باسكال صوما
غادر سليم الزير لبنان في العام 1967، حيث سافر للدراسة في سويسرا وأميركا وبدأ المشوار الطويل بالعمل في قطاع الخدمات. لم تكن الصعوبات قليلة إلاّ أنّ الزير الذي يحبّ لبنان كثيراً، يشبهه في القدرة على النضال وتحدّي الأزمات. فكان الزير واحداً من مؤسسي أوتيل روتانا في العام 1993 في أبو ظبي، واليوم أصبح لروتانا 107 فنادق في دول الشرق الأوسط وأفريقيا، والزير يشغل منصب نائب رئيس مجلس الادارة في هذه المؤسسة التي تصبو لتصير عالمية. يقول الزير لـ «السفير»: أحبّ لبنان كثيراً بعد مرور أكثر من 40 عاماً على اغترابي، ومهما كانت الظروف صعبة، أزوره باستمرارٍ مع عائلتي، فهذا البلد هو الوطن والمكان الأجمل والأغلى على قلبي».
في مؤتمر الاقتصاد الاغترابي أمس، كانت وجوه المغتربين جميلة ومبتسمة، وربما كانت قصصهم باديةً على ملامحهم، فمنهم من سافر قبل قيام دولة لبنان الكبير ومنهم من غرّبته الحرب الأهلية وآخرين حملتهم الظروف على السفر. إلاّ أنّ ما يجمع هؤلاء هو حبّهم لهذا البلد الصغير في حجمه والكبير في قلبه.
محمد الهاشم من عائلة مغتربين. بدأت عائلته بالهجرة في العام 1921 حين سافر جدّه الى السنغال، ولحقه أولاده إلى هناك ثمّ توزّعت العائلة بين الكونغو وبلدان أخرى. الهاشم اليوم هو الأمين العام المركزي للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، وصاحب شركة للعقارات. يوضح لـ «السفير» أنّ «المشوار بدأ في التجارة الصغيرة في المواد الغذائية ثم قطاع السوبر ماركت بعد ذلك توجهنا الى الصناعة والمقاولة والعقارات»، مشيراً الى أنه «منذ عشر سنوات انتقل الى إدارة أعماله من لبنان، بيروت تحديداً». ويقول: «لبنان هو كل شيء، هناك ارتباط عضوي بين أي مغترب وأرضه، فنحن نعمل في الخارج وتبقى قلوبنا في لبنان، ونشجع أولادنا للتعلم في لبنان وزيارته حتى لا يخسروا لغتهم وتعلّقهم ببلدهم الأم».
وليد أبو شقرا رجلٌ تعلّق اسمه بالقطاع التعليمي في أكثر من بلد في العالم. فمنذ العام 1976 يوم هجّرته الحرب مع آلاف الشباب اللبنانيين الذين انتشروا في العالم، ووليد أبو شقرا يزرع بذوراً مثمرة. فهو مؤسس لعدد كبير من المدارس الاميركية والدولية، ونال جوائز عالمية على إنجازاته في المجال التربوي. يلفت ابو شقرا الانتباه الى أنه «يعمل لافتتاح مدرسة أميركية في هونغ كونغ في شهر ايلول المقبل». ويوضح لـ «السفير» ان «شركته المتخصصة في الخدمات التعليمية لها مكاتب في دبي والقاهرة وقبرص وهونغ كونغ، ولها نشاطات في دول عديدة». في لبنان يملك ابو شقرا الجامعة الوطنية في عاليه التي يعمل على تحسين مستواها، علماً أنها تقدم التعليم من دون استهداف الربح. ويأمل أخيراً أن «يكون للبنان حكامٌ يعملون من أجل مصلحته ومجده».
جلسة الافتتاح
مؤتمر «الاقتصاد الاغترابي» الذي افتتح امس، في فندق فينيسيا كان برعاية رئيس مجلس النواب نبيه برّي ممثلاً بوزير المال علي حسن خليل، وحضور وزراء الخارجية والمغتربين جبران باسيل، النقل والاشغال العامة غازي زعيتر، التربية والتعليم الياس بو صعب، إضافةً إلى مغتربين من أكثر من 20 دولة. نظّم المؤتمر مجموعة الاقتصاد والأعمال بالتعاون مع مصرف لبنان واتّحاد الغرف اللبنانية والمؤسّسة العامة لتشجيع الاستثمار (إيدال).
رأى خليل في كلمته أن «المغتربين شكلوا القوّة المادية والإنسانيّة لإعادة إعمار الوطن إثر الاعتداءات والاجتياحات الإسرائيليّة وشاركوا في بناء رأي عام عالمي تأييداً لقضية لبنان في مواجهة هذه الاعتداءات». وأشار إلى أنّ «تحويلات المغتربين لا تزال تشكّل الوسيلة الأهم في سدّ عجز الميزان التجاري وارتفاع احتياط لبنان من العملات الأجنبيّة، وفي تقرير للبنك الدولي أنّه وخلال حرب تمّوز 2006 وصلت تحويلات اللبنانيين إلى 5.6 مليارات دولار بينما كانت الصادرات لا تتعدّى 4.2 مليارات دولار».
وتابع: إنّ المجلس النيابي ومن أجل استعادة قوة حضور الانتشار اللبناني ووقف الاستنزاف لمواردنا البشرية، أقرّ في جلسته الأخيرة قانون استعادة الجنسيّة وسمح لكلّ شخص كان اسمه أو اسم أحد أصوله الذكور لأبيه أو أقاربه الذكور لأبيه حتى الدرجة الثانية على سجلات الإحصاء التي أجريت بعد إعلان دولة لبنان الكبير، أي سجل المقيمين والمهاجرين والموجودة لدى دوائر الأحوال الشخصية والذين لم يمارسوا حقهم باختيار الجنسية اللبنانية.
