كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”:
بعد أقل من شهر على هبوب العاصفة الباريسية التي قلبت قواعد الاستحقاق الرئاسي رأساً على عقب، أعاد الجنرال ميشال عون تثبيت ترشيحه على أنّه صاحب الأولوية أمام الأقربين قبل الأبعدين، وبأنّ مرور الزمن لا يُنهي صلاحيته، لا بل يزيده تصلّباً على لعب ورقته الرئاسية على طريقة «الصولد»، فإمّا يربح كلّ شيء وإمّا يخسر كل شيء.
يوم قال ايلي الفرزلي إنّ الجنرال لن يغادر ساح الرئاسة إلا شهيداً، لم يبالغ الرجل في مقاربته أو يرشّ عليها بعض البهار، لأنّ صاحب العلاقة يتصرّف على هذا الأساس، لا بل هو فعلياً صاحب هذه النظرية، لأنه غير مستعدّ للبحث بأي بدائل أو خطط ثانية في حال استحال تنفيذ الخطة الأساسية، وهي بلوغه قصر بعبدا. لا مكان لهذا الاحتمال على طاولة رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» ولا إمكانية لمفاوضته على اسم رديف وإن كان من صنف الحلفاء، وحتى لو كانت أحضان الخصوم مفتوحة له.
اعتقد سعد الحريري أنّ بإمكانه أن يخلط الأوراق فور تقديم عرضه «الذهبي» بتبني ترشيح سليمان فرنجية، فيضطر فريق «8 آذار» إلى التخلي عن سلّة مطالبه، وتحديداً قانون الانتخابات، ليتلقّف «الهدية الزرقاء» ويرضى بما قسمه «الشيخ المغترب»، ويُحرج بالنتيجة المرشح البرتقالي فيتخلى عن ترشيحه «الحديديّ» ويسير خلف الحليف لكونه تمكن من إسقاط جدار الممانعة الإقليمية. وإذ بحسابات البيدر المستقبلي لا تطابق حسابات حقل قوى «8 آذار»، فتعيد الاستحقاق الرئاسي الى المربع الأول، وتعلّق المبادرة، على ما يقول بعض المتابعين، ربطاً بتمسك الحريري بترشيح زعيم «المردة» ورفضه البحث بمرشح جديد، رغم عودة الحرارة الى أسلاك التواصل بين بيت الوسط ومعراب.
عملياً، انتظر سعد الحريري هدوء عاصفته وتطويقها لدى بلوغها الأجواء اللبنانية، كي يُمسك سماعة الهاتف ويطلب حليفه سمير جعجع ويفلشان معاً الأوراق الرئاسية، مع أنّها صارت مكشوفة أصلاً.
صحيح أنّ اتصالهما دام أكثر من ساعة من الزمن، لكنه بطبيعة الحال لم يأت بأي تغيير استثنائي: لا «حكيم معراب» اقتنع بما يقدّمه الحليف على طبق الترشيحات ومستعد للسير بطرح ترئيس سليمان فرنجية مهما كانت المغريات، وهي ليست بشيء بنظره مقارنة مع تداعيات حصول سليمان فرنجية على لقب الفخامة. ولا رئيس «المستقبل» قرر التخلي عن هذا الخيار لكونه لا يرى غيره سبيلاً للعودة الى بيروت ومن ثم الى السرايا الحكومية، وقد جاءت زيارة نادر الحريري والنائب السابق غطاس خوري إلى بنشعي يوم السبت في سياق تأكيد هذا الخيار.
هكذا، لا يزال الرجلان في خطين متوازيين. كل ما بوسعهما راهناً، هو السعي الى تنظيم خلافهما من خلال اللقاءات المباشرة التي ستنشط بين الفريقين في بحر الأسبوع، بحثاً عن نقاط تلاقٍ تبدو الى اليوم غير مرئية، لا بل غير موجودة، طالما أن مصلحة الحليفين غير متقاطعة.
ولهذا، لم تكن التسريبات التي عبقت بها أجواء الرابية خلال الأيام الأخيرة، عن عبث. ما يدور في أذهان بعض القواتيين عن اضطرارهم السير بترشيح ميشال عون، في حال رفعت العوائق عن طريق بنشعي – بعبدا، فيه شيء من الجِدّية، وإن كان معارضوهم يتّهمونهم باستخدام هذا الاحتمال كمناورة لا أكثر، يُراد منها دغدغة مشاعر الجنرال ودفعه الى مزيد من التصلّب، وتهديد الحلفاء من جهة ثانية ومنعهم من الاستمرار بطرح فرنجية للرئاسة.
طوال الفترة التي بدت فيها البلاد «مخبوطة» بخبر المبادرة الباريسية، بَدَتْ معراب مصدومة، ليس بفعل الطرح بحدّ ذاته، ولكن بفعل الجدية الذي بدا عليه وإصرار سعد الحريري على رفد تلك المبادرة بجرعات مقوّية تساعدها على الصمود بوجه عواصف الداخل، ومع ذلك تقصّد سمير جعجع عدم الانزلاق بأي موقف سلبي أو إيجابي. اعتمد خطة الانتظار والصمت، والاتكال على زنود «الممانعة البرتقالية».
وبالفعل، فهو لم يكن بحاجة للوقوف على منبر الرفض لترشيح الزعيم الزغرتاوي، لأنّ ميشال عون تكفّل القيام بها، من دون أن يسجّل رئيس «القوات» على سجله موقفاً سلبياً تجاه حليفه «الأزرق»، ومن خلفه السعودية. وطالما أنّ الجنرال «أدرى بشعابه»، فلا ضرورة أن يصبّ جعجع الزيت على النار، لأنّ ما يهمّ هو «أكل العنب».. وتعليق المبادرة.
وفي الأحوال كلها، يواجه الرجل مأزقاً جدياً بفعل هذا التطور الانقلابي في موقف «المستقبل»، خصوصاً اذا ما صحّت التقديرات وأصرّ الحريريون على الخيار الزغرتاوي كممر إلزامي لإخراج الشــغور من القصــر الرئاسي، وهو احتمال جدّي.. حتى لو حملت الممانعة القواتية الى خيار تزكية العماد عون، على قاعدة تقليص الخسائر، فلذلك الاحتمال أيضاً أثمانه الباهظة.