IMLebanon

المسيحيون يُبادرون بـ 3 مرشحين توافقيِّين  

baabda-residence

 

كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”:

المثير ليس فقط أنّ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي اكتشف تحفُّظ دمشق- الأسد على التسوية الرئاسية، بل المثير أيضاً هو أنّ المعارضة السورية كانت مرتاحة للتسوية واحتمال وصول النائب سليمان فرنجية إلى بعبدا.الأوساط اللبنانية التي اتصلت بقوى في المعارضة السورية لمَست في الأيام الأخيرة تأييداً لمحاولة الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط تمرير التسوية الرئاسية وانتخاب فرنجية.

ونقلت الأوساط عن مكوِّنات في هذه القوى قولها: إذا كانت هناك مقايضة فعلاً، فلا بأس بها. نحن نأخذ في سوريا، والأسد يأخذ في لبنان. وهذا لا يعني أنّنا نريد حلفاءَنا في لبنان أن ينهزموا. فلو كانت التسوية تشكّل انكساراً لهم، لما كان الحريري رضيَ بها أساساً. وهل نحن نعرف مصلحة الحلفاء في لبنان أكثر منهم؟

ويعتقد بعض أطراف المعارضة أنّ السعودية لا يمكن أن تتّخذ قراراً بترجيح كفّة السلطة في لبنان لمصلحة المحور الإيراني (رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس النيابي وغالبية مواقع النفوذ) لو لم تقتنع بأنّ الأسد على وشك مغادرة السلطة في سوريا.

ولكن، حتى الآن، ليس واضحاً إذا كان السعوديون قد اكتشَفوا أنّ الحرب في سوريا مستمرة لسنوات أخرى، وتالياً أن لا تسوية في الأفق وأنّ الأسد باقٍ في السلطة، وهو سيتلقّى مزيداً من الدعم الدولي كشريك في ضرب الإرهاب.

لكن المؤكّد أنّ الإيرانيين وحلفاءَهم يتبصَّرون جيّداً. فلا «حزب الله» أضاع البوصَلة، ولا الأسد. وفيما كان «الحزب» يتفرَّج على اللعبة الرئاسية صامتاً، دار الـ 14 آذاريون حول أنفسهم في الفراغ، وسَجّلوا النقاط بحقّ أنفسهم.

ويمتلك السيّد حسن نصرالله من المعطيات ما يكفي ليكون مرتاحاً. وهو عادة يشرِف على الطبخات السياسية، ومن البديهي ألّا يغرق في طبخات يُدرك جيّداً مَن يطبخها وفي أيّ مطبخ… وهل ستنضج فيها الطبخة أم ستبقى «طبخة بحص»!

ويرى بعض المطّلعين أنّ نصرالله ربّما كان في أساس الطبخة الرئاسية، من خلف الستار، بهدف تمرير مناورة معيّنة. ويستند هؤلاء إلى السؤال الآتي: هل الرئيس نبيه برّي يذهب إلى صفقةٍ رئاسية من دون إطلاع الحليف القوي في الثنائية الشيعية عليها؟ وهل النائب وليد جنبلاط يفعل ذلك أيضاً؟

قبل عامين، سَبق لـ«حزب الله» أن طلب من عون أن يفاوض الحريري في باريس وروما والرياض لعلّه يَحظى بدعمه للرئاسة… لكنّ «الحزب» كان قد اتّخذ قراراً مسبَقاً بالفراغ الرئاسي. أمّا الحوار العوني – الحريري فكان لإراحة أعصاب عون وإلهاء الجميع، فيما استحقاق «الحزب» الحقيقي الخرائط العسكرية في سوريا.

 

اليوم، يغرق السياسيون في الأسئلة عمّا إذا كان هناك حوار سعودي – إيراني أو لا، فيما «حزب الله» يمتلك الصورة الواضحة. لذلك، هو ما ضاعَ في ضباب فيينا، ولو كان كثيفاً.

والجميع يحسَب اليوم خسائره الناتجة عن الصفقة وتجميدها، إلّا هو:

1- «14 آذار» تكبَّدت خسائر لا تعوَّض. فالحريري خسِر رهانَه الحازم على تمرير التسوية. ووقع خلل يصعب ترميمه تماماً مع حليفه المسيحي الدكتور سمير جعجع وحزب الكتائب وسائر مسيحيّي «14 آذار». واعترى بعض القواعد السنّية انزعاج من احتمال وصول حليف الأسد إلى الرئاسة الأولى.

2- جنبلاط وسائر «الوسطاء» أصيبوا بانتكاسة، ولكن يمكن تعويضها.

3- بكركي ظهرَت مجدّداً غير قادرة على إقناع «أبناء الرعية» بالتوافق على إنهاء الشغور الرئاسي.

4- فرنسا والفاتيكان تبيّن أنّهما ضعيفان أمام القوى الإقليمية في لبنان، ولا سيما إيران.

في المقابل، سيحصد «حزب الله» ثمرة تسليفه عون دعماً لا يُقدّر بثمن، من دون أن يزَعِّل حليفه فرنجية. فالحليف الزغرتاوي يُدرك خصوصيّة التمسّك الشيعي برضى عون، إذ لا بديل من التغطية المسيحية التي يؤمّنها.

ويقول المطلعون: لو كان «حزب الله» مقتنعاً بأنّ اللحظة مناسبة لملء الفراغ في بعبدا، لكان دخلَ في التسوية الرئاسية، ثمّ بنى عليها للذهاب إلى طرح اسم آخر يريده.

