لم تسقط “بالضربة القاضية”، فهل تسقط “بالنقاط”؟ سؤال شغل بيروت يوم امس مع اكتمال “الحلقات” التي كرّست حال “التريث” في ما خص مبادرة الرئيس سعد الحريري الى طرْح اسم زعيم “تيار المردة” النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، من دون ان “يغامر” كثيرون في “القفز” الى “نعي” هذه التسوية.
وكان بارزاً أمس كسْر “حزب الله” الصمت حيال مبادرة الحريري من خلال ما رشح عن اللقاء الذي عُقد ليل الخميس – الجمعة بين أمينه العام السيّد حسن نصر الله وفرنجية، وهو الأوّل منذ الكشْف عن الاجتماع بين زعيم “المردة” ورئيس “تيار المستقبل” في باريس قبل نحو شهر.
واذا كانت خلاصة لقاء نصر الله – فرنجية صبّت في خانة مناخ “الفرْملة” للملف الرئاسي، ولاقت وإن من مقلب آخر حال “الممانعة” أمام انتخاب زعيم “المردة” التي يعبّر عنها الثلاثي المسيحي الوازن، ولو كلُّ من موقعه، اي العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع والنائب سامي الجميل، فإن اوساطاً سياسية رأت عبر “الراي” ان الأمين العام لـ “حزب الله” لم يطوِ خيار فرنجية وان الحزب الذي عادةً ما يختار هو توقيت معاركه كما الحلول، يبدو كمَن يتعاطى مع تسليم الحريري بترشيح زعيم “المردة” على قاعدة “كسْب النقاط” الواحدة تلو الأخرى، وان “التوقيت المناسب” له يبقى حين تكتمل شروط الترشيح (بأن علينه الحريري رسمياً) كما الشروط الأخرى الأهمّ المتعلّقة بالسلّة المتكاملة التي تشتمل على الحكومة رئاسةً وتركيبة وتوازنات وبياناً وزارياً وقانون الانتخاب.
ويوحي موقف “حزب الله” كما الكشف عن ان رئيس حزب”القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع كان ابلغ الى الحريري قبل نحو 3 أشهر معارضته اي ترشيح لفرنجية، بأن “القطار” الرئاسي لن يبلغ محطة الانتخاب قبل السنة الجديدة وبالتأكيد لن يحصل ذلك في جلسة الاربعاء المقبل، وسط سباق يرتسم بين مساعي بعض الأفرقاء الداخليين لضبط هذا الاستحقاق على “توقيتهم” المحلي – الخارجي و”دفتر شروطهم” السياسي، وبين الإصرار الدولي الذي تعبّر عنه واشنطن وباريس خصوصاً على ان مرحلة الشغور الرئاسي انتهت ولا بد من انتخاب رئيس “الآن”، إما يكون فرنجية او اي مرشّح آخر يجري التوافق عليه.
وكشفت صحيفة “الراي” الكويتية ان اللقاء بين نصر الله وفرنجيّة كان أشبه بمكاشفة تناولت ملابسات ترشيح زعيم “المردة” غير الرسمي من الألف الى الياء، ولا سيما في ما خص ظروفها وتوقيتها والمواقف في شأنها، وسط انطباع بان حصيلة اللقاء خلصت الى ما يشبه “لَعَم” قالها “حزب الله” لفرنجية، الذي يستمرّ في حراك يحاول من خلاله إحداث اختراقات صعبة تضمن إبقاء مبادرة ترشيحه من الحريري على قيد الحياة.
وفُهم من أوساط واسعة الاطلاع ان نصرالله نصح فرنجية بعدم السير وحيداً في خيار ترشيحه لان الأمر يعني “8 آذار” مجتمعة، كاشفة لـ “الراي” عن ان الامين العام لـ “حزب الله” قال لزعيم “المردة” انه ما دام الفريق الآخر غير متفق على ترشيحك فلماذا تنقل هذا الشرخ الى صفوفنا؟ ومن الافضل ترْك الكرة في ملعبهم.
وتحدّثت الأوساط عيْنها عن ان نصرالله دعا فرنجية الى الصبر وعدم الاستعجال، خصوصاً ان الحريري لم يعلن مبادرته رسمياً، اضافة الى ان لا ضوء اخضر سعودياً للذهاب بترشيحك الى ما هو أبعد من مجرد فكرة، ملمحاً الى ان السعودية لم تقل كلمتها في شأن الاستحقاق الرئاسي وموقفها ما زال مجرد عموميات.
