إذا كنت تعتقد أن البلدان الأوروبية تواجه صعوبة في التماسك – الذي تعرض للإجهاد بسبب الخلافات حول الهجرة وسياسية التقشّف والديون – فعليك التفكير في البلدان العشرة التي تُشكّل رابطة بلدان جنوب شرق آسيا.
صحيح أنه مقارنة بأوروبا، هي تواجه قليلا من المشكلات الخلافية القاتلة. معظم بلدان جنوب شرق آسيا تُكافح بسبب تأثير تباطؤ الصين، وتستعد للاضطرابات التي يُمكن أن تُرافق التطبيع المُستمر للسياسة النقدية في الولايات المتحدة. مع ذلك، ليس هناك أي تحويلات مالية كبيرة داخل البلدان التابعة لرابطة بلدان جنوب شرق آسيا، وهو اتحاد ضعيف أقرب إلى الاتحاد الأوروبي في الخمسينيات. ولا يوجد بلد يهدّد بالمغادرة، كما أنه لا توجد خلافات جوهرية حول اتجاه السياسة.
مع ذلك، في الوقت الذي تستعد فيه رابطة بلدان جنوب شرق آسيا “آسيان” لحدث مهم هذا الشهر – إنشاء سوق موحّدة نظرياً – من الجدير التفكير في التنوّع الذي لا يُصدّق “للتكتل الجديد الذي يتم إنشاؤه”.
يعيش الناس البالغ عددهم 625 مليون نسمة في البلدان التابعة للرابطة في بلدان تراوح من الأرخبيل الإندونيسي المُمتد، الذي يعيش فيه 250 مليون شخص إلى سلطنة بروناي الصغيرة، مع عدد سكان يبلغ 400 ألف.
هناك أيضاً سنغافورة، التي تبلغ فيها حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 55 ألف دولار، وكمبوديا، حيث المبلغ يزيد على ألف دولار قليلاً. هناك ديمقراطيات مُتنافرة، إن لم تكُن ناقصة: في إندونيسا، والفلبين؛ ودكتاتوريات شيوعية مثل فيتنام؛ وأنظمة عسكرية مثل تايلاند.
وتوجد دول الأغلبية فيها من المسلمين مثل إندونيسيا وماليزيا؛ وهناك دول بوذية في الغالب منها ميانمار؛ والفلبين كاثوليكية في الغالب. حتى إن البلدان التابعة للرابطة تنقسم حول أي جانب من الطريق مُخصص للقيادة. في خمسة منها القيادة على الجانب الأيسر، وفي خمسة على الجانب الأيمن- على الرغم من أنهم في فيتنام يقودون على كلا الجانبين.
نظراً لهذا التنوّع، فليس من السهل أن تمضي هذه الرابطة قُدماً في تخليق التكامل من خلال إنشاء المجتمع الاقتصادي للبلدان التابعة لرابطة بلدان جنوب شرق آسيا، التي ستدخل حيّز التنفيذ رسمياً في الحادي والثلاثين من كانون الأول (ديسمبر) الجاري.
من الناحية النظرية، هذا سيخلق سوقاً موحّدة للسلع والخدمات، ويفتح المجال أمام حرية الحركة للناس وتوحيد الأنظمة. لا ينبغي أن يكون مُستغرباً أن كثيرا من هذا مجرد خيال.
على الرغم من أن 95 في المائة من بنود التعريفة الجمركية هو بمقدار صفر، إلا أن الحواجز التي لا تتعلّق بالجمارك، فمن تباين المعايير التنظيمية إلى الموانئ المُختلة وظيفياً، ما يجعل التجارة بين البلدان صعبة بشكل مُحبط.
كما أنه ليس هناك ما يُسمى حرية الحركة للعمالة، حتى في قطاع العمالة الماهرة، الذي من المفترض أنه في طريقه إلى التحرير الكامل. الشركات متعددة الجنسيات التي تعمل في البلدان التابعة للرابطة، تشتكي من أنه غالباً ما يكون من الصعب نقل الموظفين من بلد إلى آخر.
