Site icon IMLebanon

إحصاءات نيابية على أبواب الجلسة المؤجلة

 

كتب ايلي الفرزلي في صحيفة “السفير”:

صحيح أن «المستقبل» هدّأ من اندفاعته لانتخاب النائب سليمان فرنجية، إلا أن ذلك بدا أقرب إلى إعادة التموضع، ربما استعداداً لمقاربة جديدة، تأخذ العبر من أخطاء المقاربة الأولى، التي قيل من أهل البيت إنها كانت كثيرة.

رمى الرئيس الحريري رميته في وجه جمهوره وحلفائه وجمهورهم من دون أي تحضير أو تنسيق. سُمع في «المستقبل» من يعبّر عن صدمته قبل أن يعود ويتقبّل الموضوع، إما ترهيباً أو ترغيباً. نواب ووزارء ما زالوا حتى الآن غير مصدّقين أن رئيس تيارهم الآذاري «يعود للمرة الثانية إلى سوريا»، لكنهم سلّموا أن هذه هي طبيعته، ويصعب تغييرها، من دون نسيان أنه الأقدر على رؤية التحولات الإقليمية والدولية ومتابعتها عن قرب، هو المقيم بين الرياض وباريس.

لكن من بين الحلفاء المصدومين، ثمة حليف يتعامل مع نفسه على أنه مخدوع. لا يزال سمير جعجع غير مصدّق أن الحريري قادر على إهانته بهذه الطريقة. وبالرغم من مساعي الأخير لاستيعاب ردود الفعل القواتية، وكسر الهوة التي أحدثها تبنّيه ترشيح فرنجية، إلا أنه بدا واضحاً أن إصلاح ذات البين ليس بهذه السهولة. ليست «الإغراءات» المتعلقة بتبني قانون انتخاب سبق واتفق عليه مع «المستقبل» قابلة للصرف عند جعجع. هذا العرض يعني أن الحريري يقول لحليفه: إذا وافقت على التسوية، فلن أنفض يدي من اتفاقي معك على قانون الانتخاب. وهو ما لن يؤدي إلا إلى زيادة الهوة بين الطرفين، أضف إلى أن الحريري أيقن أن المطلوب أساساً وقبل الحديث عن الأثمان، سحب الترشيح كلياً، بما يعيد الأمور إلى ساعة الصفر، ومن ثم البدء بمباحثات جديدة داخل البيت الآذاري.

وربما هذا ما يسعى الحريري إلى ملاقاته حالياً. يريد من خلال التأخر في إعلان الترشيح رسمياً أن يقول إن الأمور لا تزال غير محسومة، وبالتالي أنا لن أقرر شيئاً قبل الرجوع إلى حلفائي، بل إن جل ما حصل كان اللقاء بفرنجية والسعي معه إلى الوصول إلى منتصف الطريق.

جعجع فعلها أيضاً

لكن قبل الولوج في هذه البداية الجديدة، يقول نائب مستقبلي إن «جعجع سبق وفعل الأمر نفسه، إذ أنه لم يستشرنا عندما وافق على القانون الارثوذكسي ولم يستشرنا عندما ترشح إلى الرئاسة، قبل أن نعود ونسير خلفه».

لكن في المقابل، فإن «القوات» تعرف أن «الخطوة الاستيعابية» لم تكن نتيجة الحرص على الحلفاء بقدر الحرص على أن لا تحترق الطبخة. وبالرغم من أن «المستقبل»، ضبط حماسته لإنهاء المسألة في جلسة 16 كانون الأول الجاري، قبل أن يدرك أن التغاضي عن عدم وجود مكونات أساسية لن يسمح بإنضاج وصول فرنجية إلى الرئاسة.

ما أوقف الاندفاعة الحريرية ليس جعجع، بل «حزب الله»، يقول أحد نواب «14 آذار». وهذا يعني عملياً أنه كان مستعداً لفرض الأمر الواقع على حليفه، مستفيداً من قراره المبدئي حضور أي جلسة رئاسية.

بالرغم من أن الإحصاءات المستقبلية تشير إلى أن نصاب الثلثين مؤمن، إلا أنه بدا جلياً أن «المستقبل» لن يكون مستعداً لحرق كل أوراقه وتحدي حلفاء فرنجية، لاسيما منهم «حزب الله» المتوجس من التناقض السعودي، بين تأييد فرنجية ووضع قياديين في الحزب على لوائح الإرهاب ثم إيقاف بث تلفزيون «المنار» عن «عربسات».

