فكرة توسيع مطار بيروت ليست جديدة، وهي تتحول الى حاجة ملحّة مع التحسن المستمر في حركته، خصوصاً مع تخطّي المطار لقدرته الإستيعابية عبر الوصول الى 6 ملايين مسافر في العام 2013، ما أعاد اطلاق عملية التفكير في تطوير قدراته الاستيعابية حتى يتمكن من استقبال 12 مليون مسافر.
إلا أن توسيع المطار يحتاج الى رقعة جغرافية مناسبة وقادرة على تلبية الهدف المنشود، وهذا ما يفتقره المطار نظراً لجغرافيته الواقعة ضمن منطقة لا يمكن تطويرها وتوسيعها، فضلاً عن وجود مساحات جغرافية محدودة يمكن للدولة استعمالها. وكان جزء من هذه المنطقة عرضة للبيع في العام 2009، لكن ديوان المحاسبة أبدى رأيه سلباً في القضية، وهي “إسقاط اقسام من الاملاك العامة المجاورة للعقار 391 من منطقة تحويطة الغدير، وبيعه بالتراضي من شركة طيران الشرق الاوسط”، بناءً على القرار “رقم 18 الصادر عن مجلس الوزراء بتاريخ 30/4/2009”. ورأى الديوان أن إستملاك الأقسام المعنية من قبل الدولة، “قد تم بهدف توسعة وتطوير مطار بيروت. وان هذا المشروع لا يزال حاجة وهدف وأن اي توسعة مستقبلية للمطار لا يمكن إلا ان تشكل هذه العقارات الارضية الوحيدة المتاحة للتوسعة والتطوير، علماً انه لا يوجد لدى الادارة اية عقارات أخرى تستعمل لهذه الغاية”، وفق ما جاء في الرأي الإستشاري رقم 48 الصادر عن الديوان في العام 2009.
إذاً، الإمكانات الجغرافية للتوسيع محدودة، ولن تلبي حاجة المطار مع مرور الزمن، فالتوسيع الحالي سيحتاج الى توسيع أكبر في سنوات لاحقة، وهذا ما تعوقه المساحات الجغرافية القليلة المحيطة بالمطار حالياً. وذلك يزيد الضغط على المطار، خاصة وان خبراء الطيران يوصون بإستمرار بضرورة التوسيع. فالأمين العام للاتحاد العربي للنقل الجوي عبد الوهاب تفاحة، وبعد مشاركته في أعمال الدورة الـ48 للجمعية العامة للاتحاد العربي للنقل الجوي، التي انعقدت الأربعاء الماضي في المملكة العربية السعودية، أكد ان “عدم توسعة مطار بيروت سيؤثر سلباً على قدرة النقل الجوي في لبنان وبالتالي على استيعاب حركة السفر، ومن شأن ذلك أيضاً أن يؤثر على كل ما له علاقة بالنقل الجوي وخصوصاً القطاع السياحي. إن عدم توسعة المطار سيزيد الضغوط على الأجهزة الإدارية والأمنية ويفاقم عملية التأخير، لذا فالحل الوحيد هو توسعة المطار وبأسرع وقت ممكن”.
صعوبة توسيع المطار بالقدر الكافي في ظل ضيق الرقعة الجغرافية المتوفرة، توجه الأنظار نحو إنشاء مطارات خارج منطقة بيروت، لتخفيف الضغط عن المطار الحالي. لكن صعوبات تأمين التوافق السياسي، فضلاً عن العجز المالي الذي تغرق فيه الدولة، يحيّدان الحديث عن استحداث مطارات جديدة، ليبقى امام لبنان خيار تأهيل مطار القليعات الذي يستعمل اليوم كمطار عسكري، وهو الأنسب حالياً ليلعب دور المساعد للمطار الرئيسي في العاصمة (إذا استثنينا تماماً مطار رياق العسكري). وتؤيّد مصادر مطّلعة على ملف توسيع المطار، خيار استعمال مطار القليعات. اذ تقول لـ”المدن” إن “تحويل مطار القليعات الى مطار سياحي وتجاري يخفف الضغط عن مطار بيروت، ويزيد الحركة التجارية لأن القدرة الإستيعابية ستزداد، ما يرفع مداخيل الدولة ويخلق فرص عمل جديدة. خاصة وان لبنان يخسر كثيراً جراء توجه بعض البضائع الى الدول المجاورة، بفعل عدم قدرة مطار بيروت على الاستيعاب بشكل أكبر”.
