IMLebanon

الأملاك العامّة البحرية: قانون لحماية مصالح المحتلين

seashore
هديل فرفور

«إن إقرار اقتراح القانون هو اعتراف بعجز الدولة عن مواجهة المعتدين على الملك العام»، هذا ما قاله عضو لجنة الإدارة والعدل النيابية النائب غسان مخيبر، أول من أمس، خلال مداخلته في النقاش الذي نظّمته جمعية «نحن» حول الأملاك العامة البحرية.
عبّر مخيبر، صراحةً، عن «فساد» هذا الملف، الذي يفضح غياب الدولة، مقرّاً بصعوبة إقرار هذا النوع من القوانين، «فالمعتدون على الملك العام هم من مختلف الأحزاب اللبنانية».

كلام مخيبر أتى تعقيباً على مداخلات عدة للمشاركين في النقاش، وقد عكست وجهتي نظر: الأولى، تبناها المدير العام للنقل البري والبحري في وزارة الأشغال العامة والنقل عبد الحفيظ القيسي، المتمثلة بالنظر إلى مشروع القانون كخطوة للاقتصاص من «الوقحين» وإعادة بعض من حقوق الدولة المسلوبة. والثانية، تبناها المحامي إيلي خطار، مؤلف كتاب «الأملاك العامة البحرية بين القانون والاجتهاد»، والباحث في الشركة الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، وهي تشكك بجدية هذا القانون «الذي يحتاج قبل كل شي إرادة سياسية»، على حد تعبير شمس الدين، ما يعني عدم وجود إمكانية للتقدم في حسم هذا الملف.
في نهاية أيار الماضي، أقرّت لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه اقتراح القانون الرامي إلى «معالجة الإشغال غير القانوني للأملاك العمومية البحرية»، حينها عرضت «الأخبار» مسوّدة المشروع النهائية على قانونيين، من ضمنهم المحامي خطّار. أجمع هؤلاء على أن القانون بصيغته الحالية (قبل التعديلات التي من الممكن أن تدخلها لجنة الإدارة والعدل) يشرّع الاحتلال ويكسب المعتدين حقاً في التعويض ويغيب الرادع القانوني الجاد عبر استبعاده قانون العقوبات اللبناني.
في المبدأ، «لا نحتاج إلى قانون خاص لإزالة هذه التعديات»، يقول مخيبر، لافتاً إلى إمكانية اعتماد قانون العقوبات في هذا المجال (المواد 737 و738)، إلا أنه في ظل الوضع السياسي الراهن «يمكن النظر إلى مشروع القانون كحافز للتطور في هذا الملف، خصوصاً في ظل الوضع الاقتصادي المختنق».
يقول خطّار إن المقاربة الأساسية في القانون مقاربة مالية وليست قانونية، لافتاً إلى ضرورة التشديد على المبدأ العام، ألا وهو «استثنائية الاشغال». برأيه، إن أي قانون يعالج هذا الاستثناء يجب أن يتّسم بصفة الطوارئ «نظراً إلى ما شهده الشاطئ اللبناني على عقود»، لافتاً إلى أنه حتى المقاربة المالية «لا تراعي حقيقة التخمين في المناطق الممتدة على الشاطئ».

يشير القيسي إلى تكبيد المعتدين غرامات «وفق درجة وقاحة كل مخالف»، إلا أن شمس الدين يلفت إلى أنه جرى اعتماد المرسوم رقم 2522 تاريخ 15-7-1992 لتحديد الغرامات، «حيث تخمين المتر المربع متدنٍّ جداً»، لافتاً إلى أن «أعلى تخمين هو مليون و250 ألف ليرة في المنطقة الممتدة من النورماندي إلى الجناح، وفي حال اعتماد هذا الاقتراح، فإن قيمة التسويات لا تزيد على 400 مليون دولار وبدلات الاشغال السنوية لا تزيد على 50 مليون دولار، وهي من دون شك أدنى من القيمة الفعلية للأراضي المشغولة».

«إذا أردت أن تُطاع، فاطلب المستطاع»، قالها النائب مخيبر، في إشارة إلى أن نقابة أصحاب المنتجعات السياحية الخاصة التي كانت حاضرة عند صياغة المشروع هدّدت بالإقفال، وبالتالي إلحاق الضرر بمئات العائلات والموظفين في حال تكبيدهم غرامات عالية. فعلياً، هي الجملة نفسها التي قالها الأمين العام للنقابة غسان عبد الله، وهو يتلو البيان المطالب بـ «العفو» في تشرين الأول من العام المنصرم.

