كتبت هديل فرفور في “الأخبار”:
يُقدّر عدد أسرّة العناية الفائقة في لبنان بـ1500 سرير فقط، وفق نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان، التي أعلنت، أمس، عجزها عن رفع العدد الى “المستوى المطلوب” في ظل الامكانيات المادية الحالية، لافتةً الى ازدياد الضغط الحاصل على الطاقة الاستيعابية للمستشفيات بفعل النزوح السوري. في ظل ذلك، تتزايد حالات الموت على أبواب المستشفيات، ولا سيما في عكار حيث درجة الحرمان الأعلى في لبنان
وعقدت نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان، أمس الاثنين، مؤتمراً صحافياً دافعت خلاله عن مستشفى “اليوسف” في عكّار، الذي أحال وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور ملفه الى النيابة العامة الاستئنافية الخميس الفائت، على خلفية وفاة المواطن أحمد عبد المجيد “بسبب رفض إدارة المستشفى استقباله”، وفق ما تبيّن في تحقيقات الوزارة.
وقدّمت النقابة رواية مغايرة لتحقيقات وزارة الصحة التي استندت الى “شهادات الصليب الاحمر وأهل المتوفى”، وفق ما قال أبو فاعور، ووزعت النقابة تسجيلات صوتية لمكالمات هاتفية جرت بين المسؤول في طوارئ مستشفى اليوسف والصليب الأحمر، إضافة الى شريط مصوّر، للتأكيد على أن المستشفى سبق أن أبلغ الصليب الأحمر بعدم وجود أماكن شاغرة في العناية الفائقة وطلب من الصليب الاحمر أن يوصل المريض الى مستشفى عكار الحكومي لإجراء بعض الاسعافات الاولية له.
وفيما ترتكز إدانة الوزير أبو فاعور لإدارة المستشفى على رفض الأخير استقبال عبد المجيد بحجة عدم وجود أسرّة والامتناع عن إدخاله الى قسم الطوارئ، في حين أن حالته الحرجة “لا تحتاج الى سرير بل الى قسم الطوارئ”، يؤكد المستشفى، وبالتالي النقابة، أن الطبيب المناوب عاين المريض داخل سيارة الاسعاف وطلب من أهل المتوفى إنزاله ليتم إسعافه داخل الطوارئ، “إلا أن الاهل رفضوا وربطوا إنزاله بتوافر الاماكن داخل قسم العناية”.
بمعزل عن “السجال” الحاصل بين النقابة والوزارة، ليست المرّة الأولى التي يموت فيها مريض على باب مستشفى بحجة عدم توافر سرير في العناية الفائقة، وقد سبق أن توفي طفلان خلال شهر آذار الفائت على باب المستشفى نفسه، فهل من الممكن أن يكون قسم العناية الفائقة مشغولاً بالكامل دائماً؟ وهل يصح استخدامها كذريعة لتبرير حالات ترك المرضى يموتون؟
يجيب رئيس النقابة سليمان هارون عن السؤال بالقول: “إن مستشفى اليوسف مشهود له بخدماته، وفي ظل النقص الحاصل في المرافق الصحية، من المستغرب أن يكون هناك مكان شاغر في العناية الفائقة”، لافتاً الى أن “أسرّة أقسام العناية الفائقة في لبنان تقدر بنحو 1500 سرير، وهو عدد غير كاف لتغطية الطلب الحاصل”، ومشيراً الى ضعف الامكانيات المادية كحاجز يحول دون زيادة العدد “الى المستوى المطلوب”. ويلفت هارون الى “أن اللاجئين السوريين في عكّار زادوا الضغط على الطاقة الاستيعابية للمستشفيات هناك”.
هارون: من السذاجة القول إن الأعباء المادية لا تؤثر في أداء المستشفيات
يقيم في عكّار قبل اللجوء السوري نحو 250 ألفاً، في الوقت الذي تشير فيه وزارة الصحة الى وجود 4 مسشفيات فقط، واحد حكومي وثلاثة مستشفيات خاصة، فيما يبلغ عدد المرافق الصحية الاخرى من مستوصفات ومراكز صحية 56. وتشير إحصائيات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين الى وجود 99 ألفاً و200 نازح سوري مسجّلين في منطقة عكّار، الامر الذي يجعل من التنافس على الخدمات الصحية جزءاً أساسياً من الصراع الحاصل مع المجتمع المحلي، في منطقة تعاني بالاصل الحرمان، كمنطقة عكّار، وخصوصاً في معادلات “الربح” التي تبغيها المستشفيات، وفي ظل شكاويها “المعتادة” من تلكّؤ الجهات الضامنة في تسديد مستحقاتها (سواء وزارة الصحة أو الضمان الاجتماعي). المستشفيات الخاصة تقوم بـ”المفاضلة” بين المرضى، الامر الذي يشي بـ”حجز” أسرّة لمصلحة مرضى/ “زبائن” يشكلون ربحاً “مضموناً” للمستشفى.