وتضيف المصادر ان استعمال مطار القليعات يمكن ان يترافق مع “ربط مناطق البترون، الكورة، طرابلس، زغرتا، عكار، وصولاً الى الهرمل بأوتوستراد كبير، يسهّل الحركة في المنطقة الشمالية التي تعدّ أكبر وأوسع جغرافياً من باقي المناطق اللبنانية. وهذا الربط سيخلق بالضرورة شبكة من المصالح التي ستنشأ بفعل الحركة التي يخلقها المطار. ما يعني إطلاق نهضة اقتصادية في المنطقة، تصب في خانة تطبيق اتفاق الطائف لناحية انماء المناطق”. لكن الطبقة السياسية اللبنانية لا تفكر بهذه الطريقة، بل تفكر بحجم مصالحها الشخصية التي ستخسرها بعد توزيع النشاط بين بيروت والشمال. فتشغيل مطار القليعات يعني استيعاب حركة طيران أكبر، أي إدخال شركات جديدة “تكسر” إحتكار خطوط الطيران الحالية، التي تستفيد منها جهات سياسية وإقتصادية معروفة. لكن برغم هذا الرفض، سيجد لبنان نفسه مضطراً الى البحث عن حلول سريعة، سيفرضها التطور الطبيعي لحركة المطار. وستقع حينها الدولة في أزمة محدودية الأراضي، تماماً كما وقعت في مرفأ بيروت، حيث يتم الحديث اليوم عن ردم لأحد الأحواض، بهدف تسهيل حركة البضائع، لكن ذلك لا يعدو كونه حلاً مؤقتاً وغير علمي، وسبباً لأزمة لاحقة.
الحاجة التقنية لتوسيع مطار بيروت، تقابلها اعتراضات سياسية، ترى بأن طرح استعمال مطار القليعات هو حجة لفرض نوع من استقلال أمني في تلك المنطقة، وحجة أيضاً لتأهيل منطقة الشمال لتكون ممراً لمساعدة الجماعات المسلحة السورية، نظراً لقربه من الحدود السورية، بالاضافة الى تشكيله ممراً لهدر المال العام، لأن تأهيله يحتاج الى أموال كثيرة تتراوح بين 750 مليون الى مليار دولار، وفق ما تناقلته مصادر أمنية لبنانية، محسوبة على فريق سياسي معين.
لكن هذه المصادر تخفي حقيقة ان هدر المال العام والتفلّت الأمني في كافة المناطق اللبنانية، هو نتيجة الإقتتال السياسي الطائفي، وليس أزمة تقنية. فتوسيع مطار بيروت هو حاجة مثبتة لا تتصل بهدر المال العام والإصطفافات السياسية الطائفية، كما ان تنمية المنطقة الشمالية أمر ضروري حتى وإن كان العنصر الأمني غالباً على تلك المنطقة، وهذا ما فرضته السياسة. واستطراداً، ان تنمية تلك المنطقة باتت حاجة ملحّة حتى في مجالات الزراعة والصناعة، فضلاً عن تطوير مرفأ طرابلس، أي ان المسألة ليست مرتبطة فقط بمطار القليعات.
تجدر الإشارة الى ان مطار القليعات الذي يمتد على مساحة 5.5 مليون متر مربع، يضم مدرجاً بطول 3200 متراً، قابلاً للزيادة بطول 400 متر، وعرضه 60 متراً، وهو مجهز بمستودعات تستعمل للوقود وقطع الغيار وأجهزة الإتصالات. وكان المطار قد استعمل في مرحلة الحرب الأهلية حين أقفل مطار بيروت، وبات ارتياده أمراً محفوفاً بالمخاطر. واستقبل المطار حوالي 300 راكب يومياً. وهذه القدرة الاستيعابية ستخفف بالتأكيد ضغط النمو في حركة الركاب في مطار بيروت، والتي ارتفعت خلال الاشهر العشرة الاولى من العام الحالي الى 10%، مقارنة مع العام الماضي، ويتوقع ان تصل هذه الحركة الى ما يقارب 7 ملايين راكب نهاية العام.