كشفت تقارير استخباراتية دولية أن إيران بدأت في سحب قوات النخبة، أو ما يُسمى بـ”الحرس الثوري الإيراني”، من “العملية العسكرية التي تقودها وتديرها روسيا في سوريا”.
وأشارت وكالة “بلومبيرغ” الأميركية الى أنه “من بين الأسباب الرئيسية لهذا الانسحاب الإيراني الخسائر الكبيرة التي تكبدتها القوات الإيرانية في سوريا خلال الشهرين الماضيين، وبالتحديد منذ بدء العملية العسكرية الروسية هناك”.
ونقلت “بلومبيرغ” عن الاستخبارات الأميركية معلومات مفادها أن “قائد فيلق القدس في حرس الثورة الجنرال قاسم سليماني أصيب بجروح، وربما قتل خلال معارك في ريف حلب”، كما نقلت عن روبرت فورد، السفير الأميركي الأسبق في دمشق، قوله إن “المذبحة الاقتصادية” التي تعرضت لها إيران لعبت دورا رئيسيا في انسحابها من العملية مع روسيا في سوريا. ويلفت فورد إلى أن “حجم الإنفاق من الجانب الإيراني على الأسد كان كبيرا جدا، بصورة غير متوقعة”.
ولا يبدو أن عملية سحب القوات الإيرانية تسري على منطقة حلب شمال سوريا، إذ أّكد العقيد عبد الجبار العكيدي، القيادي في الجيش السوري الحر، أن “الهجمة البرية التي تُشن على ريف حلب الجنوبي يقودها عناصر إيرانيون أو تابعون لإيران كحزب الله والميليشيات العراقية والأفغانية”، لافتا إلى أن “النظام انهار في المنطقة ولم يعد لديه جنود يخوضون معارك هناك”.
وقال العكيدي لـ”الشرق الأوسط”: “هناك خلافات كبيرة بين الروس والإيرانيين، وهو ما يبدو واضحا لنا خلال تنصتنا على محادثاتهم”، مشيرا إلى أن “الروس كانوا يعولون على تحقيق الإيرانيين تقدما كبيرا وفعليا على الأرض كونهم مدعومين بآلاف الغارات الجوية الروسية، وقد سعوا لأن يحصل ذلك قبل مؤتمر الرياض أو مؤتمر نيويورك، وهو ما لا يمكن أن يحصل”.
وتناقلت وكالات الأنباء طيلة الشهرين الماضيين أخبارا كثيرة وبصورة شبه يومية حول مقتل إيرانيين في سوريا من عناصر وضباط وقوات النخبة الإيرانية، الذين يشاركون بصورة مباشرة في العمليات القتالية في غالبية المدن السورية.
وكان قاسم سليماني، الذي يوجد في سوريا بشكل شبه دائم، قد زار جبهات القتال في حلب لوضع خطط العمليات والإشراف عليها بشكل مباشر، وخلال زيارته الأخيرة في شهر تشرين الثاني الماضي، تعرض موكبه لهجوم، وفق ما أكدت مصادر المعارضة السورية، وأصيب بجروح خطيرة تم نقله على أثرها إلى إيران لتلقي العلاج. بينما أكدت مصادر أخرى أن سليماني قتل.
ولم يكن سليماني الوحيد الذي أصيب من قوات النخبة الإيرانية خلال المواجهات في سوريا، إذ يُظهر رصد المعلومات التي تنشرها وسائل إعلام إيرانية أن عدد القتلى الإيرانيين في سوريا منذ عام 2013 يزيد على 500 جندي وضابط، بينهم قرابة 30 ضابطا رفيعي المستوى مثل العميد عبد الرضا مجيري قائد كتيبة الإمام الحسين، وحسين همداني نائب قاسم سليماني في فيلق القدس، والجنرالين حاج حميد مختاربند وفرشاه حسوني زاده، اللذين قُتلا في سوريا خريف العام الحالي، وكل هؤلاء من قوات “النخبة” الإيرانية.
ويرى مراقبون أنّه في حال ثبُتت صحة المعلومات التي نقلتها “بلومبيرغ” عن أن إيران قد تنسحب من المشاركة مع روسيا في العمليات في سوريا، فأحد الأسباب الرئيسية سيكون العلاقات بين موسكو وتل أبيب، وبصورة رئيسية التنسيق بينهما خلال تنفيذ الطلعات الجوية في الأجواء السورية. ومن الطبيعي أن إيران مستاءة والأرجح أنها غاضبة إزاء هذا التنسيق، لا سيما أن الطائرات الإسرائيلية شنت عدة غارات على مواقع في الأراضي السورية، وقالت إن طائراتها استهدفت أسلحة كانت في طريقها إلى حزب الله، ومثال على ذلك الغارة التي شنها الطيران الإسرائيلي على مناطق بالقرب من مطار دمشق الدولي مطلع شهر تشرين الثاني الماضي.
ويبقى هناك سبب آخر ربما يكون رئيسيا أيضا ضمن جملة الأسباب التي ربما تقف خلف خطوة مثل انسحاب إيران من التعاون مع روسيا في العمليات في سوريا.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن مصادر سورية متقاطعة، من المعارضة والموالاة، تحدثت منذ ظهور القوات الروسية في سوريا عن عمليات “حل وتفكيك” لبعض الميليشيات الطائفية التي شكلتها إيران وتعتبرها نواة لنفوذها مستقبلا في سوريا، مثلما هو الحال بالنسبة لـ”حزب الله” ودوره في لبنان. وقالت مصادر من دمشق إن روسيا طالبت بحل هذه الميليشيات وحصر السلاح بيد الجيش السوري وحده، داعيةً الراغبين للانضمام للقتال تحت راية وإدارة وإشراف قيادة أركان جيش النظام. وترمي روسيا من وراء ذلك إلى تحقيق عدة أمور في مقدمتها الحيلولة دون ظهور ميليشيات مسلحة خارجة عن القرار العسكري لدمشق، وقد تتمرد في لحظة ما على القرار “العسكري الرسمي”، مما سيخلق لروسيا مشاكل لم تحسب حسابها.