على سبيل المثال، تدفع مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين شهرياً 3 ملايين دولار لتأمين الرعاية الصحية في المستشفيات. تقول مسؤولة في قسم الاعلام في المفوضية، ليزا ابو خالد، إن المفوضية تتعاقد مع 55 مستشفى في لبنان، 8 منها في منطقة الشمال وتغطي 75% من تكلفة الرعاية الصحية في الحالات العادية، وتصل الى 100% في الحالات الحرجة، أمّا عن طريقة الدفع، فتتم “فور تسليم الفواتير”. في المقابل، تشكو المستشفيات من التأخير في تسديد الفواتير المستحقة على وزارة الصحةّ والجهات الضامنة الاخرى، ما يعني أنها تفضّل المريض الذي يدفع مباشرة أو الذي تدفع عنه جهة ما الفاتورة بسرعة أكبر. لذلك يشير هارون الى “أن الأزمة المالية التي تواجهها المستشفيات بسبب تلكّؤ الجهات الضامنة في تسديد مستحقاتها والنقص في الطواقم التمريضية والاختصاصيين في طب الطوارئ يجب أن تؤخذ بالحسبان بدلاً من القفز فوقها والاكتفاء بإلقاء اللوم والمسؤولية على المستشفى”، مضيفاً: “من السذاجة القول إن الاعباء المادية لا تؤثر في أداء المستشفيات”.
تقول مصادر وزارة الصحة إن الوزارة تدفع نحو 420 مليار ليرة سنوياً، وتلفت الى أن تأخير الدفع يقع على عاتق وزارة المالية. وبالتالي، ما دام التأخير في دفع مستحقات المستشفيات يخضع بدوره لـ”مفاضلة” في أولويات النظام في لبنان، فإن “الذريعة” ستبقى بأيدي أصحاب المستشفيات، الذين سيتخلّفون عن إتمام أدائهم.
إلا أن امتناع المستشفيات عن استقبال المرضى في الحالات الحرجة يعدّ جريمة يُعاقب عليه القانون، بمعزل عن أي حجّة أو مبرر، إذ تنص المادة 567 من قانون العقوبات اللبناني على ما يأتي:
“من وجد بمواجهة شخص في حال الخطر بسبب حادث طارئ أو بسبب صحي، وكان بوسعه إغاثته أو إسعافه بفعل شخصي أو بطلب النجدة ودون أن يعرّض نفسه أو غيره للخطر وامتنع بمحض إرادته عن ذلك، يُعاقب بالحبس من شهر الى سنة وبالغرامة من 200 الف ليرة الى مليوني ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين”.
وتشير مصادر قضائية الى أنه في حال كان الشخص معنوياً، كما هي الحال بالنسبة الى المستشفيات التي تعدّ وفق القانون من “الهيئات المعنوية”، يُعاقب رئيس مجلس إدارة المستشفى كونه المسؤول أو تتم محاسبة المستشفى وفق المادة 210 من قانون العقوبات، والتي تشير الى أن الهيئات المعنوية مسؤولة جزائياً عن أعمال مديريها وأعضاء إدارتها وممثليها وعمالها عندما يأتون الاعمال باسم الهيئات وبإحدى وسائلها، ولا يمكن الحكم عليها الا بالغرامة والمُصادرة ونشر الحكم. وتعلّق المصادر في هذا الصدد بالقول: “يمكن توقيف عمل المستشفى بالكامل، بعدما تتم مصادرة معداته وإلزامه بالتوقف عن العمل”، مستطردة: “إلا أن هذه المادة غير مفعّلة، ويكاد يكون وجود هذا النوع من الشكاوى معدوماً بسبب اللوبي الذي تمارسه نقابة أصحاب المستشفيات، تماماً كما نقابة الاطباء”.