ضاهر أنّ المعمل لا يقوم بعمليات إعادة التدوير، بل فقط جمع النفايات وتكديسها وإعادة فرزها ليتم بيعها لمعامل إعادة التدوير، ما يعني أن ازدياد العمل في المعمل ناتج من تراكم النفايات وتراجع سوكلين عن جمع النفايات كما السابق. أمّا جمعية l›ecoute التي تقوم بجمع الكرتون والبلاستيك والنايلون والنفايات الإلكترونية، فتتحدث عن ازدياد عملها بمعدل الضعف بحيث لم يعد هناك إمكانية لاستيعاب جميع الاتصالات التي ترد إليها.
مالك أحد معامل إعادة تدوير المعادن (رفض ذكر اسمه) استفاد أيضاً من أزمة النفايات، إذ لمس زيادة في العمل ونسبة ملحوظة جداً في الفرز، وذلك قد ينطبق على كل معامل إعادة تدوير المعادن. يشرح الصناعي أنّ سوكلين لا تطمر لتربح فقط، إنما تصدّر جميع المعادن الى الخارج. يُخبر عما «يفوق 15 إلى 20 ألف طن من الخردة المعدنية التي تباع سنوياً من لبنان بملايين الدولارات عبر سوكلين وآخرين يملكون النفوذ». تقسم النفايات المعدنية إلى فئتين: حديدية، وهي المواد المبني أساسها على الحديد، وغير حديدية هي مواد مبني أساسها على الألمنيوم، النحاس والزنك … يقول إن «شركة سوكلين وآخرين حققوا أرباحاً هائلة جراء بيع المعادن. فخردة النحاس الأحمر، أي النحاس الصافي، تباع بـ 7000 دولار للطن. يزن كل متر مكعب من النحاس 7 طن و200 كيلوغرام، ما يعني أن كل متر مكعب يباع بـ 49 ألف دولار».

ويقول حيدر الحسيني، مالك معمل «بازا بلاست» الذي يقوم بفرز وإعادة تدوير البلاستيك، إن هناك بضاعة كثيرة في السوق اليوم جراء أزمة النفايات، إذ إن البضاعة تقسّمت ولم تعد محصورة بسوكلين فقط، علماً بأن سوكلين تملك معدات كافية لكل السوق كما لديها مركز لمعالجة البلاستيك. ولكن مع توقفها عن العمل، أصبحت البضاعة متوفرة للمعامل بشكل أكبر. يتحدث الحسيني أنّ إحدى المناطق في جبيل، على سبيل المثال، طلبت منه أخذ البلاستيك مجاناً نظراً إلى الكميات الهائلة التي تراكمت لديها.
تشكو بعض المعامل من أن وارداتها من المواد الأولية انخفضت منذ أن توقفت سوكلين عن العمل، إلا أنّ الحاجة الفعلية ليست لهذه الشركة، بل لتوسيع نطاق عمليات الفرز بحيث تشمل البلديات الكبرى، ما سيؤدي إلى زيادة المواد الأولية التي تحتاج إليها هذه المعامل لأن البلديات لا يمكنها أن تطمر ولا حل أمامها سوى بيع ما تفرزه للمعامل.
يرى المهندس سامي هيدموس من شركة «سوليفير» التي تقوم بإعادة تدوير الزجاج، أنه «لم يكن للفرز أثر كبير في الواقع، فقد اتصل بنا العديد من البلديات لمعرفة كيفية طرق الفرز وزودناها بكل المعلومات، لكن حتى اليوم لم يصلنا أي مواد من البلديات». يلفت هيدموس الى أنه «لاحظ من خلال الموردين الذين يزودون المصنع بكسر الزجاج أن هناك طفرة حصلت خلال شهري تموز وآب، إذ سُجّلت كميات كبيرة من الزجاج قد تكون ناتجة على الأرجح من كثرة الاستهلاك خلال الصيف، أمّا في شهري تشرين الأول والثاني فقد انخفضت هذه الكميات بشكل كبير».
تعدّ سوكلين من الموردين الأساسيين للزجاج للمعمل، وفق هيدموس، إلا أن الكميات التي كانت تزوّد المعمل بها انخفضت الى النصف منذ عام 2006، لتنخفض أكثر مع بداية أزمة النفايات منذ 5 أشهر. فالمعمل يحتاج إلى نحو 25 ألف طن من الزجاج المكسر سنوياً، بحيث تؤمن السوق اللبنانية 6 آلاف طن، إضافة إلى 6 آلاف طن من المعمل ليبقى 13 ألف طن تُستخدم فيها نسبة مئوية وسطية من الزجاج المكسر تعادل 20%. يعلن هيدموس أن «سوكلين كانت ترسل الى المعامل كل ما كانت تفرزه، لكن جميع معامل الزجاج تستورد من الخارج لتغطي النقص. أمّا أسعار الزجاج، فتختلف حسب النوعية لكنها تتراوح إجمالاً بين 45 دولاراً لطن الزجاج الوسخ و55 دولاراً لطن الزجاج النظيف».
من جهته، يعلن كريم حداد من شركة «سيكومو» التي تقوم بإعادة تدوير الورق والكرتون، أنّ «المخزون الذي كان متوفراً لدى الشركة انخفض من 4 أشهر الى أقل من شهرين بسبب توقف سوكلين، أما البلديات والجمعيات فلم تتمكن حتى اليوم من تقديم الكميات نفسها التي كانت توفرها سوكلين لأنها غير مجهزة بالآليات اللازمة»، ليستطرد أنّ «هذا لا يعني أنه لا يوجد تحسّن في الفرز، بل على العكس هناك توجه للفرز لدى العديد من البلديات والناس وهناك تجاوب».
المشكلة التي تواجهها الشركة اليوم هي ارتفاع كلفة إعادة التدوير نظراً إلى ارتفاع كلفة المواد الأولية، وتحديداً النقل. فآليات سوكلين مجهزة بمكبس، ما يعني أنها تتسع لثلاثة أضعاف الكمية التي يمكن أن تقلها آليات البلديات. نقص المواد الناتج من توقف عمل سوكلين تعوّضه الشركة عبر جمع النفايات من البلديات، إلا أن هذه الكميات لا تكفي. يقول حداد إنّ «سوكلين كانت تُعطي معامل الورق والكرتون في لبنان 7 آلاف طن شهرياً، أما اليوم فقد انخفضت الكمية الى 3 آلاف طن ونيف في الشهر. كذلك كانت سوكلين تبيعنا طن الورق بـ 32$ لترتفع الكلفة مع بداية الأزمة وتوقف سوكلين عن الجمع والفرز الى 100$ للطن، أي بزيادة 70$ خلال أشهر قليلة». المفارقة الكبرى وسط انتشار النفايات في البلد هي أن الشركة ستبدأ الأسبوع المقبل باستيراد الكرتون والورق من قبرص بتكلفة تبلغ تقريباً 100 يورو لتعويض النقص، علماً بأن النفايات الورقية المنتجة في لبنان كافية لتأمين احتياجات المعامل، لكن حالياً ليس هناك من يجمعها!
تخيّلوا. معامل إعادة التدوير تنوي استيراد النفايات من الخارج كي تحافظ على إنتاجها، في حين أن الحكومة تنوي تصدير النفايات من لبنان تمهيداً لإقامة محارق أو مواقع للطمر. منطق الصفقة يتحكم بسياسات الدولة، أما الصناعة والبيئة والصحة وحقوق الناس فليس لها محل على الأجندة.