كتب طوني أبي نجم
دولة الرئيس
تحية وبعد،
تأتي الذكرى العاشرة لاغتيالي وأحوال لبنان ليست على ما يرام، بل ربما هي الأسوأ منذ استشهادي. السبب بكل بساطة أن أحوال قوى 14 آذار لم تعد بخير.
و14 آذار للتذكير، أشعل ثورتها استشهاد والدك الرئيس رفيق، قبل أن تكرّ سبحة الاغتيالات فيتساقط رجالات الوطن الواحد تلو الآخر، ولي الشرف أنني كنت من بينهم وبذلت دمائي وروحي من أجل لبنان الحرية والسيادة والاستقلال ومشروع الدولة القوية .
ماذا يجري اليوم يا دولة الرئيس؟ هل يُعقل ما أقرأه عن “تسوية” هي استسلام بكل ما للكلمة من معنى؟ وهل استشهدنا نحن لكي تلهثوا بحثاً عن “تسوية” مع أبرز حلفاء بشار الأسد على الإطلاق؟ هل هذه هي مفاهيم “ثورة الأرز” التي تقاطر مليون ونصف المليون لبناني من أجلها الى ساحة الحرية في ذاك اليوم المجيد 14 آذار 2005؟
دولة الرئيس،
إن أولى مفاهيم “انتفاضة الاستقلال” هو إرساء منطق الشراكة الوطنية بين أركان الفريق السيادي العابر للطوائف. الشراكة التي تجلّت في امتزاج دماء رفيق الحريري وباسل فليحان مع وليد عيدو وأنطوان غانم وبيار الجميل ووسام الحسن ووسام عيد وجورج حاوي وسمير قصير مع محمد شطح ومعي، كما مع من أنقذتهم العناية الإلهية فبقوا شهوداً أحياء مثل مروان حمادة والياس المر ومي شدياق.
نحن سقطنا لأننا لم نقبل بأي تسوية مع نظام بشار الأسد.
سقطنا لأننا لم نقبل بأن نساوم على مبدأ حصرية السلاح بيد الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية الشرعية.
سقطنا لأننا لم نقبل منطق الشراكة في السلطة وتقاسم الجبنة على حساب المبادئ السيادية والعناوين الوطنية.
سقطنا لأننا قررنا المقاومة السياسية السلمية ورفضنا منطق الاستسلام.
فلماذا الاستسلام اليوم؟ لماذا ترفعون شعار “ليس بيدنا حيلة”؟ لماذا ترفضون الصمود في وجه كل الضغوط؟
الشراكة يا دولة الرئيس تكمن بألا تتجاوز أياً من حلفائك، وتحديداً المسيحيين منهم، في مبادرة كمثل مبادرتك تتعلق بانتخابات رئاسة الجمهورية، لأنها تعنيهم بالدرجة الأولى كما يعنيك تماما موقع رئاسة الحكومة بالدرجة الأولى. وعدم تجاوزهم لا يعني مجرّد إبلاغهم، بل يعني عدم السير في مبادرة يرفضونها.
دولة الرئيس،
هل تذكر أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري سقط ضحية وقوفه في وجه السعي للتمديد للرئيس الأسبق إميل لحود، ولم يسعفه تصويته لمصلحة التمديد بعد صدور القرار 1559، فأطاحوا به بطنين من المتفجرات الحاقدة في قلب بيروت التي أحبّها؟
ماذا ستقول لرفيق الحريري؟ هل ستقول له إن لا حيلة بيدك سوى إبرام صفقة مع أخلص أصدقاء بشار الأسد في لبنان بعد 10 سنوات على اغتياله؟
ماذا ستقول لسمير قصير الذي سقط لأنه تحدث عن ربيع بيروت وربيع دمشق؟ هل ستقول له بأنك تؤمن استمرارية لنظام بشار الأسد في لبنان؟!
ماذا ستقول لوليد وبيار وباسل وأنطوان ووسام ولي ولكن من ضحّى بالغالي والنفيس؟ ألا يحق لنا أن نسألك: لماذا استشهدنا نحن؟ ألكي تساوم أنت؟ ألم يكن في وسعنا المساومة والبقاء على قيد الحياة مع عائلاتنا وأحبائنا؟
دولة الرئيس،
إن التذرّع بأن أوضاع البلد لم تعتد تحتمل حجّة واهية وساقطة. تابع نبض الشارع، نبض جمهور 14 آذار الذي يصرخ اليوم رافضاً لهذه “التسوية- الصفقة- الاستسلام”. اللبنانيون يفضّلون كرامتهم أولا على حفنة من الدولارات الوهمية التي لا يمكن أن تكون ثابتة في غياب مشروع الدولة الذي استشهدنا في سبيله. تذكّر يا دولة الرئيس أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري أجرى العديد من “التسويات” التي كانت تمنح لبنان بعض الأوكسيجين الاقتصادي المؤقت لكن هذه التسويات لم تبنِ وطناً، ولهذا انتفض رفيق الحريري يوم قال في العام 2004 إن لبنان لا يمكن أن يُحكم من دمشق… أتذكر يا دولة الرئيس؟
في الذكرى العاشرة لاستشهادي، أناشدك باسمي وباسم رفاقي شهداء “ثورة الأرز” بأن توقف ما أسميتَه أنت “تسوية”، وهي في الحقيقة ليست أكثر من استسلام مقيت وإسقاط للمبادئ التي ناضلنا واستشهدنا في سبيلها.
في الذكرى العاشرة لاستشهادي، أوجّه التحية لجمهور “ثورة الأرز” وأعود لأتلو معهم القسم الذي وحّدنا كلبنانيين: “نقسم بالله العظيم، مسلمين ومسيحيين، أن نبقى موحدين، الى أبد الآبدين، دفاعاً عن لبنان العظيم”.!