Site icon IMLebanon

اللعبة قاربت نهايتها… “خيرها بغيرها يا بيك”!

 

كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”: في اعتقاد بعض المطلعين أنّ اللعبة قاربت نهايتها. سيُقال للنائب سليمان فرنجية: «خيرها بغيرها يا بيك»، كما قيل للعماد ميشال عون في الدوحة: «خيرها بغيرها يا جنرال». ولكن، في الدوحة، «الحلف الرباعي الإسلامي» هو الذي أسقط عون. أما اليوم، فالسعودية وإيران ربما تعملان سرّاً لخربطة التسوية، ولكن الذي سيتولّى تظهير إسقاط فرنجية هو «الحلف الثلاثي المسيحي».في «لقاء الأربعاء» النيابي، في دارة الرئيس نبيه بري، سُمِع أحد النواب الحزبيين المسيحيين يهمس لزميله مرشح النائب وليد جنبلاط (سابقاً؟) هنري حلو: «بعدما وصلت الأمور إلى ترشيح فرنجية، الأفضل أن نعود إليك. فما رأيك»؟ فأجابه حلو مبتسماً: C›est trop tard, mon ami، أيْ تأخرتم كثيراً يا صديقي.

ربما يكون هذا «العرض» مجرد مزحة أطلقها النائب الحزبي في ذروة احتقان حزبه من ترشيح الاستاذ فرنجية. لكنه أيضاً ربما يعبِّر عن اقتناعه بأنّ أيّ مرشح توافقي، ولو كان يطرحه جنبلاط أو سواه، يبقى أسهل من وصول فرنجية إلى بعبدا ومكوثه فيها 6 سنوات بأيامها ولياليها. وهذا الموقف ينسف النظرية القائلة بحصرية الأربعة في موقع الرئاسة.

فهناك اقتناع حقيقي بدأ ينضج في أوساط حزبية مسيحية بأنْ لا مجال لوصول أيٍّ من الأقطاب إلى الحكم لأنه سيصطدم دائماً بـ»فيتو» من طرف آخر، والأفضل هو المرشح التوافقي، شرط ألّا يتمّ إسقاطه على المسيحيين بالمظلّة، أيْ أن يشاركوا بفاعلية في وصوله.

في أيّ حال، هذه الفكرة اقتنع بها الدكتور سمير جعجع قبل سواه. لكنّ العماد ميشال عون بقي يراهن على أنّ استمراره في الترشح سيفرض على الجميع أن يرضخوا يوماً لانتخابه، بوصفه المسيحي الأكثر تمثيلاً شعبياً. فالفراغ في رأيه أفضل من الرضوخ للأمر الواقع.

وبقي الرئيس أمين الجميل مقتنعاً بأنه أقرب إلى بعبدا من جعجع لأنه في «14 آذار»، لكنه يحظى بقبول أكبر في «8 آذار». وفي المقابل، كان فرنجية مقتنعاً بأنه أقرب إلى بعبدا من عون لأنه في «8 آذار»، لكنه يحظى بقبول أكبر في «14 آذار».

ومن هنا، الكتائب عاتبة على الرئيس سعد الحريري لأنه «خرج من جعجع لتسويق فرنجية. وكان الأحرى به أن يمرّ أولاً بحليفه الجميّل، وأن يجعله جزءاً من التسوية، بدلاً من تسويق الخصم الأشد شراسة، والحليف الحميم للرئيس بشار الأسد»، حسب الكتائب. لكنّ ردّ الحريري جاهز: فرنجية هو «كلمة السرّ» الإقليمية. وليس في مقدورنا إلّا أن نوافق. فاعذرونا!

إذا كانت تسمية فرنجية قراراً سعودياً حاسماً، فإنّ للرجل حظوظاً بالوصول إلى بعبدا. ولكن، يجدر التذكير بأنّ إيران لم توضح موقفها بعد. وهذا الموقف يترجمه «حزب الله». وأما الكلام على مقايضة تأتي بفرنجية في لبنان مقابلَ المجيء بسنّي معتدل في سوريا فهو لا يرضي السعودية ولا إيران.

فصحيحٌ أنّ السعودية مهتمة باليمن وبأمنها أكثر من اهتمامها بالعراق وسوريا ولبنان، لكنها لم تصل إلى حدّ التخلّي عن حلفائها في هذه الدول. وهي أساساً تعرف أنها إذا خسرت هؤلاء الحلفاء فستكون مجرَّدة من أوراق القوة، وستعرِّض نفسها للاستهداف الإيراني السهل في أيّ لحظة.

ولذلك، لا يمكن للسعودية أن تبيع في لبنان قبل أن تضمن أنها ستشتري في سوريا. أيْ إنها لن تدفع الثمن في لبنان، بكسر التوازن لمصلحة محور إيران- الأسد، فيما الرئيس السوري يتلقى الدعم الفرنسي والأميركي علناً، وفيما بات مصيره مضموناً في مستقبل سوريا.

