كثيرةٌ هي مصادر الثروة الطبيعية الموجودة في باطن الأرض تحت التربة الأسترالية الغنية، ولذا يمكن أن يُغفر للعالم اعتقاده بأن تلك المصادر هي السبب في إطلاق اسم ’البلد المحظوظ‘ على أستراليا.
تمتلك أستراليا مصادر هائلة من الحديد الخام والفحم واليورانيوم والغاز الطبيعي. وقد لعبت هذه المصادر دوراً رئيسياً في نمو اقتصاد هذا البلد وخلق فرص عمل تصل لنحو 2 في المئة من إجمالي الوظائف، وفقا لوزارة الصناعة والعلوم الأسترالية.
لكن البلاد لم تكن محظوظة في الآونة الأخيرة نتيجة انحسار الموارد والتراجع في مجال التعدين والذي أدى إلى فقدان عشرات الآلاف من الوظائف وتجميد العمل في مشروعات بمليارات الدولارات.
وفي إطار مواجهة التسريحات الجماعية للعمال، تعيد الدولة النظر في كيفية ملء هذا الفراغ. ويرى خبراء أن أستراليا بحاجة للابتكار وإعادة صقل المهارات حتى تكون قادرة على مواكبة التنافس في مستقبل تحركه التقنيات وإلا ستتخلف عن الركب.
بالأرقام
تقول البيانات الرسمية الصادرة عن المكتب الأسترالي للإحصاء إن عدد عمال التعدين الذين فقدوا وظائفهم خلال الإثني عشر شهراً الماضية وصل إلى 50 ألف عامل، أي ما يعادل 18 في المئة من إجمالي العاملين في هذا القطاع والبالغ عددهم 270 ألفاً. أما قطاع الصناعات التحويلية فقد خسر 25300 وظيفة منذ فبراير/ شباط 2014.
كان بيتر هيم أحد المتضررين من هذا التراجع. بدأ هيم العمل في قطاع الموارد الطبيعية في ذروة ازدهاره، وعمل ثلاث سنوات كمدير لتطوير الأعمال بشركة “كوفي انترناشنال” للاستشارات والخدمات المهنية.
وفي عام 2012، أخبره محللو الأسواق أن “عهداً رائعاً من الإزدهار” بقيادة الصين ومن بعدها الهند سيدوم لمدة تتراوح بين 20 و25 عاما. يقول هيم، الذي يقدم الآن أعمالا إستشارية لدى شركات صغيرة تختص بالبيئة والجيوتقنيات: “لكن كل شيء توقف فجأة، وهو ما أصاب الجميع بالدهشة.”
هل هذا رهان أكثر أماناً؟
وفيما يتعلق بالموارد الطبيعية، يعد الغاز الطبيعي هو بارقة الأمل الوحيدة لأستراليا، ومن المتوقع أن تزداد إنتاجيته بنسبة 90 في المئة خلال السنوات الخمس القادمة، وفقا لتقرير صدر في مايو/ آيار الماضي من قطاع الغاز الطبيعي المسال في أستراليا. وكشف التقرير أن عدد الآبار المنتجة سيزداد بنسبة 400 في المئة، وستزداد البنية التحتية لشبكة أنابيب الغاز في أستراليا بنسبة 45 في المئة.
يقول بول فينيلي، المدير التنفيذي بالوكالة للرابطة الأسترالية لاستكشاف وإنتاج النفط: “أمام أستراليا فرصة حقيقية للاستفادة من السنوات القليلة القادمة لتصبح رائدة العالم في إنتاج الغاز النفطي المسال، وهو ما يحقق عائدات طويلة الأجل لجميع قطاعات الصناعة.”
إعادة التفكير في المستقبل
ورغم كل ما سبق٬ يتعين على أستراليا أن تطور قوتها العاملة لكي تزدهر خلال السنوات القادمة.
يقول تقرير صادر عن لجنة التنمية الاقتصادية الأسترالية في شهر يونيو/ حزيران الماضي إن نحو 40 في المئة من الوظائف الأسترالية الموجودة حالياً مهددة بالخطر. وتزداد نسبة هذه المخاطر لتصل إلى أكثر من 60 في المئة في المناطق الريفية والأقاليم.
ويضيف التقرير أن هذه التحديات ليست مقصورة على أستراليا فحسب، بل تتعداها لتشمل كل الدول المتقدمة، وسيتوقف الازدهار الاقتصادي لهذه الدول في المستقبل على قدرة اقتصادياتها على مواكبة التغيرات التكنولوجية.
ويوصي التقرير بأن تسير أستراليا على خطى الدنمارك التي تتميز بالمرونة في التوظيف والإقالة وتقديم إعانات حكومية لائقة للعاطلين عن العمل وبرامج نشطة لإعادة صقل المهارات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن العمال هم أكثر الموارد قيمة.
وبالفعل، شهدت البلاد انتعاشا في وظائف الخدمات المهنية والعلمية والتقنية. وخلق الازدهار في قطاع تشييد المباني السكنية الآلاف من وظائف العمل ـ تتوقع الحكومة الأسترالية أن تنمو العمالة في قطاع البناء إلى 137,900 خلال السنوات الخمس القادمة. كما وجد آلاف آخرون فرص عمل في قطاعي الفنون والترفيه.
وتزايد الطلب في مهنة التمريض التي من المتوقع أن تصبح أحد أسرع المهن نمواً في البلاد بحلول عام 2050. تستند هذه التوقعات على ما جاء في تقرير ’التركيز على المستقبل‘ للحكومة الفيدرالية.
تشمل المهن الأخرى، التي يتوقع لها النمو، التربية والتعليم والتجارة والأعمال، وتدبير الموارد المالية، وتقنية المعلومات، والمحاسبة والموارد البشرية.
ويتوقع لهذا النمو في قطاعات الاقتصاد الأخرى أن يتجاوز الوظائف المفقودة في قطاع التعدين، حسب وزارة الصناعة والعلوم، التي تتوقع أن تزيد فرص العمل في جميع القطاعات لتصل إلى 1.16 مليون وظيفة، أو 10 في المئة خلال السنوات الخمس القادمة.
التفكير من منظور مغاير
يعد الابتكار هو الحل الأمثل لدعم الاقتصاد الأسترالي، سواء شمل ذلك قطاع الثروات الطبيعية أو غيرها. ذلك هو رأي نايغل كورت، كبير مستشاري قطاع الموارد الطبيعية لدى شركة “أكسنتشور آشيا باسيفيك”.
يقول كورت: “تجد على الدوام من يكون قادراً على المنافسة وإنجاز عمل ما بشكل أفضل وأرخص وأكثر جودة. وبالتالي، بات الابتكار أمرا أساسيا.”
تشجع الحكومة قطاعات الصناعة والخدمات التي يزداد عليها الطلب، مثل التمريض. كما تدير الحكومة حملات ترويجية تهدف إلى تشجيع الأستراليين الشباب على الانخراط في دورات التعليم العالي بغرض اكتساب مهارات في وظائف أحوج ما يكون إليها البلد.
ومع ذلك، فإن الاستثمار في أن تكون “ذكيا” ليس كافيا، على حد قول مورين ثورستن، رئيسة شركة “غود ديزاين أستراليا”، التي تؤمن بأن بلد الإبداع والابتكارات يقوم على أساس الخبرة التقنية العميقة. وتضيف: “نحتاج إلى تشجيع الإبداع، كما نحتاج إلى رواد وأشخاص قادرين على تحدي الوضع الحالي.”