سيطرت التسوية الرئاسية المطروحة والقاضية بانتخاب رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجيّة رئيساً للجمهوريّة، على أجواء الإكليروس الماروني الذي يلعب دوراً بارزاً في الحياة الوطنية، حيث يبتعِد من الزواريب السياسية الضيقة ويتفهّم تطلّعات المسيحيين الذين يتخوّفون من عودة الممارسات السابقة التي استبعدتهم من القرار الوطني.يُلاقي راعي أبرشية جبيل للموارنة المطران ميشال عون مشاعر غالبية المسيحيين المتخوّفين من ضياع دورهم وكلمتهم في الاستحقاق الرئاسي، الذي يُعتبر الإستحقاق الأوّل للمسيحيين في لبنان والشرق.
وفي هذا السياق، يؤكّد المطران عون لصحيفة «الجمهورية» أنّ «المطلوب حالياً هو وحدة الصفّ والموقف الماروني والمسيحي، لأنه بالوحدة نستطيع فعل كلّ شيء ولا يمكن لأحد تجاوزنا، فنحن ما زلنا مؤثرين في اللعبة الداخلية إذا اتفقنا في ما بيننا، أمّا التناحر والفراق فيُضعفان موقفنا».
يدحَض عون كلّ المقولات عن أنّ الموارنة لا يمكنهم الاتفاق في ما بينهم، ويقول: «نعرف جيداً أنّ الصراع بين الزعامات المارونية تاريخي، منذ ما قبل ولادة لبنان الكبير، وما بعد الإستقلال وصولاً الى يومنا هذا، من هنا ندائي الى القيادات المارونية: إنسوا كلّ التجارب والمقولات والخلافات الماضية، صحيحٌ أنّ الحياة السياسية المارونية مطبوعة بالخلافات، لكنّ المرحلة الحاليّة مصيرية، والخطر يُهدّد المسيحيين ولبنان والمنطقة، لذلك عليكم الاتفاق وكسر القاعدة لأنّه باتفاقكم تُحلّ القضايا العالقة وعلى رأسها إنتخاب رئيس الجمهورية».
يشرَح عون موقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من التسوية الرئاسية المطروحة، ويشير الى أنّ «الراعي مع إنهاء الشغور الرئاسي بعدما طال أمده، وهناك مبادرة طُرحت وهو يدعو إلى التضامن والتحاور المسيحي لإنقاذ رئاسة الجمهورية ودعم أيّ رئيس للجمهوريّة قد يُنتخب».
في المقابل، يؤكد عون وجوب «أن يحظى الرئيس برضى المسيحيين ودعمهم أولاً، لذلك، لن تمرّ المبادرة المطروحة بانتخاب فرنجيّة إلّا بموافقة جميع القادة الموارنة ورضاهم، ولن تُفرض علينا فرضاً، ولا يستطيع أحدٌ تمريرها من دون موافقة الموارنة والمسيحيين».
من هنا يدعو عون الى «إتفاق القادة الموارنة لأنّ طرح المبادرة من دون موافقتهم، يَعني أنّ الترويكا السابقة التي كانت تحكم البلاد منذ العام 1990 والمؤلَّفة من المكوّن السنّي والدرزي والشيعي قد عادت لتحكم مجدّداً، وغاب بالتالي دور المسيحيين، وهذا أمرٌ لن يقبل به أحد».
وفي السياق، يؤكد عون أنّ «استبعاد المسيحيين من تسمية رئيس الجمهوريّة غير مسموح، وأيّ رئيس سيأتي من دون رضاهم سيكون ضعيفاً، وهذا ما قاله البطريرك ايضاً، وإذا كنا موحّدين لا يستطيع أحدٌ أخذَ دورنا».
ويشدّد على أنّ «المطارنة والاكليروس الماروني مع الشعب ويتفهّمون مخاوفه، ويجب على الأحزاب المسيحيّة أن تُعالج التململَ المسيحي بوحدة الموقف والكلمة».
ووسط المخاوف من أن يتحوّل هذا التململ إلى انتفاضة مسيحية إذا ما تمّ تجاوز الأحزاب المسيحية الثلاثة، أو الى تظاهرات شعبية، يوضح عون أنّ «السياسة هي فنّ الممكن، وما تستطيع الاحزاب تحصيله بالسياسة نحن معه، لكن عليهم أن يكونوا حاضرين وجاهزين لعدم تغييب دورهم، لأنّ مقولة إنّ التسوية طُبخت وعلينا البصم عليها ليست صحيحة، ففي فنّ السياسة يستطيعون التغيير».
وبالنسبة الى النقاشات التي شهدها إجتماع مجلس المطارنة الموارنة الأخير، يشدّد عون على أنّ «البيان الذي صدر كان واضحاً، وهو يدعو الى إنتخاب الرئيس برضى الجميع ومن ضمنهم المسيحيين لا أن يأتي فرضاً عليهم، من هنا أهميّة أن يفتح أيُّ ماروني يطمح بالوصول الى الرئاسة، حواراً مع جميع المكوّنات المسيحيّة».
أما بالنسبة إلى قانون الانتخاب والتخوّف من العودة الى قانون الستين في ظلّ التسوية الرئاسية، فيُشير عون الى أنّ «الرئيس لا يُنتج قانون الإنتخاب وحده، بل إنه يحتاج الى موافقة الكتل السياسيّة، لذلك أدعو الأحزاب المسيحيّة الى اليقظة لكي لا يتمّ إنتاج قانون إنتخاب لا يراعي الشراكة ومطالب المسيحيين».
وفي النهاية، نداءٌ من مطران جبيل الى المسيحيين، يطالبهم فيه بالصبر والإيمان بدورهم وبلبنان «الذي لن نتركه، وقد خُلقنا ونموت فيه فهو أرض القديسين، وإذا كانت أزمة الرئاسة قد طالت، فهذا لا يعني أن نفقد صبرنا أو نتململ، لأنّ إيماننا بهذا الوطن كبير جدّاً».