في ظل المفاوضات التي كانت تجري على أكثر من صعيد، لم يشعر «حزب الله» أنه مضطر لإعلان موقف، خاصة أن تبني الترشيح لم يكن علنياً. لكن هذا لم يمنع «المستقبل» من السير في إحصاء عدد النواب الذين يمكن أن يحضروا الجلسة ويصوتوا لفرنجية.

لا يشك «المستقبل» أن نصاب الثلثين مؤمن، لكنه يعرف أنه محشور، وقد يكون بحاجة إلى استنفار نيابي. بما يعني عملياً أن العملية الانتخابية ستتحول إلى مشكلة إضافية مع «حزب الله» بدل أن تكون بداية صفحة جديدة في البلد. و «المستقبل» بدا متيقناً أن الرئاسة لا تحتمل هكذا معركة.

ضاهر وشمعون: ضد فرنجية

بالعودة إلى إحصاء عدد الأصوات، يتبين أن جلسة الانتخاب يمكن أن يحضرها 92 نائباً، أي أكثر من النصاب القانوني بستة نواب. لكن، هذا يعني أن المطلوب حضور الحريري والنائب عقاب صقر و «القوات»، وكذلك حضور «الكتائب»، الذي سبق وأشار أنه لن يشارك في جلسة تحدٍ، بالإضافة إلى المستقلين، فيما لم يتضح قرار «الطاشناق»، الذي لا يزال متحفظاً على إعلان موقفه من الانتخابات الرئاسية. كما يرجح أن يلتزم النائب فادي الأعور بقرار «التيار الوطني الحر»، علماً أنه يعلن أنه لا يلتزم قرار «كتلة وحدة الجبل» (النائب طلال ارسلان). ويشير إلى ثقته أن «تكتل التغيير» الذي ينتمي إليه، إما سينزل مجتمعا إلى الجلسة أو يغيب مجتمعاً، رافضاً إعطاء موقف من النزول إلى الجلسة في حال استمر الخلاف بين فرنجية وعون.

وفقاً لهذه المعطيات، فإنه سيشارك في الجلسة كل من كتلة «المستقبل» (33 نائباً من بينهم أربعة نواب من كتلة «التوافق الأرمني» ونائب «الجماعة الإسلامية»)، «كتلة التنمية والتحرير» (13 نائباً)، «القوات» (8 نواب)، «الكتائب اللبنانية» (5 نواب)، «اللقاء الديموقراطي» (11 نائباً)، المستقلون (14 نائباً بينهم النائبان نقولا فتوش وخالد ضاهر)، «كتلة المردة» (4 نواب)، «البعث» (نائبان) و «القومي» (نائبان). وهذا يعني أن غياب 6 نواب يمكن أن يسقط مساعي تأمين النصاب، أي أن «القوات» يتحكم بمصير الجلسة، بغض النظر عن حضور «الطاشناق» (نائبان) أو «الكتائب».

وعليه، فإذا تأمن النصاب سيكون فرنجية بحاجة إلى 65 نائباً ليتمكن من الوصول إلى قصر بعبدا. وهو عدد متوفر من حيث المبدأ، إذ أنه من بين الـ92 نائباً الذين سيشاركون في الجلسة، لن يصوت لفرنجية كل من «القوات» (8 نواب) والنائبان خالد ضاهر (أكد لـ «السفير» أنه لا يلتزم بقرار كتلة «المستقبل» ولن ينتخب فرنجية من دون أن يعني ذلك أنه لن يحضر الجلسة) ودوري شمعون (أبلغ «السفير» أنه سيشارك في الجلسة ولن ينتخب فرنجية). كما يمكن أن ينضم إليهم «الكتائب» (5 نواب)، بما يعني حصول فرنجية على 77 صوتاً، إذا لم يتغيب أحد من هؤلاء النواب أو لم تكشف صندوقة الانتخاب وجود خروقات غير مستبعدة داخل «الكتل»، لكنها لن تؤثر في النتيجة بأي حال.

طبعاً هذا السيناريو المتخيل لن يكون بإمكانه التحول إلى أمر واقع، نظراً إلى عدم رغبة أحد من مؤيدي فرنجية بتحويل انتخابه إلى تحد لـ «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» سيؤدي حتماً إلى عدم استقرار سياسي. لكن في المقابل، فإن ثمة سيناريو مقابل لم يخرج من التداول أيضاً، ويعتمد بشكل خاص على إعلان «القوات» الحرب على حليفه «المستقبلي» من خلال إعلانه تأييد عون، بما سيؤدي إلى انقلاب خريطة التصويت والتحالفات رأساً على عقب.