IMLebanon

كثافة ضباب الدخان في بكين من أعراض الفساد

ChinaBeijingsmokyhaze
جون جابر

بعد مهاجمتها من قِبل النشطاء وانتقادها من قِبل السكان المحليين، أعلنت حكومة بكين هذا الأسبوع عن أول حالة تأهب قصوى لها فيما يتعلّق بتلوّث الغلاف الجوي.

الهواء في العاصمة الصينية مليء بالأبخرة السامة والغبار بشكل أقل مما كان الأسبوع الماضي، بعد أن استجابت المدينة أخيراً إلى الاستياء والغضب بين مواطنيها البالغ عددهم 20 مليونا، عن طريق إغلاق المدارس، وإغلاق المصانع ومواقع البناء، وجعل مالكي السيارات يقودون يوما بعد يوم.

بلغت نسبة الهواء الفاسد في بكين في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، 40 مرة ضعف الحد الآمن الذي تُحدّده منظمة الصحة العالمية للجزيئات الصغيرة من الغبار والسخام، التي يُمكن أن تخترق رئة الإنسان. المدن في الصين تنافس المدن في الهند فيما يتعلّق بالهواء الكريه. حظر قيادة السيارات يوما بعد يوم من المقرر تطبيقه في نيودلهي في كانون الثاني (يناير) بعد أن تم تصنيف 13 مدينة في الهند من قِبل منظمة الصحة العالمية ضمن قائمة أبرز المُدن العشرين الأكثر اختناقاً في العالم.

طبقات الضباب التي عادةً ما تُغطّي المدن في الصين والهند هي نتاج كل من التصنيع والتحضّر. توسع الاقتصاد والمدن فيهما بسرعة كبيرة بحيث لم يعُد بإمكانهما المواكبة. الضباب المليء بأكسيد النيتروز، وثاني أكسيد الكبريت، والغبار المعدني والكربون الأسود، يخنق المواطنين، الأمر الذي يُسهم في مرض السرطان، وأمراض الرئة وموت مُبكّر لملايين.

غير أن الضباب الدخاني هو أيضاً من أعراض سوء الإدارة والفساد – عدم وجود رغبة في الحدّ من المصانع والسيارات التي تعمل بالبنزين، أو تقليص محطات الطاقة التي تعمل بالفحم المُسبّبة للتلوّث، لأن السياسيين والمسؤولين مُنصاعون جداً وطيّعون.

هناك بدائل، من محطات الطاقة التي تعمل بالغاز الطبيعي إلى السيارات الكهربائية، لكن هذه المدن مليئة بأصحاب المصالح المكتسبة.

نفس التصلّب عانته لندن في القرن التاسع عشر والقرن العشرين. كتب تشارلز ديكنز في عام 1851 “لندن مكان حقير. في كل مرة كنت أعود إليها من الريف الآن، أرى مظلة ثقيلة كبيرة تتدّلى من أسطح المنازل، أتساءل ما الذي أفعله هنا يا إلهي، لولا الالتزام”.

نمو المدينة في العصر الفكتوري ومكانها في قلب التجارة العالمية جذب السفن إلى الموانئ، وملايين للعمل في المصانع، علاوة على إشعال آلاف من حرائق الفحم.

لقد أنتجت، كما ذكرت كريستين كورتون في كتابها “لندن فوج” (ضباب لندن) الضباب الأصفر البني المليء بالكبريت الذي اتّسمت به المدينة. يصادف هذا الأسبوع الذكرى السنوية للضباب الدخاني الكبير لعام 1952، الذي أسفر عن مقتل ما يصل إلى 12 ألف شخص من سكان لندن، وغيّر مواقف الناس تجاه الموضوع. كتب ديكنز عن الضباب في رواية (صديقنا المُشترك)، “في لندن، كان الضباب عند خط الحدود باللون الأصفر الغامق، وإلى الداخل قليلاً باللون البني، ومن ثم البني الأغمق، والأغمق، حتى يصل إلى قلب المدينة… لقد كان باللون الأسود الصدئ”.

الصدأ كان كناية فيكتورية تعني المال، خاصة المال الفاسد، والثروة منعت الجهود لتنظيف هواء لندن، حتى صدور قانون الهواء النظيف في عام 1956.

