كتب جورج حايك في صحيفة “الجمهورية”:
لا يجوز الاستهانة بما يُشبه التحالف بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر». وقد تظهَّر هذا التحالف على نحو واضح في مسار التصدّي لـ«التسوية» التي كان طرحها الرئيس سعد الحريري بترشيح النائب سليمان فرنجية طيلة الأسبوعين الفائتين.أكمل حزب «الكتائب اللبنانية» في ما بعد عقد هذا التحالف ليصبح ثلاثياً بعدما جمعت بين الأفرقاء الثلاثة «مصيبة» الإتيان بفرنجية رئيساً للجمهورية لِما يمثّله شخصه وأفكاره بالنسبة إلى «القوات» و«الكتائب» من انتماء صافٍ لقوى «8 آذار» ولا سيما تأييده للرئيس السوري بشار الأسد واستراتيجية «حزب الله» من جهة، ولِما يمثّله من تحدٍّ تنافسي لطموحات رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون للوصول إلى قصر بعبدا من جهة أخرى.
إنطلاقاً من هذه الاعتبارات تكثّفت عمليات التنسيق بين «القوات» و»التيار»، ويبدو انّ «العمارة» التي انهمكا منذ أشهر في بنائها بحرص شديد تكاد تكتمل، بدءاً من إعلان النوايا وتبريد الساحة المسيحية وإزالة كل أسباب العدائية مروراً بقانون استعادة الجنسية وصولاً إلى تنسيق كثيف لمواجهة تسوية ترشيح فرنجية.
سرّ نجاح هذه العلاقة المستحدثة التي اجتازت مطبّات وعراقيل كثيرة، وحتى ما يُشبه الفتن لتفريقهما، هي العمل كل يوم بيومه على الملفات المطروحة ومن دون تسرّع، مع الكثير من العقلانيّة والواقعيّة والتخلي عن الحسابات المستقبليّة الطموحة على طريقة «بَس نوصل عليها منصلّي عليها».
لا شك في أنّ هذا التقارب الذي يتقدّم بخطوات ثابتة بين الحزبين الأكثر تمثيلاً والأكبر حجماً على الساحة المسيحية، بدأ يُربك الأفرقاء الآخرين، وهو تقارب قادر على تعطيل أي مشروع لا يصبّ في مصلحة المسيحيين ولو أخذ الطرفان في الإعتبار أحياناً مراعاة حلفائهما، وتبدو تسوية الحريري – فرنجية نموذجاً واضحاً عن نوعيّة «ضحاياهما» في حال كانا معارضين على سير الأمور لألف سبب وسبب.
ولا بد من الاعتراف أنّ الحزبين بالتعاون مع «الكتائب» جمّدوا التسوية في الوقت الحاضر على رغم الزخم الدولي الذي تمتعت به، وانصرفت الجهات المحلية المعنية إلى إعادة درس خياراتها في ظلّ تماسك «القوات» و«التيار» اللذين لن يوفّرا جهداً لدرس قانون انتخابات جديد يتوافقان عليه فيضعان كل الأفرقاء أمام أمر واقع جديد إذا أقدما على التحالف في الانتخابات البلدية والاختيارية المقبلة ثم الانتخابات النيابية، وهذا ما يطالب به المجتمع المسيحي منذ أعوام طويلة.
أما إذا تمّ إعادة إحياء تسوية الحريري – فرنجية في لحظة ما، فلن يكون الحزبان أكثر مرونة في مواجهتها، باعتبار أنّ «الجنرال» لن يقبل في الوقت الحاضر التباحث في أي اسم سواه لرئاسة الجمهورية حتى ولو كان من أقرب المقرّبين.
أمّا «القوات اللبنانية» فتعتبر بديهياً أن ترفض وصول خصمها السياسي إلى الموقع الأول في الدولة، وهو لم يُبدِ حتى اليوم أي استعداد للتخلي عن مبادئ «8 آذار» بل يكرّر في كل إطلالاته الإعلامية تمسّكه بها نظراً إلى مبدأيته ووفائه لخطّه السياسي التاريخي.
لكن ما الأسلحة التي سيستعملها الثنائي ميشال عون وسمير جعجع لمواجهة تسوية الحريري – فرنجية إذا عادت إلى الأضواء، خصوصاً أنّ «حزب الله» لا يزال متمسكاً بترشيح عون؟ حتماً قد يعتبر عون وجعجع أن هذا السؤال مفخخ أو ربما سابق لأوانه، إلّا أن لا شيء مستحيلاً وستكون عيون جميع المراقبين مفتّحة وليس مستبعداً أن تكون هناك مفاجآت من العيار الثقيل قد تقلب الطاولة على رؤوس الجميع.