كتب شارل جبور في صحيفة “الجمهورية”:
يتوقّف انتخاب النائب سليمان فرنجية أو عدمه على عاملين: ثبات «حزب الله» على موقفه الداعم للعماد ميشال عون، وثبات «التيار الحر» و«القوات» و«الكتائب» على موقفهم الرافض انتخابَ فرنجية.لن يتمكّن النائب فرنجية من دخول قصر بعبدا إذا استمرّ التقاطع بين الأحزاب الأربعة المنوَّه عنها، للأسباب الآتية:
أوّلاً، لأنّها قادرة على تعطيل النصاب، وأيّ جلسة يَدخلها فرنجية مرشّحاً ولا يتوفر فيها النصاب يَعني انتهاء مفعول ترشيحه.
ثانياً، لأنّها تُفقد رئيس «المردة» الغطاءَ المسيحي، فيما البطريرك بشارة الراعي سيجد نفسَه على الحياد تجَنُّباً للاصطدام بأيّ مِن الفريقين، بل يبدو أقربَ إلى مزاج الشارع المسيحي.
ثالثاً، لأنها تُحرج الرئيس نبيه بري الذي سيجد نفسَه ضد «حزب الله» في حال دعم فرنجية، خصوصاً أنّ لعبة توزيع الأدوار في قضية بهذه الأهمّية لا تقطع على أحد، فضلاً عن أنّ تحفّظات الحزب وملاحظاته جوهرية لا شكلية.
ومن هنا كلّ الحراك الدولي والفولكلوري للقوى الداعمة لفرنجية لن يحقّق هدفَه ما لم ينجح بفرط التقاطع الحزبي الرباعي من قبيل انتقال «حزب الله» أو أحد الأحزاب المسيحية الثلاثة إلى الموقف المؤيّد لانتخاب رئيس «المردة»، وبالتالي هل قطعُ هذا التقاطع ممكن؟
لا شيء يوحي حتى الساعة بأنّه ممكن، إلّا في ثلاث حالات: في حال تبيّن أنّ الاتفاق على فرنجية هو اتّفاق سعودي-إيراني، وعدم قدرة الحزب أو رغبته في مواجهة هذا الاتفاق. ولكن لا يبدو أنّه كذلك، حيث تشير كلّ المعلومات إلى أنّه لا يتعدّى التسويق الشخصي الذي تمّ إلباسه الغطاء الإقليمي-الدولي تحت عنوان «الانتخابات الآن وإلّا الفوضى»، من أجل استجلاب دعم دوليّ لهذه المبادرة الشخصية.
والحالة الثانية تتمثّل في تراجُع عون عن ترشيحه نزولاً عند طلب الحزب، ولكنّه لا يبدو أنّه في هذا الوارد، خصوصاً أنّه لا يخوض معركة شدّ حبال حول حصّة حكومية، إنّما يخوض آخر معاركه الشخصية الرئاسية.
والحالة الثالثة تتمثّل في تراجُع «الكتائب» و«القوات» لاعتبارات مختلفة عن موقفهما المتصلّب برفض انتخاب فرنجية من دون سلّة ضمانات سياسية.
ولكنْ ماذا لو قرّر «حزب الله» لاعتبار إيراني أو ذاتي انتخابَ فرنجية، لأنّه لا يجب إغفال أنّ رئيس «المردة» يمثِّل مصلحة الحزب الاستراتيجية، وقرّر العماد عون التمسّكَ بترشيحه وبتقاطعه مع «القوات» و«الكتائب»؟
ففي هذه الحال سيفقد «الحلف الثلاثي المسيحي الجديد» ورقتين: ورقة النصاب من دون الحزب، وورقة البعد الوطني للمواجهة، فيما سيَحتفظ بورقة الغطاء المسيحي الذي سيُفقِد جلسة الانتخاب ميثاقيتها، إلّا في حال قرّر رئيس المجلس عقدَها بمن حضَر من النواب المسيحيين المستقلّين أو المنضوين في الكتَل الإسلامية، ولكنّ قدرة الحلف الجديد على التأثير تتوقف على مدى قراره التخلّي عن سياسة الصمت التي يتبَعها والذي وحده حزب «الكتائب» تفرّدَ مقارنةً مع «القوات» و«التيار الحر» باتّخاذ مواقف علنية تربط انتخاب أيّ شخصية بما تتعهّد به من ضمانات سياسية، فيما كان اكتفى جعجع بموقف يتيم ذكّرَ فيه بضرورة أن يكون منطلَق أيّ موقف مبادئ 14 آذار وثوابتها.
ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه: هل الكتل الإسلامية في وارد الدخول في مواجهة مع ثلاثة أحزاب مسيحية تمثيلية تعيد إلى ذهن المسيحيين إنتاجَ الوضع الذي كان سائداً إبّان الوصاية السورية؟ وما عواقب مواجهة من هذا النوع على الميثاق الوطني واتّفاق الطائف؟
وهل ثبات «حزب الله» على موقفه سيُنقِذ البلد من انقسام طائفي، على غرار إنقاذ الرئيس سعد الحريري البلد من هذا الانقسام عشية الجلسة التشريعية؟ وهل يدرك الحزب بأنّه المستفيد الأكبر من التمسّك بترشيح عون لثلاثة أسباب جوهرية: لأنه لن يخسر عون ولا فرنجية، وسيكسَب المناخ المسيحي العام، ويُفقِد الحريري أوراقاً مهمّة وطنياً وسنّياً ومسيحياً؟
ففي حال تخَلّى «حزب الله» عن عون وقرّر فعلاً «التيار الحر» التقاطع مع «القوات» و«الكتائب» على مواصلة المواجهة، لا يُفترَض التقليل من قدرة الحلف الجديد على التعبئة مسيحياً من زاوية أنّ التحالفات الوطنية أثبتَت بأنّها صورية، بدليل أنّ المسيحيين لم يستعيدوا عبرها السيادة ولا الشراكة، بل دُفِّعوا ثمنَ «الطائف» مرّتين: المرّة الأولى من خلال تخلّي شركائهم عنهم لمصلحة بقاء الجيش السوري، والمرّة الثانية بعد خروج هذا الجيش من خلال استمرار التوازنات نفسها التي كانت إبّان زمن الوصاية.
ولكنْ هل «الحلف الثلاثي الجديد» في وارد الذهاب إلى النهاية في مواجهته؟ لا مؤشّرات توحي بذلك لاعتبارات مختلفة تتّصل بحسابات كلّ حزب، ولكن في حال قرّر هذا الحلف المضيّ قدُما في المواجهة التي تشكّل مطلباً شعبياً مسيحياً لا بدّ أن يتمكّن في اللحظة الأكثر من مواتية دولياً والمتصلة بالبحث عن مستقبل سوريا والمنطقة من وضع لبنان على طاولة المفاوضات الدولية من أجل إعادة النظر بالنظام اللبناني بما يُعيد للمسيحيين وزنَهم ودورهم وتأثيرهم في آخر بقعة مسيحية في هذا الشرق؟
فالمواجهة اليوم ليست مع النائب فرنجية لجهة وصوله أو عدم وصوله إلى الرئاسة، إنّما هي مواجهة مبدئية-ميثاقية بعدما أثبتَت التجربة أنّ كلّ المحاولات لإعادة الاعتبار للبُعد الميثاقي باءت بالفشل، وعدم خوضها يَعني تحمُّل الحلف الثلاثي مسؤولية تفويتِه على المسيحيين فرصةَ إدخال لبنان في صلب أجندة المجتمع الدولي، سيّما أنّ كلّ الحيثيات اللازمة لذلك موجودة من البُعد العاطفي ربطاً بانقراض الوجود المسيحي المشرقي، إلى البعد السياسي بأنّ مصيرهم في آخر بقعة بات مهدّداً في حال لم يُصَر إلى إعادة النظر بالنظام اللبناني، وما بينهما الحِرص الفاتيكاني-الدولي على الوجود المسيحي، إنّما شرط أن يكون هذا الوجود حريصاً على نفسه.
فكلّ الأحداث منذ الخروج السوري من لبنان أوجدَت قناعةً لدى المسيحيين بأنّ التمسّك بوجودهم لا يتعدّى «الديكور» ضمن نظريات التعايش والاعتدال التي يحتاجها الفريق الآخر للترويج لنفسه في الغرب، وقد ساهمَ المسلمون عن قصدٍ أو غير قصد بترسيخ هذه القناعة.
وتأسيساً على ما تَقدّم، هل ستشكّل المبادرة الرئاسية الأخيرة، بمعزل عن مؤدّياتها، محطة تأسيسية للحِلف الثلاثي الجديد من أجل بلوَرةِ خيارات مسيحية وطنية استراتيجية تُعيد الاعتبار للدور والوزن المسيحيَين، أم أنّ زمن حمل المسيحيّين للمشاريع الكبرى ولّى، وأنّ سقوط المبادرة الرئاسية سيُعيد تبريد المناخ المسيحي؟