على الرغم من أنه تم تنظيف لندن بطرق أخرى، ولا سيما عن طريق المجاري التي بناها جوزيف بازالجيت بعد تلوّث النتانة الكبير لنهر التايمز في عام 1858، إلا أن أصحاب المصانع “وأصحاب المنازل الذين كانوا يحصلون على الدفء بإشعال النار” قاوموا الإصلاح حتى الخمسينيات. عندها فقط بدأ المواطنون، بحثاً عن حياة أفضل ما بعد الحرب، بالمطالبة باتخاذ إجراءات.

تُشير حالة التأهب القصوى في بكين إلى نقطة تحوّل مماثلة في الصين – أن الحكومة مضطرة إلى الاستجابة لشعبها. لم يعُد من المقبول تجاهل حقيقة أن الناس يحتاجون إلى ارتداء أقنعة الوجه لوقف استنشاق الغبار السام. وهناك وعي مُتزايد للعلاقة بين تقصير الحكومة، والمصانع المملوكة للدولة التي تشعر بحرية في الاستمرار في إطلاق ملوثات الهواء.

تشاي جينج، الصحافية التلفزيونة الصينية، جعلت الصلة واضحة في فيلمها الوثائقي البيئي الذي يحظى بشعبية “أندر ذا دوم”، (تحت القبة) هذا العام. بعد السفر إلى مدن منها لندن ولوس أنجلوس لاكتشاف الطريقة التي تعاملت بها مع تلوث الهواء، استنتجت أن الفساد والتركيز المُفرط للسلطة في مجموعات الطاقة المملوكة للدولة، مثل شركتي الصين الوطنية للبترول وساينوبيك، يعمل على عرقلة التقدّم.

“حكومة (الصين) لا ينبغي أن تدعم التفكير المُتخلّف، والتلوّث، والشركات غير المُربحة”، هذا ما تقوله تشاي في فيلمها، الذي شوهد أكثر من 300 مليون مرة بعد صدوره ودفع لي كيكيانج، رئيس الوزراء الصيني، لوصف التلوّث بأنه “آفة على نوعية حياة الناس ومشكلة تُثقل قلوبهم”.

سوء الممارسة عميق الجذور – 25 في المائة من التنفيذيين الذين تم التحقيق معهم بسبب الفساد في الشركات المملوكة للدولة بين عام 2012 ونيسان (أبريل) من هذا العام كجزء من حملة الرئيس تشي جين بينج، كانوا من قطاع الطاقة. انعدام الشفافية والعطاءات المفتوحة – ونطاق وقوة الصناعة – يُقدّم كثيرا من الفرص لتقديم الرِّشا الرسمية والتلاعب.

هذا يُشجّع على مأساة المصلحة العامة – أي استغلال الموراد العامة من الهواء الطلق من قِبل أصحاب المصالح الخاصة، التي يتم تسهيلها من قِبل المُنظمين الضعفاء.

يتم إنتاج كثير من الكهرباء في الصين من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم التي تبعث الجسيمات، وأكسيد النيتروز وثاني أكسيد الكبريت أكثر من مصادر الطاقة الأخرى. بكين تحاول كبح الانبعاثات، لكن يطغى عليها انجراف التلوّث.

لندن لم تقضِ على المشكلة، حيث أشارت إحدى الدراسات إلى أنه لا يزال يتم فقدان ما يُعادل 9400 حياة سنوياً بسبب تلوّث الهواء، خاصة من أبخرة الديزل، لكن، إلى جانب لوس أنجلوس وغيرها من المدن، أدركت الخطر وتمكّنت من الاستجابة.

كثير من المدن في البلدان النامية لا تهتم كثيراً بشأن هذا التهديد حتى الآن، لكنها تستطيع تنظيف نفسها. المشكلات التي تُعانيها بكين ونيودلهي أظهرت الحاجة المُلحّة.

بحلول عام 2050، من المتوقع أن يعيش 6.3 مليار من أصل تسعة مليارات شخص في العالم، في مناطق حضرية وسيحتاجون إلى التنفس. العالم لا يجب أن يضيع وسط الضباب الدخاني.