ولو كان «الحزب» يريد فرنجية نفسَه للرئاسة حالياً، لكان أقنَع عون بأنّ دعم الحليف الزغرتاوي يدخل في سياق المصلحة الاستراتيجية لمحور إيران-الأسد-»حزب الله»، وبأنّ من غير الجائز تفويت الفرصة وتحقيق الانتصار التاريخي. ولكانَ أعطى عون أثماناً هائلة في مقابلها.

والأثمان معروفة، تبدأ بحجم الكتلة في المجلس النيابي والحكومة المقبلين والحصَص الوافرة في وزارات الخدمات كالطاقة وسواها، ولا تنتهي بتعويم مطالبِه في مجال التعيينات، بما فيها التعيينات العسكرية التي سَبق لـ»الجنرال» أن تعرَّض فيها لانتكاسة.

في لبنان، ليس هناك لاعب يتمتّع بالصلابة والرؤية الثاقبة في ممارسة السياسة والأمن في آن معاً أكثر من «حزب الله». وبَعد اليوم، وبَعد الدعم الحيوي وغير المسبوق الذي قدّمه «الحزب» إلى عون، يَصعب على الجنرال أن يقول له «لا» في أيّ طلب مقبل، وسيكون مستعدّاً لمسايرته إلى أقصى الحدود في الطروحات الرئاسية التالية.

سيقول «حزب الله» لعون: فرنجية هو أحد المداميك التاريخية الأساسية في مشروعنا السياسي، ومع ذلك، «وصَلت اللقمة إلى الفم»، ورفضنا وصوله إلّا إذا أنتَ أعطيتَه جواز المرور. فكن على ثقة في أنّنا معك بلا حدود، وستكون أنت رئيس الجمهورية عندما تنضَج الظروف لملء الفراغ.

وعلى الأرجح، بسبب التجارب السابقة، كان «الجنرال» قد اكتشفَ بأنّه ليس مرشّح «الحزب» المفضَّل. ولكنّه ربّما عاد في الأيام الأخيرة إلى الثقة فيه. ومِن عادة القادة الموارنة أن يُلدَغوا من الجحر مرّتين وأكثر بكثير…

ولذلك، سيكون الحلّ الأفضل أن «يقَوطب» المسيحيون على التسوية المفروضة برئيسٍ توافقي يخرج من ديارهم إلى الآخرين، أو على الأقل باعتماد اسمَين أو ثلاثة تحظى بالإجماع المسيحي وتُحال إلى الآخرين لاختيار واحدٍ منها وانتخابه.

وتستجيب هذه الفكرة لمطالب الفرنسيّين الذين غالباً ما تمنّوا على بكركي تسمية 5 أو 6 مرشحين لانتخاب أحدهم. لكنّ اختيار الرئيس جاء غالباً من خارج «اللائحة البطريركية»، لعدم التوافق المسيحي والوطني حول الأسماء. ومن حسنات التسمية بالإجماع المسيحي في بكركي أنّها لا تَلقى معارضة أحد.

كما أنّ تطبيق هذه الفكرة يلتقي مع طرح عون انتخابَ الرئيس من الشعب. فهو ينادي بأن يقترع المسيحيون لاختيار اسمَين، ثمّ ينتخب المسلمون أحدَهما. والاجتماع المسيحي في بكركي، إذا انعقدَ، سيختار اسمَين أيضاً، أو ثلاثة، وسيتمّ انتخاب أحدهما بالتأكيد.

وفيما الاقتراع الشعبي، وفقَ طرح عون، قد يأتي بالأقطاب الموارنة، ولذلك يرفضه الآخرون، فإنّ الإجماع المسيحي في بكركي سيأتي بالتوافقيّين الذين لا يمكن رفضُهم. ولذلك، إنّ الطرح الأوّل نظريّ ويصعب تسويقه، والثاني عمليّ وسهلُ التنفيذ.

التسوية الرئاسية الحاليّة ربّما تكون مناورة وسَقطت، أو ربّما هي تراجعَت أو تباطأت، لكنّ أحداً لا يضمن انطلاق مبادرة إقليمية – دولية قوية، في لحظة ما، مبنيةٍ على مصالح الأقوياء، تجتاح الجميع كما الجلسة التشريعية الأخيرة. عندئذٍ، كيف يُواجهها الموارنة بأقطابهم وأحزابهم ومستقلّيهم؟

لقد أظهرت التجربة الأخيرة، مرّة جديدة، أنّ اللبنانيين يغرقون في شِبر ماء. كلمة تأخذهم وأخرى تعود بهم. وبين لحظة وأخرى، ينتقلون من التفاؤل المطلق بحتمية نجاح التسوية الرئاسية إلى حدِّ التشاؤم المطلق بسقوطها. وهذه ذروة العجز والضياع الداخليين.

المهم أن يتعلّم اللبنانيون، وأن يُدرك المسيحيون أنّها فرصة المسيحيّين للَبنَنة الاستحقاق، أي لدفع الآخرين إلى تجاوز أَدوارِهم كوكلاء للقوى الإقليمية.

 

فهل ينتقل الأقطاب الموارنة من الإجماع السلبي على الرفض إلى الإجماع الإيجابي على البدائل؟ هل يُقْدِمون قبل جلسة 16 الجاري، وقبل فوات الأوان؟