مضت ثلاثة أعوام ونصف العام على إعطاء إيملي وايتهيد، من بنسيلفانيا، علاجاً تجريبياً لمرض سرطان الدم الليمفاوي الحاد الذي كانت تُعانيه، بعد أن فشلت جميع العلاجات المتاحة.
الآن عمرها عشرة أعوام وهي خالية من السرطان. إنها الطفلة الخاصة التي تعتبر مثالا – حرفياً – لفئة جديدة من الأدوية التي شكلت منذ ذلك الحين واحداً من مجالات تطوير الأدوية الأكثر مراقبة من جانب الأطباء والمستثمرين في آن معا.
في الأيام القليلة الماضية نشرت شركة نوفارتيس بيانات مُشجّعة أكثر تُشير إلى أن العلاج الذي أنقذ إيملي في طريقه ليُصبح واحداً مما يُسمّى علاجات CAR-T في السوق. وتأمل الشركة في تقديم طلب للحصول بحلول نهاية العام المُقبل على موافقة الهيئة التنظيمية في الولايات المتحدة.
لكن “جونو ثيرابيتكس” Juno Therapeutics و”كايت فارما “Kite Pharma، وهما شركتان من الولايات المتحدة، ظهرتا في أعقاب الشركة السويسرية، إلى جانب مجموعة من الشركات الأخرى التي تتدافع للمواكبة في مجال جذب مليارات الدولارات من الاستثمارات.
CAR-T هي اختصار لـ “الخلايا التائية لمستقبِلات مولدات الضد السجامية المصممة جينياً” التي تنشرها هذه العلاجات لمطاردة وتدمير السرطان. وفي حين أن الجانب العلمي مُبهر، إلا أن المُتشكّكين يشعرون بالقلق منذ فترة طويلة من أن هذه العملية قد تكون مُعقدة للغاية، على نحو يجعلها غير مُجدية اقتصادياً. مع ذلك، مجموعة من بيانات التجارب السريرية التي تم الكشف عنها في الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية لأمراض الدم في أورلاندو هذا الأسبوع، زادت الثقة بأن العلم ينجح.
يقول إيريك كريسكولو، المحلل في شركة ميزوهو للأوراق المالية: “إن استخدام علاج الخلايا التائية المُصممة جينيا لسرطانات الدم لا يزال يُظهر نتائج باهرة جداً وقاعدة المعرفة تتوسّع بسرعة”. ولاحظ أن الذين يحضرون مؤتمر أورلاندو قالوا إنهم لم يروا في الأعوام الثلاثة الماضية أي شيء في علم الأورام “يتفجّر بالطريقة التي فعلتها أبحاث الخلايا المناعية المُصمّمة جينيا”.
لكن رغم كل هذا التفاؤل، لا تزال هناك أمور كثيرة بحاجة إلى إثبات. ففي حين تبدو التكنولوجيا واعدة في علاج سرطانات الدم، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت ستنجح مع الأورام الصلبة – وهي سوق أكبر بكثير. وتظل هناك أسئلة أيضاً حول سلامة الطريقة التي تُطلق جيشاً من الخلايا المناعية المشحونة إلى مجرى الدم. فهي تنطوي على مخاطر في حال تم تدمير كثير من الخلايا السليمة أثناء دهم السرطان.
لكن أكبر الشكوك تبقى اقتصادية. علاجات الخلايا التائية لمستقبِلات مولدات الضد المُصممة جينياً، الأكثر تقدّماً، التي طوّرتها “نوفارتيس”، و”جونو”، و”كايت” هي علاجات “ذاتية”، يجب تصميمها خصيصاً لكل مريض.
هذا ينطوي على إزالة خلايا الدم البيضاء من المريض وإعادة هندستها في مختبر بطريقة تُعزّز قدرتها على كشف وقتل السرطان. بعد ذلك يتم إعادة غرس الخلايا المُعدّلة في دم المريض، حيث تتكاثر.
وبحسب بعض المحللين، من المرجح أن تصل تكلفة العلاج إلى 300 ألف دولار لكل مريض – ومن المحتمل أن يجعلها ذلك من بين العلاجات الأكثر تكلفة في السوق، في وقت يواجه فيه ارتفاع تكاليف الأدوية تدقيقاً متزايداً في الولايات المتحدة وأوروبا.
ويُشير المُتشكّكون إلى عملية الإفلاس العام الماضي لشركة ديندريون، الشركة الأمريكية التي طوّرت دواء سرطان البروتستات باستخدام تكنولوجيا مماثلة لتكنولوجيا لدواء CAR-T، للتدليل على المخاطر. وتعززت هذه الأسئلة بسبب ظهور نهج منافس من شركة فرنسية تسمى سيليكتيس Cellectis تعمل على تطوير علاج CAR-T “خيفي”، مصنوع من خلايا مُتبرّع يُمكن استخدامها من قِبل أي مريض. هذا من شأنه أن يحمل تكلفة إنتاج أقل بكثير من المنتجات الذاتية. وكانت شركة سيليكتيس قد حقّقت إنجازاً رفيع المستوى الشهر الماضي، عندما كشفت أن طفلة بريطانية تبلغ عاماً واحداً تعاني سرطان الدم الليمفاوي الحاد تم إنقاذها فيما يبدو بواسطة علاجها التجريبي، ما يسجل أول استخدام له على البشر.