يشير خطّار في هذا الصدد إلى إمكانية اعتماد أنواع أخرى من الغرامات، كالسماح للمواطنين بالدخول إلى هذه المنشآت واستخدام التجهيزات والتمتع بملكهم العام: «بيكونوا العالم عم يفوتوا على ملكهم مش العكس». هذا الكلام يتوافق مع مداخلة الوزير السابق شربل نحاس الذي لفت إلى إمكانية «اقتحام المواطنيين لهذه المنشآت ما دامت الإدارات الرسمية تعترف بأنها ملك عام»، منتقداً «حفلات الابتزاز التي يقوم بها المعتدون والتهويل الذي يمارسونه».
يتساءل خطار عن سبب تحديد عام 1994 موعداً لمحاسبة المخالفات اللاحقة له، إذ «لا نستطيع أن نعطي براءة ذمة للمخالفين السابقين في هذه الفترة»، مضيفاً: «إذا كانت الحجة بأن الفترة الممتدة بين عام 1975 حتى عام 1990 هي حالات قاهرة واستثنائية، فإن استثنائية الأشغال تسمو فوق تلك الظروف».
يقول شمس الدين في هذا الصدد، إن جميع المخالفات التي كانت تحصل على الشواطئ منذ عام 1975 مسجّلة في محاضر قوى الأمن الداخلي، وإذا كانت الحجة «ضعف الدولة قبل عام 1994»، وفق ما قال مخيبر، «فإن جميع المحاضر المتعلقة بهذه التعديات منذ عام 1975 مسجلة في سجلات قوى الأمن الداخلي ويمكن الرجوع إليها».
يقول شمس الدين إن هناك 431 مخالفة لا تستوفي شروط المرسوم رقم 4810 (نظام اشغال الأملاك العامة البحرية) وتبلغ مساحتها أكثر من مليون و500 ألف متر، كذلك هناك 530 مخالفة تعتدي على الملك العام والخاص تبلغ مساحتها أكثر من 600 ألف متر مربع، وبالتالي هناك مساحة تزيد على مليوني متر مربع، «أي 86% من الاشغالات المخالفة»، غير قابلة للتسوية إذا كان هناك جدية في التعاطي في الملف.

هذه الأرقام تأتي استناداً إلى تقرير وزارة الأشغال العامة والنقل، الذي «كان إنجازاً مهماً للوزارة مهّد الطريق إلى مشروع القانون»، وفق ما يقول القيسي، الذي يرفض الحديث عن حقوق مكتسبة للمعتدين، ويؤكد أن اقتراح القانون من شأنه أن يحد من التعديات الحاصلة.

من جهته، يقول مخيبر إن أمامنا خيارين: إما غياب أي قانون يحد من هذه التعديات، وإما التعامل مع قانون مشوه نعمل على تحسينه، لافتاً إلى أن هناك نقاشاً إيجابياً داخل اللجنة يدور حول التوصل إلى إمكانية الولوج الحر والمجّاني إلى البحر، مضيفاً: «لن يمر القانون إلا إذا أمنا للناس حقهم في الوصول إلى البحر»، وهي حجة ستكون كافية للقوى السياسية التي حرمت الناس بحرهم للاستمرار في عرقلة القانون.

ضرورة تعديل قانون الملكية العقارية

ماذا عن الأراضي الناجمة عن الردم؟ يتساءل المحامي إيلي خطار، لافتاً إلى ضرورة تعديل قانون الملكية العقارية الذي يتيح للأراضي الناجمة عن الردم أن تدخل ضمن أملاك الدولة الخاصة، وبالتالي إمكانية بيعها. ويشير إلى أن هذا القانون أخذ عن الفرنسيين، وفي الوقت الذي عدّل هؤلاء من قانونهم وعمدوا إلى تحويل الأراضي الناجمة عن الردم إلى أملاك الدولة العامة، لا نزال نعتمد القانون القديم. برأيه إن هذا القانون «أتاح سلب الكثير من الأملاك العامة». المعروف أن جزءاً مهماً من العقارات المستحدثة بالردم أصبح ملكيات خاصّة، ولا سيما في وسط بيروت وضبية.

مرفأ الصيادين في الدالية باقٍ

طالب عدد من ناشطي «الحملة الأهلية للدفاع عن دالية الروشة»، المدير العام للنقل البحري والبري عبد الحفيظ القيسي، ووزارة الأشغال باتخاذ التدابير اللازمة لرفع المخلفات عن الموقع، متسائلين عن سبب توقف مشروع إعادة تأهيل مرفأ الصيادين، بالرغم من أنه ملك عام بحري، فأكّد القيسي لهم أن الوزارة لا تريد رفع بلوكات الباطون عن الموقع لتأكيد استمرارية مشروع إعادة التأهيل، لافتاً إلى أن المشروع متوقف، وليس ملغى، بسبب «عدم وجود طريق رئيسي له مستقل عن الأملاك الخاصة هناك»، ومشيراً إلى أنه بصدد التواصل مع المتعهد لاستئناف الأعمال هناك.