ولأنّ التسوية في سوريا معلّقة على المجهول، ماذا سيربح السعوديون إذا جرى انتخاب فرنجية اليوم، واختلّ التوازن في لبنان، فيما بقي الوضع في سوريا على حاله من التصارع لشهور أو سنوات أخرى، وبقي الأسد في السلطة؟

وفي المقابل، لماذا تغامر إيران بإطلاق وعدٍ أمام القوى الإقليمية والدولية بالتخلّي عن الأسد مقابل تدعيم نفوذها في لبنان، فيما هي اليوم تمسك بالقرار اللبناني عبر «حزب الله»، بوجود رئيس للجمهورية أو في غيابه؟ فلا بأس لإيران إذا وصل حليف لها إلى بعبدا بلا أثمان. وأما إذا كان الثمن هو الوعد بالتخلّي عن الأسد، فهي ليست مضطرة إلى ذلك.

ولأنّ التسوية على فرنجية لا يمكن أن تولد إلّا إذا فرضها السعوديون والإيرانيون معاً على وكلائهم في لبنان، فإنها تبقى موضع شكّ حقيقي.

ولكن، من الخطأ تجاهل فريق ثالث، قد يجري اعتباره ضعيفاً ويمكن تجاوزه، هو الفريق المسيحي في عملية التسوية. فالمسيحيون يستطيعون بالتأكيد إسقاط التسوية الآتية من الخارج، ولو نسجتها الرياض وطهران.

فما من أحد يستطيع تجاوز القرار المسيحي الجامع… إذا وُلِد هذا الإجماع، كما لا يستطيع أحدٌ تجاوزَ القرار السنّي أو الشيعي الخاص بالسنّة أو بالشيعة. فالبلد قائم على «الفيتوات» الطوائفية. واليوم، هناك حدثٌ نادرٌ قيد الولادة في البيئة المسيحية، هو الإجماع على رفض فرنجية.

المصيبة جمعت الذين لا يجتمعون: عون، جعجع، الكتائب والمستقلّون. وأما بكركي فهي مع انتخاب رئيس في المطلق. وثمّة جدل ساخن دار بين الأساقفة في مجلس المطارنة أخيراً، بين مؤيّد ومعارض لتسمية فرنجية، ما أدّى إلى صدور بيان لا يحدِّد موقفاً.

وإذا استمرّ موقف الأقطاب المسيحيين، ونجا من الخروقات التي تحدث غالباً، فبالتأكيد لن يمرّ انتخاب فرنجية. فلا أحدَ قادرٌ على تحدّي الإرادة المسيحية إلى هذا الحدّ. ولكن، لا يكفي إجماع القادة المسيحيين على السلبية. وسيطالبهم الجميع بقرار إيجابي، أيْ بالانتقال إلى تسمية البديل من فرنجية.

إذا حصل إجماعٌ مسيحي على ترشيح عون، فهو عندئذٍ يستطيع أن يهزم فرنجية. لكنّ هذا الأمر يبقى مستحيلاً من الناحية الواقعية، لأنه يتحقق بشرط واحد هو إعلان جعجع تبنّيه هذا الترشيح. إنّ أملَ عون في الحصول على دعم جعجع، ولو بهدف إفشال فرنجية، ليس أكبر من أمل فرنجية في الحصول على دعم جعجع.

ففي خيمة الأقطاب الموارنة «رأس ثوم» يضمّ أربعة أجزاء لا يمكن جمعها. وفيها يتحالف أيّ ثلاثة ضدّ الرابع، ظالماً كان أم مظلوماً. ولأنّ أحداً لن يتنازل للآخر، فلا حلّ إلّا بالتوافق على شخصيّة تسوَوية من خارج الأربعة.

يمكن لعون وجعجع والكتائب وبكركي والنخبة المسيحية أن يحبطوا معاً عملية فرض فرنجية، ضمن تسوية تريدها قوى إقليمية وداخلية، بناءً على مصالحها. ويستطيعون القيام بذلك لمجرد إجماعهم على مرشح يتمتع برصيد أخلاقي وفكري وسياسي، ولا يكون محسوباً على حزبية ضيقة.

وهذا المرشح يعلنه القادة المسيحيون من بكركي رسمياً، إستباقاً لأيّ ترشيحات تصدر عن الحريري أو سواه، ويطلقون دعوة إلى الجميع للتوجّه إلى المجلس النيابي وانتخابه رئيساً للجمهورية في أوّل جلسة مقبلة. وهذا ممكن حصوله اليوم، إستباقاً لموعد 16 كانون الأوّل.

إنّ مبادرة مسيحية من هذا النوع، كما يجزم العارفون، ستُسقط عملية الفرض، وستلقى تشجيع القوى الدولية والفاتيكان، ولن يجد أيُّ طرف شيعي أو سنّي أو درزي ذريعة لعرقلتها، لأنّ الجميع سيكون مكشوفاً.

وفي هذه الحال، سيكون الرئيس الماروني قوياً جداً، لأنه مدعوم بالمسيحيين جميعاً لا بفئة منهم، ويحظى بتغطية الطوائف الأخرى كافة. ولن يكون لهذا الرئيس أعداء يتربّصون به وبعهده، وسيقيم علاقة جيدة مع رئيسَي المجلس النيابي والحكومة وأقطاب السياسة.

ولكن، هل يتجرّأ القادة المسيحيون ويصمدون، معلنين «استقلالهم» السياسي، أو بلوغهم سنّ الرشد، أم سيضيّعون الفرصة مجدَّداً، وهذه المرة في الاستحقاق الأشدّ خطورة؟

كثيرون خائفون. ومن حقّهم أن يخافوا. فالتجارب السابقة كلها تدعوهم إلى الخوف