أندريه شوليكا، المؤسس المُشارك والرئيس التنفيذي لشركة سيليكتيس، يقول إن علاجات CAR-T الذاتية هي “خدمة وليست مُنتجا” وسيكون اعتمادها على نطاق واسع مُكلفاً للغاية. ويضيف: “علاج بقيمة مليون دولار ليس هو ما يتصوره الناس عن الرعاية الصحية”.
ويبدو أن المساهمين شعروا بالإعجاب. فقد ارتفعت الأسهم في شركة سيليكتيس أكثر من الضعف هذا العام، وعقدت “وفايزر”، مجموعة الأدوية الأمريكية، صفقة لترخيص المُنتج في الولايات المتحدة.
لكن عثمان عزام، رئيس قسم علاج الخلايا والجينات في شركة نوفارتيس، يقول إن من السابق لأوانه الإعلان عن نجاح نهج شركة سيليكتيس بناءً على مريض واحد، مقارنة بمجموعة أدلة أكبر بكثير وراء العلاجات الذاتية.
ويلاحظ جيمس نوبل، الرئيس التنفيذي لـ “أدابتيميون” Adaptimmune، شركة علاج الخلايا البريطانية، أن التكنولوجيا تقدّمت منذ فشل شركة ديندريون، بما في ذلك على صعيد القدرة على تجميد الخلايا قبل وبعد إعادة هندستها. وهذا يُقلّل من الحاجة إلى أن يتم نقل الدم من المريض إلى المختبر والعودة في غضون ساعات.
ويقول هانز بيشوب، الرئيس التنفيذي لشركة جونو، إنه لا يشعر بالقلق من العقبات اللوجستية. علماً بأن جيف بيزوس، مؤسس أمازون، هو مستثمر كبير في شركة جونو، يقول: “إن أمازون تستطيع إيصال الأشياء إلى عتبة بيتك في غضون 30 دقيقة. الخدمات اللوجستية لهذا سهلة. إنها عملية جعل الخلايا ذات صدقية وفاعلية من حيث التكاليف بحيث ينبغي أن يُركّز عليها الناس”.
وأعلنت شركة نوفارتيس يوم الإثنين الماضي عن بيانات تُظهر أن 55 من أصل 59 طفلا وشابا، من الذين يُعانون انتكاسا، أو مقاومة سرطان الدم الليمفاوي الحاد للعلاج، أظهروا شفاء كاملاً بعد العلاج بالدواء CTL019 الذي تنتجه الشركة. وما يُقارب 80 في المائة كانوا لا يزالون على قيد الحياة بعد 12 شهراً والأغلبية بقيت خالية من السرطان.
ويقول عزام إن كون نوفارتيس هي أكبر شركة حتى الآن بين الرواد في علاج CAR-T وخبرتها هي الأكبر في التصنيع، فإن الشؤون التنظيمية والتسويق ستمنحها ميزة على منافستيها، “جونو” و”كايت”.
وحصل مستثمرو “كايت” على أفضل عام بين المتخصصين في الخلايا التائية لمستقبِلات مولدات الضد السجامية المصممة جينيا، مع ارتفاع أسهمها بنسبة 25 في المائة منذ كانون الثاني (يناير). وتتزايد التوقعات بالنسبة للعقار الرئيس للشركة، الذي يطلق عليه KTE-C19. ويقول محللون في جولدمان ساكس إن العقار يمكنه الحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء خلال النصف الأول من عام 2017 والوصول إلى ذروة المبيعات السنوية، عند نحو ملياري دولار، بحلول منتصف العقد المقبل. وتعِد الشركة أيضا بتقديم بيانات “إثبات المفهوم” التي تشير إلى أن علاجها يمكن أن ينجح في علاج الأورام الصلبة.
من جانبها، وافقت “جونو” في حزيران (يونيو) الماضي على شراكة بقيمة مليار دولار مدتها عشر سنوات مع “سيلجين” Celgene، أكبر مجموعة أمريكية للتكنولوجيا الحيوية. وعززت الصفقة من مكانة الشركة التي يوجد مقرها في كاليفورنيا، بين الشركات الرائدة في تطوير CAR-T. وإضافة إلى أحدث بياناتها السريرية، من المقرر أن تُطِلع “جونو” المساهمين على أحدث خططها من أجل مرفق التصنيع في بوثيل، بالقرب من سياتل، الذي يمكن أن يساعد في تبديد مخاوف من أن تكنولوجيا الشركة المصمة لأغراض خاصة غير مجدية اقتصادية.
وكانت شركة سيليكتيس الفرنسية قد جمعت 228 مليون دولار عند إدراجها في بورصة ناسداك في نيسان (أبريل). وحتى الآن استخدمت الشركة علاج UCART19 على مريض بشري واحد. لكن نجاح الإجراء على الطفلة البريطانية ذات العام الواحد جذب الانتباه، لأن علاجها على خلاف العلاجات الأخرى من فئة CAR-T، منتج مصنوع من خلايا المتبرعين وليس من خلايا دم المريض نفسه. وهذا يتغلب على مشكلة كثير من مرضى اللوكيميا الذين لا يوجد لديهم ما يكفي من الخلايا المناعية السليمة من أجل زراعتها بعد العلاج الكيماوي.
هناك ميزة أخرى ينطوي عليها العلاج، وهي أن خلايا المتبرعين يمكن إنتاجها بالجملة من أجل الاستخدام في أي مريض.