إذن، الأمر أصبح رسميا. الهند هي الوحيدة في مجموعة بريكس التي حققت أفضل النتائج. البرازيل التي تقلّصت بنسبة 4.5 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث، تبدو متجهة نحو أسوأ ركود منذ الثلاثينيات. واقتصاد روسيا الذي يعتمد على النفط يبقى في قبضة انكماش قاس. وجنوب إفريقيا تمكّنت بالكاد من تجنب الوقوع في ركود صريح. حتى الصين القوية، بعد أعوام من التحفيز والاعتماد المفرط على الصناعات الثقيلة المدمّرة لطبقة الأوزون، تنمو بأبطأ وتيرة لها منذ 25 عاما.
هذا يترك الهند وحدها بين دول مجموعة بريكس، المتفاخرة فيما مضى، التي تعطينا عرضا لائقا. البيانات الرسمية هذا الأسبوع تظهر أن اقتصادها توسع بنسبة 7.4 في المائة في الربع الثالث، صعودا من 7 في المائة في الأشهر الثلاثة السابقة. الأداء المدفوع باستثمارات رأس المال الثابت والإنتاج الصناعي كان مع ذلك أكثر إثارة للإعجاب، لأن الناتج من قطاع الزراعة الذي يوظف نحو نصف القوة العاملة في الهند، نما بصعوبة بنسبة بلغت 2.2 في المائة. في مواجهة ذلك هناك كثير من النمو الذي يمكن الحصول عليه ببساطة من خلال تحويل بعض العاملين في المزارع إلى قطاعات أكثر إنتاجية. باختصار، ثالث أكبر اقتصاد في العالم من حيث القوة الشرائية يمكن أن يدعي الآن بصورة مشروعة أنه المتفوّق في الأداء الأكثر إثارة للإعجاب في الاقتصاد العالمي.
في الواقع، هناك كثير ما يحدث بشكل سليم في الهند. حتى قبل تسلم ناريندرا مودي السلطة العام الماضي وسط وهج من التفاؤل، كانت أساسياتها الاقتصادية تتحسّن. أسعار النفط المنخفضة كانت نعمة بالنسبة لها، ساعدت على إصلاح وضع الحساب الجاري الذي وضع الهند في الماضي بين الدول الأكثر عرضة لتدفّقات رأس المال الخارجية، المدفوعة بقرارات الاحتياطي الفيدرالي. ونموها أقل اعتمادا على الصادرات من نمو كثير من الاقتصادات النامية، لأن 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مدفوع من الاستهلاك.
في شخص راجورام راجان، محافظ البنك المركزي الهندي، تملك الهند شخصية أقرب إلى بول فولكر، رئيس مجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي الأسبق، في تصميمه على السيطرة على التضخم، وهو ظاهرة تلحق الضرر بشكل خاص بمئات الملايين من الفقراء في الهند. التحسّن الثابت في ذلك الاتجاه يعني أن الهند الآن لديها المجال لتخفيض أسعار الفائدة التي انخفضت بالفعل 1.25 نقطة مئوية هذا العام.
ولا يمكن استبعاد “تأثير مودي”. فعلى الرغم من أن بعض بريق انتصار رئيس الوزراء في الانتخابات مسحته هزائم لاحقة – آخرها في ولاية بيهار – إلا أن الهند تملك حِسا بالهدف أكبر ما كانت لديها في الأعوام الباهتة الأخيرة لإدارة مانموهان سينج. فقد رفع مودي الإنفاق على البنية التحتية واتخذ خطوات ذات صدقية في التعامل مع إرث الفساد المستشري في مزادات الأصول الحكومية، من الفحم إلى طيف الاتصالات.
مع ذلك، سيكون من الخطأ اعتبار استمرار التفوق تحصيل حاصل. هذا ما فعلته بلدان مثل البرازيل وروسيا – وانظر أين هي الآن. الهند تعاني كثيرا من المشكلات التي تتشكّل تحت السطح، من الديون المعدومة في النظام المصرفي إلى تردد أصحاب المشاريع المقلق للاستثمار في اقتصادهم الذي يبدو ناجحا ـ معظم الزيادة في الاستثمار كانت تقودها الحكومة.
هناك على الأقل ثلاثة أسباب لعدم توقع الكثير من نجاح الهند. الأول هو وتيرة الإصلاح البطيئة. على الرغم من كل ما أظهره مودي من همة ونشاط، إلا أنه يجد من الصعب دفع جدول أعماله عبر العملية السياسية في ديلهي. بسبب مجلس الشيوخ العدائي، لم يتم إقرار أي شيء ذي أهمية تقريبا في الدورة البرلمانية الماضية. ويقول متفائلون أن رئيس الوزراء الماكر لا يزال يحصل على أفضل ما في النظام. قد نأمل أن يشعل المنافسة بين الولايات لتنفيذ، مثلا، إصلاح الأراضي الأكثر جاذبية أثناء تنافسها على الاستثمار. ويأمل كثيرون أن تؤدي دفعة واحدة أخرى إلى فرض ضريبة تم تأجيلها كثيرا على السلع والخدمات. ولم تتم حتى مناقشة إصلاح قوانين العمل المقيدة التي تعوق طموحات مودي لجعل الهند مركز تصنيع.
وليس من الواضح أيضا ما إذا كان بالإمكان أخذ أرقام الناتج المحلي الإجمالي بحسب ظاهرها. إعادة إنشاء مستوى جديد للقاعدة يعني أن الرقم البالغ 7.4 في المائة الذي تصدر العناوين الرئيسة، من شبه المؤكد أنه يعد مغريا. كذلك من الصعب على الأداء القوي الظاهري أن يكون متوافقا مع بيانات أخرى مثل أرباح المؤسسات الضعيفة، وتباطؤ مبيعات الدراجات النارية، ونمو القروض الضعيف.
أخيرا، حتى لو صدقنا الأرقام، فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي الرئيس ليس كل شيء. بالطبع، البلدان الفقيرة تحتاج إلى النمو بسرعة إذا كانت ستعالج الفقر. مع ذلك، ما لم تضع الأساسيات اللازمة للتنمية – ليس فقط من خلال الإصلاحات المناسبة، لكن أيضا من خلال الاستثمار في مجال الرعاية الصحية والتعليم – فإن هذا النمو يمكن أن يتلاشى بسرعة. الهند تتخلّف عن نظيراتها فيما يتعلق بتدابير الرعاية الصحية، ومحو الأمية، وسجلّها في تحسين وضع النساء. وليس في كل هذا ما يبشر بخير بالنسبة لبلد لا بد له، بفضل العدد الكبير من الشباب بين السكان، أن يوجد فرصة عمل بين كل خمس فرص عالمية تقريبا على مدى العقود المقبلة.
بالنسبة للوقت الحاضر، تعد الهند بلدا متميزا، لكن كما يتبين من تراجع حظوظ البلدان الأخرى في مجموعة بريكس، ليس هناك ضمان بالنجاح المستقبلي.