كتبت ملاك عقيل في صحيفة “السفير”: تترنّح مبادرة الرئيس سعد الحريري من دون أن تسقط. تملك مقوّمات الصمود والنجاح تماماً كما تتضمّن عناصر “تفجيرها”. تجاوز تاريخ السادس عشر من كانون الاول من دون تتويج سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية لن يعني دفنها بل تأجيل البتّ بها سلباً أو إيجاباً.
بمطلق الأحوال، درسٌ واحد يخرج به من واكب التسوية الرئاسية عن قرب منذ الاعلان عن اللقاء الباريسي في 17 تشرين الثاني الماضي حتى اليوم “إذا كان موقف ميشال عون من ترشيح عضو تكتله وأحد اركان خطه السياسي وصاحب الحيثية المسيحية والوطنية بالقدر المقبول، هو على هذا النحو، فكيف يمكن أن تترجم ردّة فعله حين يأتي من يقول له لاحقا إن سعد الحريري حاول معك ولم ينجح، ثم حاول مع سليمان فرنجية ولم ينجح.. فلنذهب الى معادلة المرشّح التوافقي؟”.
لكن “الشيخ سعد” ليس الآن بوارد الاستسلام سريعا للمعوقات التي اصطدم بها حين ظنّ أن “حزب الله” سيعيد تجربة الدوحة مع ميشال عون، فـ”يلغيه” اليوم بعد أن “اقصاه” حين استبدله بميشال سليمان، وحين استخفّ بردّة فعل حليفه سمير جعجع.
الرئيس الحريري يرغب بقوة بالعودة الى لبنان، ومن أجل ذلك قد يدفع ثمنا باهظا من كيس شعبيته بتأييده فرنجية للرئاسة. إلى هذا الحدّ، يقول خصومه، هو يستعجل التسوية وسيعطي الوقت الكافي لتأمين “المكتسبات” اللازمة التي توازي سيره بهذا الترشيح.
يقول هؤلاء “كل يوم إضافي للحريري خارج لبنان هو ورقة تسقط من رصيد حضوره في الشارع السنّي”. ومنذ العام 2011 يتعايش رئيس “تيار المستقبل” مع واقع كونه مواطنا سعوديا بدوام كامل ومواطنا لبنانيا عند الحاجة. منذ عشر سنوات تقيم عائلته في الخارج. يستدعي قيادات ووزراء ونواب “التيار”، كما عدداً من حلفائه، إلى قصره في الرياض أو منزله في باريس، للتشاور والتداول أو التبليغ، في الوقت الذي قطعت فيه بعض شخصيات “تيار المستقبل” شوطاً كبيراً في تثبيت حيثيتها وصورتها ومخاطبة جمهور رفيق الحريري ونبضه وحاجاته. فتحت “الدكاكين” داخل “المستقبل” ورصدت حالات تمرّد ووصل الأمر إلى حدّ حصول مناشدات صامتة وعلنية من أجل العودة لرصّ الصفوف من دون الأخذ بالاعتبار “كليشيه” عن “العامل الأمني” أو “أمن دولته”.
“الشيخ” المأزوم مالياً والمدرك أن الحنفية السعودية قد لا تفتح بالسهولة والزخم نفسه كما في السنوات الماضية، يريد العودة، لكن ليس من مطار دمشق، كما وعد يوما، بل عبر “الحلف الرئاسي” مع حليف دمشق، وبسلّة قوامها “قانون الستين” أو ما يعادله مع تثبيت للمكاسب الحريرية في الحكومة والإدارات والتعيينات.
وبعكس ما وصف الانتخابات الرئاسية في سوريا في حزيران 2014 بـ”مسخرة، هزيلة، سوداء، حقيرة، مفبركة، دموية، ساقطة ومقيتة”، هو يرى أن فرنجية، “الحليف رقم 2″، بعد السيد حسن نصرالله، لنظام الأسد، والباصم على نتائج انتخابات دمشق، هو فرصة إنقاذية قد لا تتكرّر.