وصارح نصرالله المرشح الجدي وغير الرسمي، اي فرنجية، بحسب هذه الأوساط حين جدد تأكيده اننا لا ندعم إلا عون مرشحاً للرئاسة وعندما تختلف الامور عند زعيم “التيار الوطني الحر” يكون للبحث صلة، راسماً علامات استفهام حول توقيت ما يشاع عن مبادرة لم تتضح جديتها حتى الآن.
وأوحت هذه الأوساط بان نصرالله كان واضحاً في دعوة فرنجية لابقاء الكرة في مرمى “14 آذار”، التي لم تخرج لاعلان تبني ترشيحه، وسط غياب اي معطيات تؤشر الى تبني السعودية مثل هذا الترشيح.
وفي السياق نفسه كشفت تقارير صحافية عن ان فرنجية أكد امام نصر الله التزامه “حماية وحدة فريقنا السياسي، ولهذا أعلنتُ عدم التخلي عن دعم العماد عون كمرشح لفريقنا لرئاسة الجمهورية”. وبعدما شكا تعرضه لحملة من جانب “الحلفاء”، شدد على أنه “ملتزم الخط السياسي الذي أنا عليه منذ زمن طويل، والتزام الاتفاق على ترشيح العماد عون، لكنني أسأل: الى متى سنستمر في هذا الموقف؟”. وشرح ما “أراه فرصة لنا ولفريقنا، من خلال إقرار الفريق الآخر، بترشيح واحد منا لرئاسة الجمهورية، وأنه في حال تبيّن أن الفريق الآخر لا يريد السير بالعماد عون، وهم في المقابل يعرضون دعمي، فإلى متى سننتظر، وما هو الحد الزمني، وما الخطة البديلة؟”.
وكرر فرنجية أنه لم يقدّم أي التزام سياسي للفريق الآخر، وأن قبوله ترشيحه للرئاسة ليس فيه مقايضة مع الثوابت والتفاهمات الوطنية. وأنه مستمر سياسياً وإعلامياً داعماً لترشيح العماد عون، لكنه كرر السؤال: إنما إلى متى؟”.
وترافق انكشاف مضمون لقاء نصر الله – فرنجية مع نشْر كلام لجعجع قاله خلال لقاء حزبي وكشف فيه أنه خلال لقائه بالحريري في الرياض قبل ثلاثة أشهر”حصل تباين كبير في وجهات النظر في ما يتعلّق بالملف الرئاسي”. وبحسب ما قال جعجع لكوادره، فقد عبّر الحريري أمامه”عن انزعاجه من استمرار الوضع على ما هو عليه”، مؤكداً أن”على فريق الرابع عشر من آذار تسمية مرشّح توافقي، كي نرفع عن أنفسنا مسؤولية التعطيل، ونرمي الطابة في ملعب فريق الثامن من آذار”. فما كان من جعجع إلا أن رفض هذا الطرح لسببين: الأول أن”ذهاب 14 آذار نحو تبنّي مرشّح توافقي، سيدفع حزب الله إلى التمسّك بالعماد عون أكثر من أي وقت. كما ان عون سيستغلّ هذا الطرح لمخاطبة الشارع المسيحي، والقول إن 14 آذار تبنت ترشيح جعجع لتقطيع الوقت ليس إلا”.
وبحسب ما نُسب الى جعجع فان رئيس”القوات”اقترح على الحريري”انتظار اللحظة المؤاتية التي يكون فيها الفريق الآخر، وتحديداً حزب الله جاهزاً للتسوية”. فما كان من الحريري إلا أن رمى قنبلة في وجه جعجع قائلاً:”شو رأيك نرشّح سليمان فرنجية”؟ ولم يخف جعجع وقع الصدمة من طرح الحريري، فأجابه”هذه مبادرة لا يُمكن أن أسير بها. أنا أحاور العماد عون منذ سبعة أشهر ولم أفكر يوماً في ترشيحه، فكيف تطلب منّي مباركة ترشيح شخصية أبعد ما تكون عن ثوابتنا وخياراتنا السياسية”.