في الوقت نفسه، ينتقل ملايين المهاجرين غير المهرة، من عمال البناء إلى الصيّادين، بين البلدان بشكل غير قانوني. في الجانب الخفي من التنظيم، هناك انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وحتى اتجار صريح بالبشر.
رابطة دول جنوب شرق آسيا لا تملك القدرة على فرض عقوبات على البلدان التي تستخف بقواعدها. جايانت مينون، مختص تكامل التجارة في بنك التنمية الآسيوي، قال في مؤتمر “فاينانشيال تايمز” عن هذا الموضوع أخيراً، “إن الأمر كله مكافآت بدون أي عقاب”.
رابطة بلدان جنوب شرق آسيا لديها سكرتارية أقل ما يقال فيها إنها ضعيفة، مقرّها في جاكارتا. ولديها ميزانية تبلغ 17 مليون دولار – وهي ليست كافية لجعل مفوّض في الاتحاد الأوروبي يخرج من سريره في الصباح.
عند سؤاله عمن سيتّصل به عندما يريد الاتصال برابطة بلدان جنوب شرق آسيا، أجاب عبد الفريد الياس، رئيس مايبانك، البنك الماليزي الموجود في كل بلد من البلدان التابعة للرابطة، باختصار “لا أحد”.
على الرغم من مثل هذه العيوب، تحاول بعض الشركات معاملة البلدان المذكورة كأنها سوق موحّدة. شركتا جنرال موتورز وجلاكسوسميث كلاين جعلتا سنغافورة مركزاً لهما على المستوى الإقليمي، على الرغم من أن هذا قد يكون بسبب سهولة القيام بالأعمال في هذه الدولة، بدلاً من عوامل الجذب في البلدان الأخرى التابعة للرابطة.
وهناك شركات أخرى تسعى إلى بناء مراكز إنتاج في إندونيسيا، أو تايلاند أو الفلبين. ارتفاع الأجور في الصين يجعل هذه البلدان وغيرها، بما في ذلك ميانمار وكمبوديا وفيتنام مناسبة لإنتاج المنسوجات والإلكترونيات، وأكثر جاذبية.
كما وضعت شركة دياجيو، مجموعة المشروبات، رهانات كبيرة على رابطة بلدان جنوب شرق آسيا – حيث جذبها، كما يقول سام فيشر، رئيسها الإقليمي، النمو الثابت ونسبة الشباب الكبيرة بين السكان، واحتمال توسيع الطبقة المتوسطة الحضرية.
إلا أن الأمر كان في بعض الأحيان مُخيّبا للآمال، مثلما حدث عندما ضيّقت إندونيسا الخناق فجأة على مبيعات المشروبات هذا العام. فوق كل شيء، يقول فيشر، “إن المستثمرين الأجانب يريدون من الرابطة أن تفرض قواعد واضحة وثابتة”.
هذا قد يكون بمثابة مشكلة. حيث إن طريقة رابطة دول جنوب شرق آسيا” تفضّل الإجماع. افتقارها للطموح الشامل هو نقطة قوة بقدر ما هو نقطة ضعف. من خلال اتباع نهج هادئ على مدى نحو خمسة عقود منذ تأسيسها، تجنّبت الرابطة السيادة الجماعية والعملة الموحّدة، وكلاهما أصبحا مُثيرين للجدل بقوة في أوروبا.
لقد جعلت مشروعها مُتماسكاً من خلال منهج التقليص من الاحتكاك بشكل ملحوظ، والحرص على محاصرة الخلافات. كما سجّلت نحاجات هادئة، من خلال تخفيض الرسوم الجمركية الثابتة، والعمل بمبدأ التسامح الذي تكلل بإعادة ضم ميانمار إلى نطاق البلدان الأعضاء في الرابطة، وما يعنيه ذلك من إعادة اعتبار لها، والنظر إليها كدولة ينبغي أن تحظى بالاحترام.
مع ذلك، فإن عوامل الجذب والإجماع تستطيع أن تمضي بك مسافة محدودة فقط.
عليه، فإن الذين يبحثون عن أوروبا جديدة، مع فارق هو أن تكون سريعة النمو ضمن نموذج “آسيان”، سيصابون بخيبة الأمل، لا محالة.