وتحدّث عن عدّة مشاريع «كالصندوقٍ الاستثماريِّ الاغترابيّ وشبكةِ المعلومات عن كلِّ ما هو لبنانيّ وشجَّعنا إطلاقَ الجمعياتِ ذاتِ الاختصاصِ كالجمعيةِ الطبيةِ اللبنانيِة ـ الاغترابيةِ وغيرها، وكذلك مشروعِ المدرسة اللبنانية واللغة العربية، ومشروع استثمر لنبقَ ومشروع تسويق المنتوجاتِ اللبنانيةِ في الخارج. وفي الشقِّ العاطفي بدأنا بإنشاءِ بيوت للاغترابِ في لبنانَ وأرزةِ المغتربِ ومتحف ِالمغترب».
آليات تواصل
وأكد رئيس «اتحاد الغرف اللبنانية» محمد شقير أنه «يجب ان لا تبقى مؤتمراتنا ولقاءاتنا لمجرد الالتقاء وتبادل العواطف والكلام الجميل، المطلوب أكثر من أي وقت مضى الاتفاق على آليات تواصل مستدامة ورؤى عملية وواضحة وتحديد المشاريع والفرص التي يمكن العمل عليها بشكل مشترك».
وأعلن شقير أنّ الغرفة بصدد إنشاء ناد لرجال الأعمال اللبنانيين المغترين في الغرفة الذي نأمل ان يشكل منصة للتواصل والتعاون وتحديد الفرص الاقتصادية المتاحة في لبنان والمنطقة وحول العالم وخلق شراكات عمل لتوسيع نطاق الاقتصاد اللبناني وإفادة رجال الاعمال اللبنانيين مقيمين ومغتربين.
وكانت كلمة لنائب حاكم مصرف لبنان رائد شرف الدين أكد فيها أنّ «القطاع المصرفي شكّل ملاذاً آمناً للبناني في أوقات الأزمات كالأزمة المالية العالمية في العام 2008 وأزمة الديون السيادية في أوروبا العام 2010 وساهم تشجيع مصرف لبنان بانتشار المصارف التجارية في العالم وتمركزها في أسواق الدول المرسلة للتحويلات في التخفيف من كلفة تحويل الأموال وتسريعها وتشجيع المغتربين على إيداع مدخراتهم في هذه المصارف».
وأفاد بأنّ «وتيرة التحويلات مستقرّة بالرغم من انخفاض أسعار البترول كون هذا الانخفاض يؤثر على حركة الاقتصاد في الخليج الذي هو المنبع الأهم للتحويلات إلى لبنان بنسبة 60 في المئة من إجمالي تحويلات المغتربين»، مشيراً الى أن «الاقتصاد اللبناني بحاجة إلى دعم من أبنائه المقيمين كما المغتربين في ظلّ الأوضاع التي يمرّ بها لبنان، ونصرّ على تعزيز دور المغتربين مع بلدهم الأم خصوصاً في المجالات الاقتصادية والاستثمارية في لبنان لا سيّما في الاقتصاد المعرفي عن طريق تأسيس شركات ناشئة. وبادر مصرف لبنان إلى دعم الاقتصاد المعرفي لما له من أهمية كبرى في تحقيق النمو الاقتصادي، وفي الإطار ذاته، تعد هيئة الأسواق المالية إلى طلاق منصة إلكترونية للتداول بالسلع والسندات والذهب والقطع والأسهم سيتم تشغيلها من قبل القطاع الخاص على أساس ترخيص يُمنح لمجموعة تشغيل واحدة، من شأنها أن تساعد الشركات الناشئة على طرح أسهمها على الجمهور والتواصل عالمياً مع نظيراتها».
وكانت كلمة للبروفسور النيجيري وولي سوينكا الحائز على جائزة نوبل للآداب تحدّث فيها عن انخراط اللبنانيين في المجتمع الأفريقي.
الرئيس التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والأعمال رؤوف أبو زكي أكّد أنّ «قضية الاغتراب تحتاج إلى سياسة وطنية شاملة وإلى وفاق وطني حول هيئآتها حرصاً على استقرارنا الاقتصادي والنقدي والاجتماعي، وحرصاً على مستقبل أولادنا وأحفادنا».
تكريم مغتربين
في ختام جلسة الافتتاح، كرّمت «مجموعة الاقتصاد والأعمال» عدداً من الشخصيات الاغترابية الذين حققوا إنجازات في قطاعات مختلفة ومنحتهم جائزة «الاقتصاد والأعمال للاغتراب»، وهم:
ـ البروفسور وولي سوينكا، الأفريقي الأول الحائز على جائزة نوبل للآداب.
ـ رونالد شاغوري جونيور، نائب رئيس مشروع Eko Atlantic في نيجيريا.
ـ توفيق سعيد خوري، رئيس شركة اتحاد المقاولين (CCC).
ـ جوزيف الخوري، رئيس غرفة التجارة والصناعة اللبنانية في أبيدجان ـ ساحل العاج.
ـ سعيد فخري، رئيس مجلس إدارة «إنتربلاس ليميتد» في غانا.
ـ عباس فواز، رئيس المجلس القاري الأفريقي.
ـ سليم الزير، شريك مؤسس ونائب رئيس شركة روتانا لإدارة الفنادق في الإمارات العربية المتحدة.
ـ أحمد ناصر، رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم سابقاً.
ـ فؤاد أبوحمدان، رئيس الجالية اللبنانية في الأردن.
ـ المرحوم عيد الشدراوي، المغترب اللبناني حيث تسلّم الجائزة أحد أبنائه.