بدأ فرنجية باكرا جدا بإرسال إشارات طمأنة للجانب السعودي، تحديدا في تشرين الثاني من العام 2014 حين أعلن بالفم الملآن ان لديه الكثير من التحفّظات على سياسة السعودية في المنطقة “لكني احترم مواقفها واحترم قراراتها، وانا لا أرمي نفسي على أحد، مواقفي وقناعاتي واضحة، إما ان يقبلوني كما أنا او لا مشكلة لديّ مع أحد”. أما الظرف الذي قد يوصله الى الرئاسة فهو “عندما يعلن عون عدم رغبته بالترشّح وعندما تتفق 8 و14 آذار على دعمي”.
عمليا، كان فرنجية مصيبا تماماً. أولاً هو ليس من النوع الذي يغيّر فيه “جلده” حين توضع أمامه مغريات التسوية، وثانيا يقتضي الامر إعلان عون عدم رغبته بالترشّح وتوافق “8 و14” على دعمه، والأهم أنه أوضَحَ سلّم خياراته: أولاً ميشال عون.. ثم سليمان فرنجية.
يومها كان الشغور الرئاسي قد دخل شهره السادس و”حزب الله”، على لسان نصرالله، يعلن للمرة الاولى مرشحه “الطبيعي” لرئاسة الجمهورية “والحرف الاول من اسمه ميشال عون”، وفرنجية يرسل إشارات واضحة بسيره بالتمديد الثاني لمجلس النواب. لم تمرّ الرسالة مرور الكرام في الرياض ولا لدى الحريري. بعد عام تحديدا حصل ما كان في حسبان البعض، ولكن همسا وفي الكواليس: الحريري يمشي بسليمان فرنجية.
ثمّة رأيان في هذه المسألة: الأول يقول إن ترشيح فرنجية من جانب الحريري نكسة لا تعوّضها أي أثمان أخرى، خصوصا إذا اكتشف الاخير ان ما كان يحلم به بالمقابل من مكاسب في السلطة غير متاح بهمّة “حزب الله” وميشال عون. والرأي الثاني يقول إن دخول الحريري مجدداً “التركيبة الحاكمة” وإعادة فتح بيت الوسط ودخول “الشيخ” مباشرة على خط توزيع مغانم النفط والغاز، أهمّ بكثير من “خطيئة” تبنّيه مرشحا من صلب معادلة “8 آذار”.
دفعة واحدة تركّزت الأضواء حول اسم فرنجية واحتمالات وصوله، وموقف الحلفاء والخصوم منه، و”بوانتاج” الحضور في الجلسة المفترضة، ونتائج لقاء القمة في الرابية، فيما السؤال الاساسي كان في مكان آخر تماماً: ألهذا الحدّ يستعجل الحريري حجز مكانه في السرايا ولو على حساب ما تبقى من رصيده لدى جمهور “المستقبل” الخائب من قائد لا يظهر إلا عبر “تويتر”، وحين يقرّر أن يحسم يطيح بمكتسبات فترة الابعاد والنفي.. الطوعي؟”
صحيح ان الحريري، إن قدّرت له التقاطعات الاقليمية والدولية الجلوس على كرسيّ الرئاسة الثالثة مجددا، سيحاول قبل أي شئ آخر تعويم نفسه داخل قاعدته السنية التي شعرت طوال الفترة الماضية أنها تفتقد إلى المرجعية الصلبة والاحتكاك المباشر معها، والاطمئنان الى أن ثمن تبنّي ترشيح فرنجية لن يكون أقل من قانون انتخابي يبقي هيمنة “تيار المستقبل” في مناطق نفوذه وفي سلّة حلفائه المسيحيين، إلا أن بعض المطّلعين يشيرون إلى أن تعثر التسوية لن يعني تأخّر عودة “الشيخ” الى بيت الوسط والتي قد لا تأتي بالضرورة لتتويج معادلة فرنجية – الحريري.
يقول هؤلاء إن “الحريري ملزم بالعودة إن كان فرنجية المرشّح أو أحد آخر. زعامته بحدّ ذاتها دخلت دائرة الخطر. أما الموقف السعودي بدعمه فيترجم بأمرين أساسيّين: مساعدته في حلّ أزمته المالية وفي فرضه رئيس حكومة لعهد بكامله.. وإلا لا عودة ولا زعامة”.